جلس الإبن الذى يدرس إدارة أعمال فى إحدى الجامعات الخاصة وأشعل سيجارته أمام والده ووالدته وأمام الضيوف، اندهش.. بل فزع الجميع.. ومالت إحداهن على الأم تسألها ما الذى يحدث؟ فابتسمت الأم وقالت لها: لقد اتفقنا أنا ووالده أن يدخن أمامنا بدلا من أن يدخن فى الخفاء.. حتى يصارحنا دائما ولا ينجرف لأشياء أخرى ويخفيها عنا.. وإذا فعل الخطأ أمامنا خير من أن يفعله وراء ظهورنا!!.. تفسير أثار غيظ الجميع..
تقول احداهن انها تربى ابنتها على الحرية وتعاهدتا أن يكونا صديقتين فتصارحها وتحكى لها كل شىء.. وبالفعل فعلت الابنة ذلك مع والدتها.. ماما أنا هاخرج مع أصحابى بنات وأولاد.. ماما فلان معجب بي.. ماما أنا أكلم صديقى على التليفون.. ماما هو عايز يشوفنى ويخرج معى.. كل هذا والأم تجز على أسنانها ولكن كيف تتراجع عن «عهد الصداقة»؟ حتى جاءت الابنة يوما تقول لأمها إن صديقها لمس يدها.. فتحولت الأم فى لحظة إلى وحش كاسر ولم تدر بنفسها إلا وهى تنهال على وجه ابنتها بصفعة قوية..
السؤال الآن بعد هذه القصة الواقعية والتى تحدث أمامنا تحت مسمى التربية الحديثة.. ما هى حدود حرية الأبناء؟ وأين تقف صداقة الآباء مع أبنائهم؟
حملنا أسئلتنا إلى د. فيفيان أحمد فؤاد أستاذ علم النفس بجامعة حلوان
فبدأت قائلة: هناك مقولة شهيرة نرددها دائما وهى أن حريتك تنتهى عندما تضر الآخرين.. أما للسن الصغيرة نقول حريتك تنتهى عندما تضر نفسك..لماذا؟ لأن الصغير يضر الآخرين عندما يضر نفسه لأنه مهما كبر يظل عنده نقص فى الخبرات.. فالإنسان كلما تقدم فى العمر زادت خبراته.. وتختلف الآراء والاتجاهات مع تقدم العمر، فما نقبله اليوم نكتشف مع الخبرات أننا نرفضه غدا نتيجة تراكم الخبرات، وما كنا نؤيده نصبح نعارضه والعكس.. وما يحدث أن هناك بعض الآباء والأمهات يخلطون بين مفهوم الحرية المقيدة والانحراف الأخلاقي.. فعندما أقول لابنى هذا مصروفك افعل به ما شئت ثم أفاجأ بأنه اشترى به سجائر مثلا فهذه ليست حرية، هذا ضرر. هو له أن يأخذ المصروف ولكن لى أنا مطلق الحرية أن أسأله فيم أنفقه خوفا من إساءة استخدامه للحرية.
وتضيف د. فيفيان أن الحرية أن أترك ابنتى مثلا تختار لون ملابسها ونوع الأكل ولكن ليس أن تقضى الليل مثلا من الأصدقاء.. فالحرية حينما تتعارض مع القيم والأخلاقيات والدين تصبح مرفوضة حتى للكبار.. فالأبناء منسوبون للآباء وبعض تصرفاتهم تحت مسمى الحرية ممكن أن تضر بسمعة الأسرة وممكن أن تضر بمستقبل المحيطين.. فالابنة مثلا عندما تستخدم الحرية فى أن تلبس ما تريد وتخرج مع من تختار ممكن أن يضر بسمعتها ويتهم البيت بالانحلال.. عندما نتحدث عن الحرية نقول إن معناها أن أعطى الأبناء المساحة فى اتخاذ القرار فيما يتعلق بأمور شخصية بحيث تصقل مهارة اتخاذ القرار عندهم وتزيد من مهاراتهم الشخصية فى حدود ما هو إيجابى ومقبول أخلاقيا ودينيا ومجتمعيا.. ودائما فى علم النفس نقول إن السلوك الصحيح الذى يدل على السلامة النفسية يجب أن يكون هادفا وحتى يكون السلوك سويا لابد ألا يتعارض مع المجتمع، لأن أول مؤشرات اختلال السلامة النفسية شىء اسمه السلوك المضاد للمجتمع.. ونحن فى مجتمعنا لا نقبل الحرية المطلقة أو الانفلات حيث إن هناك ثوابت خلقية من أيام أجدادنا مثل احترام الكبير، وقدسية جسد الفتاة، ويجب على الآباء والأمهات أن يغرسوا فى أبنائهم الالتزام الأخلاقى والدين والترغيب فى السلوك المقبول البناء والابتعاد عن السلوك الهدام.. ودائما لابد أن ننمى عند ابنائنا الضمير بمعنى أن تكون الرقيب على ذاتك. وفى اطار الحريات لا ينفع أن يكون هناك تناقض فى المواقف.. فالأب لا يقول لابنه لا تدخن وهو نفسه يدخن.. الفنان محمد صبحى فى مسلسل ونيس كان يقول جملة شهيرة فى بداية المسلسل وهي: «اكتشفنا انا وزوجتى أننا فى أثناء تربيتنا لأبنائنا أننا نربى أنفسنا».. فالأم لا تقول لابنتها ألا تضع مكياجا والأم تسخر كل أموالها لشراء المكياج.. فهذا يسمى فى علم النفس التنافر المعرفي..
وتؤكد دور الأم فى غرس مفهوم الحرية لدى الابنة بالذات.. فتناقشها دائما انها إذا «رخصت نفسها» وسمحت أن يلمسها شخص فسوف تسمح بعد ذلك أن يضربها زوجها، وسوف تسمح له أن يأخذ فلوسها.. وتعلمها دائما ان ترفض الخطأ.. لأن من يوافق على الخطأ انسان مهزوز غير واثق فى نفسه. فعندما اعلم ابنتى الحرية فأنا اعلمها كيف تحافظ على نفسها وتتصرف بشكل اخلاقى يتميز بالشرف ودائما لا تفعل الخطأ ولابد ان تكون مقتنعة به.
وهذا لا يعفى المؤسسات المختلفة فى الدولة من دورها مثل المدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة ومثل الإعلام وللأسف فإن المسلسلات الإباحية تسهم فى غرس المفهوم الخاطئ للحرية.
ويطرح السؤال نفسه: متى اترك للأبناء الحرية المطلقة هل بعد سن معينة أم بعد الخروج من البيت بعد الزواج ؟
تجيب أستاذ علم النفس: هناك فرق بين التنشئة الاجتماعية والإرشاد والتوجيه ، وفى إطار التنشئة الاجتماعية أى التربية يكون الآباء والأمهات مراقبين لكل صغيرة وكبيرة من تصرفات الأبناء، وتقل تلك الممارسات كلما تقدم الأبناء فى العمر وعندما يبلغ الابن 21 من العمر يتحمل تبعات نفسه وقبل هذه السن فهو حدث لكن مع هذا فإن القانون لم يعف الحدث من المحاسبة إذن كيف يعفيه الآباء من المحاسبة؟
فالأب والأم هما المعلمان الأوائل والدائمان للأبناء، وهما أكبر نعمة خلقها الله للأبناء فهما يعطيان الإرشاد والتوجيه بلا مقابل.. المشكلة تبدأ احيانا بعد بلوغ الأبناء سن الـ30 او أكثر يفهم إرشاد الآباء على انه تدخل.. والآباء والأمهات دورهم لا ينتهى مع الكبر.. وليس هناك شيء اسمه «دقة قديمة» لأن الأخلاقيات والدين لا يختلفان..
وما يقدمه الآباء يشعرهم بأهميتم وحتى لا يحاصرهم الاكتئاب والشعور بانتهاء دورهم وأنهم مهمشون.. ودورهم فى أثناء التربية تعليم الابناء قبول الآخر ومهارة الإصغاء دون الدخول فى صراع لخلق الخبرة المختلطة لأن أساس الإبداع الأخذ بعناصر مختلفة وتجميعها مع بعض للخروج بأصوب قرار.
وأخيرا تؤكد د. فيفيان أن ما أفسد مفهوم الحرية هو عصر السماوات المفتوحة والنت وجعل الشباب يتبعون أشياء لا تتفق مع ديننا أو معاييرنا فالحرية مقيدة بالدين والمجتمع والأسرة ويجب أن نتصرف فى الحدود التى ترضى كل هذه الأطراف. لأن تصرفات الأبناء الخاطئة يعود بالسلب على صحة الأب والأم ويترك توترات داخل الأسرة ويقلل إنتاج وفاعلية الأسرة.
رابط دائم: