«يللا نروح السينما».. جملة كانت كفيلة بإدخال السعادة على قلوب الجميع، لكنها تحولت بعد شهور الحظر المنزلى بسبب فيروس كورونا المستجد، إلى جملة تستدعى التفكير والتردد والقلق وصولا إلى الرفض والاستبعاد فى الأغلب. فأصبح المثل الشعبى «سبحان مغير الأحوال»، الشعار الأمثل للمرحلة الخطيرة فى صناعة السينما، فمع العزوف الجماهيرى، تنهار سوق التوزيع من المنتج والموزع، خسارة يومية منذ إعادة فتح دور العرض. وباتت صناعة السينما على أعتاب ركود مؤكد، بعد أن كانت يوما ما مصدرا للدخل القومى المصري. لذلك وجب الوقوف على آراء «اللاعبين الرئيسيين» فى دراما مواجهة السينما المصرية مع كورونا.
الموزع .. مواجهة مع الـ 25%
سيد على، مدير دار سينما، يوضح الموقف الحالى قائلا: «تضم دار العرض 400 مقعد، وبعد قرار رئيس مجلس الوزراء بتشغيل دور العرض بنسبة 25%، واتباع الإجراءات الاحترازية بمسافة 5 مقاعد بين كل متفرج وأخر، أصبح العدد المتاح طبقا للنسبة المقررة 100 مقعد. ولكن للأسف الإقبال الجماهيرى لا يحقق 25%، فأقصى يوم يشهد مبيعات يكون باستقبال 78 مشاهدا»، يشرح على، متمنيا رفع الدولة نسبة الاشغال إلى 50%.وعن سبب ضعف الإقبال، يقول: غياب أفلام النجوم التى فى العادة تجذب الجماهير، حتى أن اليوم الأعلى مبيعا للتذاكر يسجل 135 تذكرة فى مختلف الحفلات، وذلك كان على مدى أسبوعين، بينما سجلت باقى الأيام مبيعات لم تتعد الـ 50 تذكرة. ويضيف أن ذلك المعدل يخيف قطاع الإنتاج والتوزيع من المغامرة بطرح أفلام النجوم، لأنها تحتاج إلى إيرادات كبيرة لتعويض تكلفتها الإنتاجية.
وردا على سؤال فرض نفسه «لماذا فتحت دور العرض إذن؟»، الإجابة على لسان على: «علشان أقول للناس تعالوا» .لم يختلف حسن عبد الفتاح ،مدير توزيع إحدى شركات الإنتاج مع رأى سيد على، موضحا أنه بخلاف نسبة 25%، فإن إلغاء حفلة منتصف الليل، أهم حفلات اليوم، أسهم أيضا فى تراجع الإقبال الجماهيري. وأضاف موضحا، إحدى السينمات بها 13 قاعة عرض، تحتوى على 1600 مقعد، يباع منها كحد أقصى فى يوم 600 مقعد.
ولدى عبد الفتاح تفسير إضافى لتراجع الإقبال وغياب أفلام النجوم، فهناك ارتباط بين عرض بعض الأفلام وخطة التوزيع الخارجى، المقيدة بدورها بسبب أن بعض دور العرض فى دول الخليج لم تفتح أبوابها بعد.
أما عن حجم الخسائر، فيوضح عبد الفتاح، أنه بالإضافة إلى بند «الرواتب» وقت الحظر، فإن العودة للعمل تكلفه مصاريف التشغيل الاعتيادية والصيانة، لكنه عازم على الاستمرار التزاما بقرار الدولة، ولتشجيع الجماهير تدريجيا على العودة إلى مقاعد السينما.
الجمهور.. وإيجابيات «المنصات»
وفقا إلى محمد أمين، وهو من عشاق الأفلام الأمريكية والمصرية، يلخص الأزمة الحالية بتساؤل ذكى: «لماذا أدفع مبلغ 75 جنيها فى فيلم لا أعلم مدى إعجابى به، فى حين أمامى فرصة مشاهدة كم من الإصدارات السينمائية الجديدة عبر المنصات الإلكترونية التى باتت معروفة بالتنوع، وانخفاض تكلفة الاشتراك المقدرة بمتوسط 130 جنيها». ويضيف ملخصا: «أفلام بدون حد أقصى مع الجلوس فى منزلى براحتى».
ويزيد أمين فى شرح مميزات المشاهدة عبر «المنصات الإلكترونية»، قائلا: «استطيع مشاهدة الفيلم ذاته عدة مرات، مع تذكير المنصة لى باستكمال الفيلم الذى لم انته منه، وإمكانية مشاهدة الأفلام القديمة عوضا عن شرائها من المواقع، بالإضافة لبثها أعمالا فنية متنوعة ما بين المسلسلات والمسرحيات». ولا يخفى أمين حلمه بأن تكون هناك «منصات» رياضية، قائلا: «سترحمنا من جشع القنوات التى تبث الدوريات والبطولات العالمية».وذلك الرأى ليس استثنائيا، فالمشاهدة دينا سامح تتوافق مع أمين فى مزايا «المنصات» مقارنة مع العرض السينمائى، مشيرة إلى تنوع الإنتاج المعروض عبر «المنصات» ما بين أوروبى، وكورى، مع أعمال من أمريكا اللاتينية، وكلها مدعومة بخدمات «الدبلجة» أو «الترجمة». ولكن بالنسبة إلى دينا، تتميز «المنصات» أساسا بخاصية التحكم فى المواد التى يمكن للأبناء مشاهدتها، حتى أنه بفضل ميزة «التحكم» هذه، باتت «المنصات» خيارا أفضل من التليفزيون.
وتؤكد أن «المنصات» كانت الملجأ الأنسب فى ظل أزمة «كورونا»، حتى أنها أعادت كبار السن إلى مشاهدة الأفلام، لأنها توفر الأفلام القديمة وتزيل عن الكبار عبء «مشوار» السينما.
أما رامى أحمد، فله رأى مختلف، فيربط عزوفه عن العودة إلى السينما أولا بقلقه من عدم التزام الآخرين بالإجراءات الاحترازية، فضلا عن ارتفاع قيمة تذكرة السينما إلى أكثر من 100 جنيه ، وفى ضوء الوضع الاقتصادى الصعب، يجعل من زيارة السينما بالنسبة لأسرة مؤلفة من 4 أفراد أمرا ليس باليسير.
ويتفق المشاهد خالد شريف مع رأى أحمد، موضحا أن الأفلام المعروضة محدودة العدد، وليست بالمستوى الفنى الجيد كالسابق، مما يصعب من فكرة «الاختيار». وعن أسباب أخرى تمنعه عن العودة إلى السينما، يكشف شريف عن مخاوفه من شغل نسبة الـ 25% من المقاعد فى دار العرض التى يقصدها، مضيفا: «بعد التزام الحجر المنزلى نحو 4 أشهر، أصبحت أكثر ميلا إلى الأماكن المفتوحة، بدلا من الجلوس بالسينما 3 ساعات». ولكن مازال هناك من يحتفظ بإيمانه بقيمة وجماليات مشاهدة فيلم داخل دور العرض السينمائى، فالمشاهدة نيرمين فايق، ترى أن تلك الزيارة تساعدها على الانفصال والاستغراق فى الفيلم طوال فترة عرضه.
يصعب الاعتماد على الإيمان الباقى لدى بعض فئات المشاهدين بزيارة دور العرض. ولكن الحاجة ملحة باتخاذ إجراءات مثل تخفيض الرسوم والضرائب وقيمة سعر التذكرة لإنقاذ صناعة عريقة.. هى صناعة السينما المصرية.
رابط دائم: