دعا زكى نجيب ــ ومازال ــ الى الخروج من الكهف. هذا هو «الخطاب»الأول فى فكره ووعيه الإيجابى الذى راح يؤكده لاكثر من نصف قرن وهو يفسر العديد من خطوط الخطاب الفكرى فى الواقع المصرى.
يتعجب الفيلسوف العظيم من أن بعض المشتغلين بالعلم ــ وهم فى معاملهم يرتدون معاطفهم البيضاء ــ يتصرفون طبقا لأدق تفاصيل المنهج العلمى المنضبط وهم يجرون تجاربهم؛ لكنهم بعد أن تنتهى ساعات العمل يخلعون معاطفهم ويبدو أنهم يخلعون معها المنهج العلمى؛ وكأن المنهج العلمى من لوازم «أكل العيش».
هذه الازدواجية مازال يعيش فيها الكثير من مثقفينا فى القرن الحادى والعشرين.
فى أهم كتبه «مجتمع جديد أو الكارثة» يقول: «إن الانسان يعيش فى كهف كامن بين ضلوعه، يحجب عنه الرؤية المباشرة لما يحدث حوله فى العالم الخارجى، فتراه ينضح أفكاره من ذلك الكهف المعتم، وهو يظن أنه إنما يستمد تلك الأفكار من خبراته بحقائق العالم الواقع.
من المهم هنا ان نذكر شهادة اخرى له كاتبا عن تطوره الفكرى، ورحلته التى انتهت به عبر اجتهادات جيل الرواد قبله يقول: «وانا طالب قرأت كل حرف كتبوه، وعرفت كل قضية ناقشوها، واقتربت من كل ضجة أقاموها، ودرست كل منهج أتوا به، وإن لم ألتزم بماقدموه كما هو، لقد عرفت جهد كل رائد منهم، ودرست توجهاتهم، خاصة النقدية، ولم أكن محاكيا، ورحت أصوغ من مجمل ما قدموه منهجا خاصا بى»..»لقد كنت على خلاف جيل الرواد وليس على اختلاف معهم»؛ «فضلت أن يكون لى طريقى الخاص».
ويدعو زكى نجيب للعودة الى الجذور كما يدعو الى العبور من الماضى الى الحاضر بوعى، لا الركون الى الماضى البعيد، فيجب ــ كما يقول ــ ان يكون إسلامنا على النحو الذى كان عليه الأسبقون فيما يختص بالحياة العلمية الواعية، فقد وجه العلماء المسلمون جهودهم نحو الكون يقرأون ظواهره ويستخرجون قوانينها، ثم أصابنا الجمود منذ القرن الخامس عشر الميلادى.
كان همه التأكيد على ان الاهتمام بالعلم جزء من إسلامه، وأن العبادة ذات وجهين: عبادة الله بالأركان الخمسة والبحث فى الوقت نفسه فى خلق السماوات والأرض وما بينهما كما أمر القرآن الكريم، وبهذه النظرة يرى مخرج المسلمين من الكهف المعاصر ضرورة لا تبرير لها عبر «خرافة الميتافيزيقا» على حد تعبيره.
رابط دائم: