من الآفات المؤلمة التى قد تصيب بعض الأجهزة الإدارية بمؤسساتنا الحكومية «شخصنة الخلافات»، فمن المعلوم أن الخلافات الإدارية أمر عادى وصحي، وحيثما وجدت وجهات النظر الإدارية المختلفة، وجد التميز والإبداع. والخلافات الإدارية المحمودة هى التى تنتج من أسباب معقولة تتركز فى تنوع الفهم الإدارى لإمكانيات المؤسسة والقوانين واللوائح الحاكمة، ويُعرف البعض «الشخصنة» بأنها الحكم على الآخرين، وعلى أفكارهم، ووجهات نظرهم، وتصرفاتهم، من مُنطلق ورؤية شخصيّة، وهذا ما يقودنا إلى أنّها بمثابة اقتياد الحقائق إلى المنابر التحليليّة الخاصة بشخص ما، فتراه يحكم على شخص ما بأنه تصادمي، لا لأنه رأى الشدة ظاهرةً به، ووفق حقائق مادية ملموسة، بل إنه يحكم عليه لسبب يتعلق بأفكاره الخاصة، مع إلغاء فرض الشدة والتصادم من أجل مصلحة العمل والمؤسسة ولإحقاق الحق وبسط سجادة العدالة بين الجميع، فقد يحدث اختلاف إدارى بين رئيس وأحد مرؤوسيه، فيحوله الأول إلى خلاف ليطيح بمستقبل الثانى المهني.
وتعتبر «شخصنة» الخلافات الإدارية مظهراً سلبيا وغير مرغوب به فى عالم الإدارة الحديثة، فتلك الشخصنة قد تتجه بنا إلى مساوئ عديدة، كالابتعاد عن الحقائق، تعزيز ثقافة الاتهام، والتشكيك، والتقزيم، والنزعة الشخصية فى الحكم، ويُعتبر مفهومها طريقاً مثالياً لزرع الأحقاد والكراهية بين أطرف العمل المؤسسي، كما أنها تطمس الحق وتقوّى الباطل، لأنها قائمة على أساس الأشخاص، وليس على أساس المبادئ السليمة، فهى طاردة للمعايير الأخلاقية فى التعامل، وذلك من خلال تحييد الحق ولصق الإشكالية بطبيعة الشخص وصفاته، وأحيانا قد تصل إلى التجريح فى الكلام والألفاظ.. أيضا فإن شخصنة الخلافات الإدارية قد تؤدى إلى نسف جهود الموهوبين، والطامحين، والساعين إلى التغيير، وتقودهم إلى الإحباط والانزواء بعيداً عن عجلة الحياة.
د. رجب إسماعيل مراد
أستاذ بجامعة مطروح
رابط دائم: