-
إنشاء فروع لمركز الوثائق بالأقاليم لمساعدة الباحثين
التاريخ من أكثر العلوم الإنسانية إثارة للشغف، تتجدد مناهجه بشكل مستمر لكشف الحقائق وتسليط الضوء حول الوقائع التى تحدث فى المجتمع عامة للاستفادة منها فى إنارة الطريق نحو الحاضر والمستقبل. د.محمدعفيفى، الأمين
العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة ورئيس قسم التاريخ السابق بكلية الآداب جامعة القاهرة أحد الأكاديميين المهتمين بتطوير مناهج التاريخ ليشمل كل مناحى النشاط الإنسانى بعد أن كان مقصورا على سير الحكام وأهل السياسة .
ووفقا للمدرسة الجديدة فى التاريخ التى يعد عفيفى أحد أنصارها توجه الباحثون فى الآونة الأخيرة لإعدادِ رسائل جامعية تتناول تاريخ جميع طبقات المجتمع وطوائفه والفنون كالأدب والفلكلور والسينما والموسيقى، وغيرها، ليخرج التاريخ من الحيز الضيق الذى فرض عليه فى الماضى وليتفاعل أيضا مع العلوم الأخرى التى تساعده فى استكمال الرؤية الحقيقية لواقع المجتمع.
فى بداية الحوار سألته صعن مراحل تطور مناهج التاريخ ودور قسم التاريخ بآداب القاهرة باعتباره رائدا فى الدراسات الأكاديمية ليس على مستوى مصر فحسب بل والوطن العربى؟
قسم التاريخ من الأقسام الباكرة التى رافقت تأسيس جامعة القاهرة عام 1908بعد عودة كل من الدكتورين شفيق غربال وصبرى السربونى من بريطانيا وفرنسا وعقب حصولهما على الدكتوراه شكلا معا نواة لتأسيس القسم الذى قام بدوره فى تأسيس جميع أقسام التاريخ بالجامعات المصرية والعربية بفضل جهود خريجيه الأكاديميين واحتضانه للدارسين العرب الذين شاركوا أيضا فى إنشاء اقسام فى جامعات بلادهم ، بجانب أن جامعة القاهرة استضافت نخبة من المؤرخين الأجانب المتخصصين فى كافة العصور التاريخية مثل المؤرخ البريطانى الشهير أرنولد توينبى ، كما تصدر جامعة القاهرة مجلتين علميتين وهما المؤرخ المصرى منذعام 1988 ووقائع تاريخية منذ عام 2003 ويسهم فى تحريرهما عدد كبير من أساتذة التاريخ بالداخل والخارج، ودور قسم التاريخ فى تطوير مناهج البحث بدأ منذ تأسيسه بالطريقة الجديدة وقتها وهى الاعتماد على الوثائق فى التحقق من الوقائع وهى التى استخدمها شفيق والسربونى فى إعداد رسائلهما العلمية فى أوروبا، وتأسيس قسم للوثائق بكلية الآداب فيما بعد بكلية الآداب يتولاه أساتذة التاريخ وتزويد مكتبة الجامعة بوثائق تاريخية ومخطوطات وهى عبارة عن تبرعات من جهات علمية وشخصيات عامة بأوروبا ومصر وأيضا مصادر تاريخية نادرة بلغات أجنبية وعربية وأوراق ومذكرات لضباط الحملة الفرنسة ويسمح بالإطلاع عليها للباحثين.
ولكن لا يزال يواجه الباحثون صعوبات فى الإطلاع على الوثائق التاريخية لإعداد رسائل جامعية متقنة وكذلك لحسم الجدل حول قضايا شائكة مرت بها البلاد؟
مفهوم الوثائق اتسع ليشمل وسائل الميديا الجديدة وجريدة مصر الناطقة والتى يمكن الاعتماد عليها كوثيقة باعتبارها تضم أفلاما تسجيلية ونحن فى انتظار صدور قانون الوثائق الجديد، ليضع معايير دقيقة لمفهوم الوثيقة والحفاظ عليها وصيانتها وسبل تداولها وتحديد الفترة الزمنية للسماح بالإطلاع عليها، فضلا عن إنشاء فروع لدار الوثائق بالأقاليم لتوفير عناء البحث عن الأكاديميين.
هناك العديد من المؤرخين مثل عبد الرحمن الرافعى وغيره لهم إسهامات كبيرة فى مجال الكتابة التاريخية كيف تراها وما الفرق بين الهواة والأكاديميين؟
الرافعى من المؤرخين الهواة لأنه كان محاميا وله مجموعة من الكتب حول تاريخ الحركة الوطنية ولكن لأنه كان نائبا فى البرلمان عن الحزب الوطنى القديم وقد كتب عن هذا الحزب من منظور سياسى فشبهة تحيزه قائمة ومع ذلك فلا أحد ينكر ريادته فى التأريخ، حتى محمد حسنين هيكل كان دائما يؤكد فى تقديمه لكتبه أنه مجرد صحفى يدلى بشهادته أمام التاريخ، أما المؤرخ الأكاديمى فغالبا ما يتجرد من انتماءاته السياسية والعقائدية ويضع الوثائق معيارا للحكم على التاريخ ويستخدم مناهج علمية مقارنة لا تعرف التحيز ويتحرى ثبوت الوقائع من مصادر أخرى متعددة.
المطلع على الكتب التاريخية غالبا ما يجد أنها مقسمة إلى عصور مختلفة، ونجد نقاشا لا ينقطع حول عند أى مرحلة يبدأ العصران الحديث والمعاصر فى تاريخ بلادنا.. فما رأيك؟
فكرة تقسيم التاريخ إلى مراحل كانت شبه مقدسة فيما سبق واختلف المؤرخون فيما بينهم حول بداية العصر الحديث وتعددت الآراء ولم تستقر على نقطة انطلاق محددة للعصر الحديث وتراوحت ما بين المتدينين وإصرارهم على أن الغزو العثمانى هو مفتتح العصر الحديث ودعاة التغريب الذين يتفقون على أن عهد الحملة الفرنسية هو بداية الحداثة. ولكن القضية الأكثر أهمية تتعلق بمتى يبدأ التاريخ المعاصر؟ وهذه إشكالية عصية على الحل لأن العصور كلها متداخلة بمعنى أن كل عهد يترك أثرا ملموسا فى العهود التى تليه أنظر مثلا للعادات والتقاليد السائدة فى مجمتعنا حاليا تجد أنها تعود إلى المصريين القدماء وأيضا لا يزال الفلاح المصرى يزرع أرضه وفقا للتقويم الفرعونى القديم وظلت معظم الأدوات المستخدمة فى الفلاحة إلى عهد قريب هى نفسها التى كان يستخدمها أجدادنا الأول، فالتاريخ كالنهر ممتد ولا ينقطع عن الجريان مثل حياة البشر تماما ولا يستطيع أحد أن يضعها فى خانة التقسيم بشكل قسرى.
هذه التوجهات الفكرية فى تناول التاريخ هى من صميم اعتقاداتك الأكاديمية، إلى مدى انعكست فى دراساتك التاريخية؟
قمت بتطبيق منهج المدرسة الجديدة فى التاريخ خلال فترة الإعداد للدراسات العليا كنت أول باحث يسمح له بالإطلاع على الوثائق بالمكتبة الخاصة بالبابا شنودة والتى تحولت فيما بعد إلى أرشيف الكنيسة بالإضافة إلى نشر كتاب بعنوان تاريخ آخر لمصر يعتمد فكرة أن التاريخ ليس مجرد سير للحكام والساسة بل هو تاريخ الأنشطة الاجتماعية بصفة عامة ولذلك تجد فصولا عن تاريخ الموسيقى والسينما والأدب والفلكلور والرواية كمصدر للتاريخ نجيب محفوظ نموذجا . وكنت أول من تناول شخصية القمص سرجيوس خطيب ثورة 1919، بجانب دراسة أخرى عنوانها شبرا اسكندرية صغيرة بالقاهرة. وأرى أن المؤرخ يجب ألا يعيش حبيس المكتبات وعليه أن يتفاعل مع قضايا المجتمع ويدلى برأيه فى الأحداث عن طريق نشر المقالات فى الصحف وإلقاء المحاضرات فى المنتديات العامة حتى يصبح عضوا فاعلا فى الحراك الاجتماعى وموجها للشباب بما له من اطلاع وافر على حركة التاريخ.
رابط دائم: