رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حلمى سالم شاعر الأعراف

د. إبراهيم منصور

يوم الأحد السادس عشر من أغسطس أقام منتدى الشعر المصرى احتفالا بمناسبة توزيع جائزة المنتدي، وقد فازت بها الشاعرة «رضا أحمد» الجائزة التى يمنحها منتدى الشعر، تصدر باسم الشاعر حلمى سالم (مواليد 1951م) الذى توفى فى الثامن والعشرين من يوليو (تموز 2012م) بعد صراع مع مرض سرطان الرئة. لقد مضى الشاعر تاركاً لنا إرثه من الشعر، وقد بلغ عشرين مجموعة شعرية، أولها ديوان «سكندريا يكون الألم» الصادر عام 1974م.

...........

لكن حلمى سالم لم يكن شاعرا وحسب، لم يكن ناظما للشعر وكفي، بل كان مدافعا عن الشعر، وعن الشعراء، وعن البلاغة الجديدة. أذكر أننى نقلت فى أول صفحة من كتابى «الشعر والتصوف: الأثر الصوفى فى الشعر العربى المعاصر» (القاهرة 1999م) نصا لحلمى سالم يقول:

(هل عاد لائقاً لمثلى أن يقول:

«صافيةً أراكِ يا حبيبتى

كأنما كَبرْتِ خارجَ الزّمَن» ؟

عهدٌ من الغِناءِ فاتْ)

لماذا نعى حلمى سالم زمن الرومنتيكية وغناءها كما ورد فى السطر الأوسط من الاقتباس السابق، المنقول

من صلاح عبد الصبور(1930-1981م) ؟

تلك قصة الحرب البلاغية القديمة الجديدة، التى اعتاد طه حسين (1889-1973م) أن يسميها «الخصومة بين القدماء والمحدثين» لكن العجيب أن القرابة البلاغية بين عبد الصبور وسالم، كانت قرابة من الدرجة الأولي، فحلمى سالم، تعلّم الشعر من عبد الصبور، وكتب ونشر شعره فى المجلات التى كان عبد الصبور يتولى نشرها من مؤسسات الدولة.

تربى حلمى سالم على كتب جبران (النبي) وقصص يوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي، وشعر صلاح عبد الصبور، ومحمد عفيفى مطر، ثم أغانى عبد الحليم حافظ التى كتب بعضها صلاح جاهين، لكن الجانب السياسى الذى كانت تتغنى به مقالات يوسف إدريس وأغانى عبد الحليم، دفعت الطالب حلمى سالم لأن يتطوع مع زملائه الطلاب لحمل السلاح فى أول مايو 1967م، ثم ذات صباح مبكر فى 5 يونيو (حزيران) قال لهم المسئول عن معسكر التدريب (يلّه قوموا روحوا) [هيا انهضوا وانصرفوا] قال الطلاب: نحن جئنا لكى نحارب، فقال المسئول عن المعسكر «إن الحرب قامت وخلصت» فيعلق حلمى سالم على ذلك الموقف قائلا « صُدمنا من هذا التناقض القاسى بين الشعار الثورى الموضوع والواقع المنهزم المكسور»

أليس هذا ما كان عندما قامت الحرب، فوقعت النكبة عام 1948م، فى فلسطين، فكانت نكبة لكل العرب؟ فقامت بعدها حركة الشعر الحُرّ فى كل من العراق ومصر والشام، قامت لتهدم رومانتيكية العقاد ونعيمة وجبران والجارم، وهنا نحن نزعم أن هزيمة العام السابع والستين، تركت أثرها على حركة الشعر فى مصر فنشأت الجماعات الشعرية المستقلة.

قاد حلمى سالم، مع ثلة من زملائه، حركة التحول فى مصر من شعر التفعيلة إلى قصيدة النثر، وكانت له ثلاثة أدوار واضحة:

الأول الاستمرار فى الكتابة الشعرية على نهج قصيدة التفعيلة.

الثانى إدخال تعديلات على قصيدة التفعيلة.

الثالث التنظير للبلاغة الجديدة والدفاع عنها.

بحكم تخرجه فى قسم الصحافة فى كلية الآداب، جامعة القاهرة، عمل حلمى سالم فى الصحافة، واختلط بالأدباء والشعراء والمثقفين من جيله والأجيال السابقة عليه، ولكنه بحكم الانتماء لليسار، تحرك فى المساحة التى كانت متاحة للتيار الماركسى والناصرى العروبى والقومي، لذلك انتهى به الأمر وقد أصبح رئيس تحرير المجلة الأدبية التى أصدرها «حزب التجمع الوطنى التقدمي» باسم «أدب ونقد» لكن هذا كان بعد زمن من تكوين جماعة شعرية مع أصدقائه الشعراء: جمال القصاص وحسن طلب ورفعت سلام باسم «إضاءة 77» وقد أصدروا أول عدد منها فى يوليو 1977م.

نشر حلمى سالم نصا بعنوان «المستوصف» (1991) جاء فيه:

«كنتُ معلقة بمفاتيح القدس فصرتُ معلقة من رِمْشي/ الليل الرحم/ عطوفٌ وطرابيش وسِيزا نبراوي/ مدنٌ

كذابات من حركات التصحيح/ صقور/ هل أحضرتَ اللوزات؟/ القيْءُ قليل هذا الليل/ غريبٌ يلمس فى المفترق غريبا/ ماتتْ أمى فى «المخصوص» بسرطان المرّيءِ/أنا الضحّاكةُ فى الآصال الهنّاكةُ فى الخِدْرِ.»

فى هذا النص مزيج من الواقعية، والواقعية السحرية، والباروديا والمحاكاة الساخرة، إنه يذكر الفلاحين، والمرأة المصرية، والسياسة بفشلها المتكرر، ربما سبق بها حلمى سالم، لأنه كان شاعرا مشهورا وقت تحوله لهذا اللون من الكتابة، بينما من اختاروا هذا الطريق، وهم جيل الثمانينيات كانوا لا يزالون فى بداية الطريق تماما. إن القصيدة هنا تشبه القصيدة الحديثة، فلك أن تتخيل أن الشاعر لم يكتب المقاطع أو السطور الشعرية بهذا الترتيب الذى نقرؤه الآن على الورق، كما هى حال الروائى الذى يكسّر الزمن ويقطّعه.

فى هذا الديوان نفسه ( فقه اللذة) نقرأ من قصيدة بعنوان «طائر الرذاذ» : « أحبُّ فيروز وعبد الوهاب وخان الخليلى وبنْ جلّون، شاهدتُ فيلما واحدا عن ساعى البريد/ وقعتُ فى الغرام تسعين مرةً حينما سمعت عازفا يقول: «يا مَنْ يدلُّ خُطوتى على طريق الضحْكَة البريئةْ / يا من يدل خُطوتى على طريق الدمعةِ البريئةْ» /فهِمْتُ به لكنه راح فى الوباء» مرة أخرى يعود سالم لأبيه الشعرى «صلاح عبد الصبور» لكنه يخاصمه قليلا، ويمسك به قليلا فى الوقت نفسه.

لكن المدهش أن بعض الشعراء اتهموا حلمى سالم، فهذا شاعر من جيل الثمانينيات يكتب قائلا «حلمى سالم النموذج العملى البرجماتى الذى لا تهمه الوسيلة، وإنما المكتسبات المادية، والمعنوية هى الأساس، حتى صار وكيلا رسميا لمعظم الأدباء العرب، بكل اختلافاتهم، وتناقضاتهم السياسية والإبداعية، وصار شعره جماع كل الأداءات، فهو يجمع بين أداء الرواد التفعيلي، وأداء الثمانينيات، وما بعدها النثري، فى صيغة مفتعلة ومفككة، يغلب عليها الاستنساخ والاستسهال» (فتحى عبد الله، أخبار الأدب 29 سبتمبر 2002) والحق أن ما ذكره فتحى عبد الله بشأن جمع حلمى سالم فى شعره بين نمط التفعيلة والنمط النثري، هو حقيقة، وهى ميزة فى تطوره الشعري، ولم تكن تصدر عن سالم بغير وعي.

أصدر حلمى سالم كتابا بعنوان «الحداثة أخت التسامح، الشعر العربى المعاصر وحقوق الإنسان» فى هذا الكتاب جمع سالم بين نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، وبين نزار قبانى وإبراهيم داود وعماد أبو صالح، ووسط الفريقين كل من أدونيس ومحمد الماغوط، فدرس بعض قصائدهم، واختار بعضا منها فى ملحق ضم خمسة عشر شاعرا. وكتب سالم فى مقدمة كتابه يقول «الحداثة إيمان المبدع بالعقلانية فى مواجهة النقلانية، وإيمانه بحقه (بواجبه) فى ابتكار فن يدل عليه، ويجسد ذاته ويصور فردانيته، فى مواجهة فن يدل على النمط الجاهز، السابق، ويجسد القطيع، ويصور الخارج والجماعة والعموم، بهذا المعنى وما يصحبه من توجه إلى فتح صناديق المحرمات الثابتة: الدين والسياسة والجنس.»

وقد انطلق الشاعر حلمى سالم يفتح تلك الصناديق فى غير خوف ولا وجل، حتى كتب نصه «شرفة ليلى مراد» ونشره له أحمد عبد المعطى حجازى فى مجلة إبداع عام 2007م، مما ترتب عليه رفع دعوى «حسبة» ضد الشاعر ومطالبة بسحب جائزة الدولة منه، لتورطه فى المروق من الدين، وحكمت المحكمة بإغلاق مجلة إبداع.

من مناقب حلمى سالم أنه لا يكابر، ولا يغالط، بل إنه يعترف حتى بأثر زملائه فى آرائه، وتأثره بشعرهم وخاصة على قنديل (1952-1973م) وحسن طلب، ويعترف بأن شعره به عيوب يعددها فى غير تردد، ومن مناقبه، وقوفه يعاضد ويناصر الموجة الجديدة من الشعراء التالين له.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق