رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«خلفة» الولد معركة تقودها «الحموات»

إشراف فتوح سالمان

من المعتاد أن تتوجه حملات التوعية بأهمية تنظيم الأسرة وضرورة الاكتفاء بطفلين إلى الزوجين على افتراض أن قرار الإنجاب يعود إليهما فى المقام الأول وهما صاحبا الحق فى تحديد عدد أطفال الأسرة. لكن واقع الحال يشهد أن قرار الإنجاب تتدخل فيه أطراف كثيرة من أهل الزوجين خاصة والدة الزوج أو الحماة التى تمارس ضغطا كبيرا على الزوجين تتحمل المرأة منه الجانب الأكبر خاصة فيما يتعلق بإنجاب الذكر.

 

فخلال ثمانى سنوات من الزواج أنجبت «هبة» البالغة من العمر 27 عاما ستة بنات وتنتظر الطفل السابع الذى تتمنى أن يكون ذكرا كى تتخلص من إلحاح حماتها ومعايرتها لها بإنجاب البنات بالنسبة لها لم تكن تريد ذلك وكان حلمها أن تكتفى بطفلين او ثلاثة على الأكثر لكنها عجزت عن إنجاب الذكر وهو ما جعلها هدفا لهجوم مستمر وضغط شديد من حماتها التى أصبحت تعاملها بقسوة وتكره بناتها وتتهمها بأنها أقل من «سلفاتها» اللاتى أنجبن بدل الولد اثنين وأكثر.

أما «ابتسام» فقد أنجبت أربع بنات وولداً لكن حماتها لا تعد ولدا واحدا يكفى بل يجب عليها أن تؤمنه بذكر ثان على الأقل وكانت النتيجة بنتا خامسة ومازالت المحاولات مستمرة. على الرغم من أن «محمد» ترك قريته فى الصعيد منذ أكثر من خمسة عشر عاما وأقام بالعاصمة وتزوج بفتاة من المدينة وأنجب منها بنتين فإنه يتعرض لضغط شديد من والدته التى لا تكف عن الحديث ومطالبته بإنجاب الذكر والنتيجة انه قرر المحاولة للمرة الثالثة وأصبح عدد البنات ثلاثا والأم لا تكف عن مطالبته بالولد.

أما «رشاد» البالغ من العمر 48 عاما الحاصل على دبلوم زراعة الذى زوجته والدته الأرملة الشابة وقتها صغيرا فى السابعة عشرة من عمره لأنه وحيدها على خمس بنات فقد نجح أخيرا فى تحقيق حلم والدته وأنجب الذكر من زوجته الثالثة بعد عشر بنات أنجبهن من زوجتين سابقتين ولأن الزوجة الثالثة ما زالت فى أوائل الثلاثينيات فمن حقها محاولتان أخريان كما يقول فربما كانت خلفتها ذكورا عكس زوجتيه السابقتين وعلى الرغم من انه زوج ثلاثا من بناته الكبريات وأصبح جدا لأربعة أحفاد حتى الآن لكنه يريد ان يرضى والدته التى رحلت قبل ان ترى الصبى الأول ويملأ لها البيت بالأولاد فهو يشعر انه مذنب فى حقها وتوفيت قبل ان تفرح بخلفته. ابو البنات يعمل فى تجارة الملابس وموارده محدودة لكنه لا يرى ان فى ذلك مشكلة فالأرزاق بيد الله.

والمؤسف ان الامر لا يرتبط بالضرورة بانخفاض المستوى الاقتصادى او التعليمى فأحيانا ما يكون الاب والام من الجامعيين لكنهم يستمرون فى الإنجاب من اجل الولد مثل «ماجدة» مدرسة الرياضيات وزوجها الصيدلى اللذين أنجبا حتى الآن أربع بنات لكن إنجاب الولد يبقى الهدف الرئيسى. أعطت «ماجدة» لنفسها محاولتين جديدتين على أمل وصول الولد فعدد ستة اطفال ليس كبيرا وبإمكانها إعالتهم والعناية بهم.

أحيانا يصل الأمر الى درجة القتل وبين الحين والآخر نسمع عن حوادث قتل الأب بناته لأنه لا يحب إنجاب البنات أو تخطف سيدة رضيعا ذكرا أو تتخلص الأم من طفلتها لمعايرتها بإنجاب البنات ومنهن «رشا» التى ألقت النيابة القبض عليها لقتلها طفلتها بعد 20 يوما من ولادتها لأنها كانت الابنة الرابعة وبررت الأمر فى التحقيقات بأنها خافت عليها من المصير المؤلم والقسوة التى تعامل بها هى وبناتها الثلاث من زوجها ووالدته وتهديدها بتزويجه بأخرى إن هى أنجبت بنتا للمرة الرابعة وقد كان.

تشير التقارير الرسمية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء إلى وقوع 12 ألف حالة طلاق سنويا سببها «خلفة البنات» ورفض الزوجة الاستمرار فى الإنجاب لحين وصول الولد.

القاهرة وحدها بلغ عدد حالات الطلاق فيها 1780 حالة لهذا السبب والإسكندرية 1017 حالة طلاق بينما زادت النسبة فى الصعيد إلى 20% وفى الوجه البحرى إلى 15%.

كما يشير تقرير سابق للجهة نفسها إلى ان 92% من الرجال فى مصر يفضلون إنجاب الذكور على إنجاب الإناث ويعد الدكتور عمرو حسن أستاذ مساعد النساء والتوليد بقصر العينى والمقرر السابق للمجلس القومى للسكان، ان تدخل الأمهات والحموات وضغطهن على إنجاب الذكر احد اكبر المشكلات التى تعوق ملف التوعية السكانية فى مصر وحملات «اتنين كفاية» وغيرها وللأسف فأغلب حملات التوعية تركز على المرأة وصحتها الإنجابية وتتجاهل أطرافا أخرى مثل الأم والحماة وهو من خلال عيادته ومرضاه يرصد خطورة المشكلة فالحمل الثالث هو غالبا من أجل إنجاب الولد ولا تتوقف المحاولات حتى وصوله وتلقى المرأة بالمسئولية على زوجها وإلحاحه عليها لإنجاب الذكر بينما يلقى الرجل بالمسئولية على والدته وإلحاحها عليه. ويضيف أنه حتى فى حالات ارتفاع المستوى التعليمى والاجتماعى والثقافى للزوجين كثيرا ما أقابل هذه النماذج ويضيف استشارى النساء والتوليد ان عمليات تحديد نوع الجنين رغم تكلفتها العالية فإنها أصبحت تشهد إقبالا كبيرا من الزوجين وفى مصر لا تجرى إلا من أجل إنجاب الذكر على الرغم من أنها فى الخارج تجرى فقط فى حال وجود أمراض وراثية تصيب الذكور او إناث العائلة فيقرر الزوجان تحديد جنس المولود ممن لا يحملون جينات المرض، ويقول المقرر السابق للمجلس القومى للسكان انه على الرغم من اهتمام الدولة بملف الزيادة السكانية فإنها تبقى حملات موسمية فنحن نهتم بالامر عند وصولنا مثلا لرقم مائة مليون ثم نفقد الحماس لكن الأمور تزداد خطورة ومن المتوقع وصول عدد السكان فى مصر الى 170 مليونا فى الأعوام الثلاثين المقبلة وسيقفز ترتيب مصر الى المركز الرابع عشر على مستوى العالم من حيث عدد السكان وهو أمر يصفه بالخطير كما ان تعدد الوسائل الإعلامية وانتشارها لم يؤثر إيجابيا على حملات التوعية بل على العكس قلل من أثرها بسبب تعدد الوسائط وتكلفتها العالية.

الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع، ترى أن تفضيل خلفة الذكر موروث اجتماعى ضارب الجذور وخاصة فى الصعيد والوجه البحرى بسبب عدم توريث البنات واعتبار أن من أنجب بنات كأنه لم ينجب وسينقطع اسمه من الدنيا والذكر فقط هو من يخلد اسم العائلة ويكون سندا لها وهو ما نحتاج لمواجهته والبحث عن سياسات توعوية جديدة وأفكار غير تقليدية تستهدف المشكلة من جذورها، وتقول أستاذ علم الاجتماع الغريب فى الأمر هو أن النساء يعرفن أكثر من غيرهن ان السند الحقيقى هو البنت لكنهن فى بعض المجتمعات يصبحن أشد ذكورية من الرجال أنفسهم والحل من وجهة نظرها هو التعليم الجيد فلن تتغير النظرة لخلفة البنات إلا بالوعى والتخلص من الفكر القديم والتركيز مع الأجيال الجديدة من الشباب فربما تخلصنا من عقدة «خلفة الولد».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق