مع انضمام حزب العمل الإسرائيلي إلي حكومة بنيامين نيتانياهو، ينتهي الصوت المعارض الذي كان يرفض ضم الأراضي الفلسطينية ويتمسك باتفاق أوسلو ويحافظ علي اتفاقات السلام ويمثل شوكة في ظهر اليمين الإسرائيلي الذي يريد أن يأخذ كل شيء ولا يعطي شيئا. وقبل أن ينتهي فعليا بقرار الانضمام للحكومة، انتهي نظريا عندما فاز بـ 3 مقاعد فقط في الانتخابات الأخيرة، ورأي القائمون علي الحزب أنه لن يحقق شيئا من خلال هذه المعارضة الهزيلة ولكن من الممكن أن يستعيد ناخبيه من خلال وجوده في التركيبة الحكومية ولكنه في الحقيقة تخلي عن منهجه الفكري بعد أن أصبح مزاج الناخب الإسرائيلي يمينيا.
كان عمير بيرتس، رئيس الحزب، قد قرر الانضمام إلي الحكومة المشتركة بين نيتانياهو وجانتس من خلال توقيع اتفاق مع جانتس، هذا الاتفاق لا يعطي لحزب العمل حرية التصويت علي مواضيع خلافية، ومنها موضوع ضم مناطق في الضفة الغربية إلي إسرائيل. كذلك تعهد حزب العمل بألا يكون طرفا في أي مسار نحو تفكيك الحكومة، أو حل الكنيست.
وضعية حزب العمل الإسرائيلي بعد قراره الأخير، أنهي دوره كحزب سلطة أو كبديل للحكم، بعد أن كان حزب العمل هو الحزب الأكبر في كل التحالفات التي قام بها، وطبعا فشل في تحقيق حلمه بالعودة إلي صدارة الحلبة السياسية والحزبية، ولكن هذه المرة ينضم الحزب إلي قائمة أزرق أبيض التي تعتبر نفسها تيار وسط بين المعارضة والحكم ثم انضمت إلي التشكيل اليميني وجذبت الحزب المعارض الوحيد في الساحة الذي أصبح لديه ثلاثة أعضاء كنيست فقط, وهو الرقم الأدني في تاريخه السياسي، اثنان اختارا أن يصبحا وزراء وواحدة اختارت البقاء في المعارضة.
مجرد وزيرين
وجهت صحيفة «هاآرتس» في افتتاحيتها نقدا شديدا إلي عمير بيرتس علي قراره الانضمام للحكومة وجاء في الافتتاحية: «ليست كورونا ولا حالة الطوارئ الوطنية يشكلان أسس الشراكة بين أزرق أبيض وبين بنيامين نيتانياهو». وبدلا من التعاون مع حكومة نيتانياهو الفاسدة، علي حزب العمل البقاء في المعارضة، واستغلال الوقت لرحلة طويلة من حساب النفس، واستخلاص العبر وتعديلها، ويبدأ ذلك في تغيير الرئيس الذي أودي به إلي أسفل السافلين، سواء من الناحية الانتخابية، أو من ناحية ثقة الجمهور.
وأشارت الصحيفة إلي أن بيرتس ليس المتهم الوحيد في تلك الكارثة، بل كان حلقة في سلسلة انهيارات لهذا الحزب، ولكنه أعطي لنفسه، دون وعي، دور الحانوتي (الذي يقبر الميت) للحزب. ومعني ذلك أن الواقع السياسي لم يترك لبيرتس رئيس الحزب وشريكه في القرار إيتسيك شمولي أي خيار سوي الانضمام للحكومة. أما علي صعيد السياسية- الخارجية، فإن بيرتس وشمولي سيسجلان بأنهما وقعا علي الإنجاز السياسي الكبير للمستوطنين، وهو ضم مناطق من الضفة الغربية. وبرر الرجلان انضمامهما للحكومة لاعتبارات اقتصادية ــ اجتماعية، وقد حصلا علي وزارتين «في الشأن الاقتصادي بيرتس والاجتماعي شمولي»، غير أن هذا التبرير ضعيف فليس هناك ما يضمن أن تنفذ الحكومة خطوط السياسة الاجتماعية- الاقتصادية للرجلين رغم تضمينها في اتفاق الائتلاف الحكومي، ولذلك يحاول الرجلان التقليل من أهمية موضوع ضم الأراضي الفلسطينية باعتباره مجرد كلام ولن يخرج إلي حيز التنفيذ، ولكن الضم هو في صلب التصور الأيديولوجي لنيتانياهو. وهكذا فإن الرجلين دخلا إلي الحكومة فقط من أجل أن يصبحا وزيرين ليس أكثر، ولن يهتم لهما نيتانياهو عندما يقرر ضم مناطق في الضفة الغربية. وفي الوقت نفسه يكره ناخبو حزب العمل نيتانياهو حتي قبل اتهامه بالفساد والرشوة، ويعتبرونه أسوأ ما حدث للمجتمع الإسرائيلي، ويريدون تغييره، وقد نجح مرة أخري في إخضاع خصومه وإذلال ناخبيهم، ولهذا السبب يعتقد كثيرون من مؤيدي حزب العمل أن ما قام به الرجلان هو خيانة لناخبي ومؤيدي الحزب.
السجال داخل العمل
في مقال شديد اللهجة لعضوة الكنيست عن حزب العمل ميراف ميخائيلي المعارضة لدخول الحزب إلي الحكومة، حذرت من أن حزب العمل ينتحر سياسياً بهذه الخطوة. وكان عنوان مقالها «لحظة قبل الانتحار النهائي لحزب العمل» وقالت ما أقدم عليه عمير بيرتس وإيتسيك شمولي سيؤدي إلي ارتماء الحزب في أحضان حكومة نيتانياهو، الحكومة الأكثر خطورة وفسادا. وبررت قبول الحكومة للائتلاف مع العمل بأنهم يريدون أن يكون حزب العمل شريكا في إلغاء اتفاق السلام مع الأردن وشطب اتفاق أوسلو.
وفي مقال آخر رد إيتسيك شمولي، عضو الكنيست والوزير في حكومة نيتانياهو ــ جانتس، بعنوان «القداسة المعذبة في المعارضة» هاجم موقف ميراف ميخائيلي، عضوة الكنيست عن حزب العمل بسبب معارضتها دخول الحزب للائتلاف الحكومي، متهما إياها بالديماجوجية، ومشيراً إلي أن هناك من أحب أن يكون في المعارضة رغم أن أزمة كورونا تضرب العالم، وهي أزمة تحتاج إلي حكومة تواجهها بما تحمله من تداعيات اجتماعية واقتصادية. كما أشار إلي وجود أكثر من مليون عاطل عن العمل وهذا يحتاج من الحزب أن يتحرك، ويعترف شمولي بأن الاتفاق لم يكن مثاليا ولكنه يتضمن إنجازات مهمة، مثل: تحديد موعد نهاية ولاية نيتانياهو من خلال تشريع قانوني، وتحقيق مساواة في توزيع الوزارات، وشراكة في اتخاذ القرارات، وتأثير علي تحديد السياسات الاجتماعية- الاقتصادية، وكبح جماح ضم مناطق من الضفة ووقف المس بالجهاز القضائي.
رابط دائم: