رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سياسة اليونان وأزمة اللاجئين

محمد على

منذ عام 2015 تقريبا، بدأ الاتحاد الأوروبي في التعامل مع اليونان باعتبارها حائط صد يحجب عنه المهاجرون غير المرغوب فيهم من أبناء مناطق العالم الملتهبة، وفي مقدمتها الشرق الأوسط بطبيعة الحال. وأدي هذا إلي ظهور مخيمات رثة تؤدي آلاف اللاجئين فوق جزر بحر إيجة الصغيرة أو علي ساحلها. وبالتزامن، توصل الاتحاد إلي اتفاق مهلهل مع أنقرة تصبح تركيا بمقتضاه حارسا للحدود الأوروبية، فتمنع اللاجئين من عبور البحر إلي الساحل اليوناني. رحبت أنقرة بالمهمة، وتعهدت بروكسل بمساعدات مالية سخية إلي جانب امتيازات دبلوماسية ترضي غرور الأتراك. ولكن يبدو أن الوضع أكثر إيلاما علي الأرض، وإن كانت جائحة كورونا قد سحبت الأضواء عن هذه الأزمة منذ بداية العام.

 

تناولت صحيفة «الجارديان» البريطانية في 27 أغسطس الماضي قضية اللاجئين علي أبواب أوروبا في ظل الجائحة، من منظور الصحفي البريطاني دانيل تريلينج مؤلف كتاب «أضواء عن بعد: المنفي واللجوء علي حدود أوروبا». وتنقل السطور التالية أبرز ما جاء في المقال استنادا لآراء كاتبه.

أنباء مزعجة

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرا عن طرد اليونان أكثر من ألف مهاجر سرا علي دفعات خلال الأشهر الأخيرة بغرض تخفيف الزحام في المخيمات لافتقارها إلي الاشتراطات الصحية اللازمة. ويشير التقرير إلي وحشية الطريقة، إذ يوضع المهاجرون علي قوارب مطاطية ويلقي بهم في عرض البحر ليواجهوا مصيرهم، إما بالوصول إلي السواحل التركية، أو لعل الحظ يصيب بعضهم فتنقذهم المراكب العابرة، وتنتقل المشكلة إلي وجهة ثالثة. ولا يعلم أحد إذا ما كانت هذه الجهة متعاطفة (نسبيا) مع قضية اللاجئين أو تناصبهم العداء شأن غيرها. وكشف التقرير كذلك عن وجود معتقل سري يوناني علي الحدود البرية المشتركة مع تركيا حيث يطرد المهاجرون منه دون منحهم حق اختيار الوجهة التي يودون اللجوء إليها. وعقب كيرياكوس ميتسوتاكيس وزير الخارجية اليونانية علي هذا التقرير بقوله: «إن أثينا تتبني سياسة صارمة وإن كانت عادلة في الوقت نفسه اللاجئين». ويعيد هذا التقرير إلي الأذهان ممارسات أخري وقعت في الربيع الماضي علي الجانب التركي ولا تقل وحشية. فقد فتحت تركيا، الباب أمام آلاف المهاجرين للرحيل عشوائيا في اتجاه الحدود اليونانية. وعمدت أنقرة بهذا الإجراء إلي الضغط علي أوروبا من أجل الحصول علي مزيد من الامتيازات المالية والسياسية. وكان لها ما أرادت، وهدأت الحدود، ولتبقي الأزمة علي حالها.

وفي جنوب المتوسط، تستمر محاولات المهاجرين اليائسة للوصول إلي أوروبا بالقوارب انطلاقا من الساحل الليبي. وللحد من هذا الزحف، لجأت أوروبا خلال الأعوام الأخيرة إلي وقف عمليات إنقاذ المهاجرين في عرض البحر، رغم الطابع الإنساني البحت لهذه الأنشطة. وأدي هذا إلي نتيجتين حتميتين لا تقلان سوءا عن بعضهما: الموت غرقا، أو العودة إلي حظائر المهربين علي الشواطيء الليبية. واعتبارا من مارس الماضي، أغلقت إيطاليا ومالطا موانئهما أمام سفن إنقاذ المهاجرين لدواعي انعدام السلامة بسبب جائحة كوفيد 19 ثم تراجعت الحكومة الإيطالية نسبيا عن القرار وفي أضيق الحدود الممكنة، إلا أن مالطا لجأت إلي حيلة خبيثة. فقد شكلت أسطولا صغيرا من السفن التجارية بغرض تعقب قوارب المهاجرين البالية في عرض المتوسط واعتراضها، ثم إعادة ركابها قسرا إلي خفر السواحل الليبي !. ولكن أوروبا غضت الطرف عن حقيقة ناصعة، وهي أن إعادة الفارين دون رغبتهم إلي منطقة حرب، يعني مخالفة القوانين الدولية التي تحظر هذا.

أنانية المصالح الخاصة

قدمت السطور السابقة صورة بائسة لحال المهاجرين وطرق التعامل معهم. وعكست في طياتها حرصا من بلدان جنوبي أوروبا علي تخفيف عبء مشكلة النزوح الواقعة علي عاتقها منفردة. ولكنها أظهرت بطريق آخر قدرا عاليا من الأنانية الأوروبية، ورغبة من الاتحاد في حماية مصالحه الخاصة بغض النظر عن الشعارات البراقة. بمعني آخر، فإن القارة (ككيان) تعمل علي سد ثغرة التسلل عند البوابة التركية اليونانية، وقبالة السواحل الليبية بأي ثمن. وحتي لا تبدو العبارات متحاملة وخارج السياق، فقد قررت المفوضية الأوروبية استحداث منصب «مفوض حماية طريقة الحياة الأوروبية» قبل بضعة أشهر. ومن المنتظر إعلان «ميثاق الهجرة واللجوء» الأوروبي الجديد الشهر المقبل، بما يهدئ المخاوف الداخلية تجاه الغرباء الجدد، مع الحد من وصول طوفان منهم بما يهدد التركيبة السكانية القائمة. وسوف ينظم هذا الميثاق سياسة الاتحاد لأعوام مقبلة.

وإحقاقا للحق، فإن هذه الميول المتشددة في سياسات الهجرة الأوروبية لم تولد فجأة، بل تراكمت في خلال الأعوام الخمسة الماضية لدواعي تضارب المصالح السياسية الداخلية. فالسياسيون الشعبويون اليمينيون في الدول الأعضاء يعتبرون المهاجرين غير الأوروبيين خطرا يهدد الحضارة الأوروبية. وفي المقابل، يتبني السياسيون المعتدلون (جناح الوسط) بعض مطالب أقطاب اليمين المتشدد من أجل إبعادهم عن مقاعد السلطة !. أما قطاع الصناعات الأمنية والدفاعية فيوفر حلولا مبتكرة (كالطائرات المسيرة) لمواجهة مشكلة المهاجرين. وتعتمد هذه الحلول علي التكنولوجيا المتقدمة، وإن كانت تتطلب تمويلا سخيا لا يمكن توفيره علي الدوام.

وفي ظل هذه الأوضاع المعقدة، حذر تقرير أصدرته منظمة «ستيت ووتش» الأوروبية غير الحكومية الشهر الماضي من أن الاتحاد الأوروبي يتحول شيئا فشيئا إلي ما يشبه «ماكينة للطرد». وأوضحت أن وكالة فرونتكس لمراقبة الحدود الأوروبية تعتزم مضاعفة إمكاناتها الفنية لمساعدة الدول الأعضاء في تعقب المهاجرين الذين ترفض طلباتهم للجوء تمهيدا لطردهم. وأشار التقرير إلي أن هذه المهمة تتطلب توسعا في جمع البيانات الشخصية للأفراد، واختراق خصوصياتهم، وبناء قاعدة بيانات خاصة بالقادمين من بلدان ثالثة ويطلبون اللجوء.

ويخلص دانيل تريلينج من هذا كله بطرح سؤال فيما يتعلق بسياسات التعامل مع اللاجئين: هل يحق لكل دولة حقا اتخاذ ما تراه مناسبا من سياسات تجاه اللاجئين ؟ أم أن هذه القضية ذات طبيعة دولية متشابكة ويجب ألا يكون التعسف في الطرد وسيلة للتعامل؟

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق