صورة يلتقطها المرء بغرض حفظ الذكرى الشخصية، لا يدرى أنها ستكون لاحقا مؤشرا على توثيق مرحلة وعهد بكل سماته الاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
فقد باتت صور الأقدمين أداة لإرضاء شغف المحاسب المصرى أحمد الطنيخى لمعرفة المزيد عن تاريخ الشخصية المصرية وتطورها. ولكن الشغف الشخصى تحول إلى مبادرة أصبح عنوانها «مشروع التوثيق الواقعى لمصر 1839-1989م».
يحكى الطنيخى للأهرام أن رحلته مع الاقتناء بدأت قبل سبع سنوات.. ويقول «كانت مجرد هواية لجمع الصور القديمة، وربما كانت الغربة لها عامل كبير فى ذلك أيضا، حيث إننى أعمل منذ سنوات باحدى الدول العربية» مما دفعنى لاقتناء صور لشوارع مصر ووجوه أهلها خلال عقود سابقة.. ولكن المشروع تطور إلى مبادرة بجمع الصور والمقاطع المصورة، وترميمها وتلوينها بحيث تعود حية نابضة.
> شارع الغورية بالقاهرة عام 1962 م
ويقول: «كان يهمنى أن تطلع الأجيال الشابة على ماضى مصر، ولذلك كان حرصى على إعداد وعرض المادة المصورة بشكل متطور من الأهداف الأساسية لهذا المشروع» ويرى أن تلك المهمة ستؤدى إلى تقريب الفجوات الثقافية والفكرية بين الأجيال، ودعم روح الانتماء لمصر. وحول مصادره الأساسية لإنشاء الأرشيف الخاص به، يوضح الطنيخى إنها فى الأغلب «أجنبية»، من خلال أرشيف الأجانب الذين سبقت إقامتهم فى مصر، أو كانوا زائرين لها. ويقول: «كانت لديهم ميزة مهمة وهى امتلاكهم لكاميرا تعد حديثة فى ذلك الوقت، وكانوا يقومون برصد الشوارع والوجوه المصرية ببراعة». ومن المصادر الرئيسية، أرشيف الكتب والمجلات الأجنبية التى توثق للمجتمعات الشرقية وتحديدا مصر. ويشير المقتنى المصرى إلى أن أشهر مصورى الغرب يتمتعون بأرشيف ضخم للصور الراصدة لتاريخ وتطور المجتمع المصرى. وهم حريصون على نشر مثل هذه الصور عبر مواقعهم الشخصية.
> شارع العطارين بالإسكندرية عام 1909 م
وزادت المصادر، مع زيادة أعداد المتابعين لصفحة الطنيخى عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك». فيقول: «أصبح لدى مساهمات عديدة من أفراد بادروا بتقديم رصيدهم من الصور الشخصية والعائلية، كما ساهم أصدقائى المقيمون فى مصر بلعب دور الوكيل لى وشراء الصور القديمة من الأسواق العتيقة فى مصر مثل سوق الإمام».
وعن اهتمامه بمقاطع الفيديو، يحكى المقتنى الشاب عن تلقيه تعليقا من أحد المتابعين قائلا: «أريد أن أسمع وأرى هذه الصور». وكانت هذه لحظة إلهام جعلت الطنيخى يضيف «الفيديوهات» المصورة إلى أرشيفه الوثائقى. ويقول: «تملكتنى رغبة شديدة فى البحث عن لقطات حية وواقعية بدون أى تكلف للمواطن المصرى البسيط، وبدأت فى دراسة علم التوثيق لمعرفة أسلوب البحث العميق، وتعلمت من خلاله طريقة البحث باستخدام الأكواد فى الأرشيفات المركزية الوطنية لكل دولة أجنبية كالفرنسية والاسترالية والبريطانية وغيرها، واستطعت أن أصل لعدد متنوع من الفيديوهات وكان أهمها فيديو لأسرة فى فترة الثلاثينيات تتناول الغذاء وتستمع للمذياع وتمارس حياتها العادية اليومية. كان ذلك حلما تحقق وفتح لى أبواب مغارة على بابا».
أحمد الطنيخى
ولكن مشروعه لم يسر على أرض ممهدة تماما، فقد تعرض لعدد من المشاكل والاتهامات غير المبررة من وجهة نظره، ومن أبرزها ما كان من نشره صورة للشيخ مصطفى إسماعيل مع قرينته بدون حجاب، وذلك ضمن مجموعة كاملة تضم عشرات الصور لرصد تطور هيئة الأسر المصرية. وقد تسببت صورة الشيخ وقرينته فى موجة من الهجوم ضده. ولكن المسألة لا تخلو من المواقف الإيجابية، كما فى حالة المحادثة الهاتفية التى تلقاها من السفير السابق طارق عباس ليبدى شكره وإعجابه بصورة نشرتها لطالب يذاكر فى أحد زوايا فناء الجامعة الأمريكية عام 1970، ليكتشف أنه هو الطالب الماثل فى الصورة. ويسمح الطنيخى للأهرام بدخول عالمه والتعرف على أساليبه لترميم وتلوين الصور والمقاطع المصورة القديمة، فيقول: «فى البداية قرأت فى مبادئ إحياء التراث وأن من أهم خطواته تطوير طريقة عرضه حتى يكون مواكبا للعصر الحاضر، ثم بدأت فى تعلم كيفية استخدام برامج الترميم والتلوين الرقمى واليدوى ومعالجة دقة الصورة ووضوحها». وأشار إلى أنه تمكن من اقتناء الآلاف من الصور والمقاطع المصورة، ولكنه يعمل بشكل دائم من أجل الفرز والاختيار لما يتم ترميمه وعرضه بشكل عام.
ولكن بخلاف افتتانه الشديد بحياة البسطاء والعادات اليومية للمصريين قديما، إلا أن جانبا من أرشيف الطنيخى يضم مقاطع وصورا لمشاهير، مثل المقطع الخاص بالسيدة الرائدة روز اليوسف وهى تحتفل بانطلاق مجلتها الشهيرة وسط أصدقاء لها. وكذلك ما كان من طرحه مشاهد من جنازة الكاتب والمفكر الكبير طه حسين وهى تخرج وسط زملائه وتلاميذه من داخل جامعة القاهرة، موضحا أن كل المتوافر من مقاطع مصورة للحدث ذاته، ليست بالدقة الكافية.
رابط دائم: