الإنسان فى أعماق ذاته حريصٌ على حياته، فبمجرد أن يشعر باعتلالٍ فى صحته فإنه يُبادر على الفور بالهرع إلى أقرب مشفى، أو يطرق أبواب الأطباء أملاً فى أن يجد عندهم تشخيصاً لحالته، ووصف ما يحتاجه من أدويةٍ مهما يكلفه ذلك على الوجه الذى يدفع عنه هذا الابتلاء.. إلا أن هناك أناسٌا تقع أفكارهم فى بقُعة معتمة تجعلهم - دون أن يشعروا ـ يقعون فريسة لأمراض ربما لا يكون لها أعراض ظاهرة مثل الأمراض العضوية، ولكنها فى حقيقة الأمر هى أكثر فتكاً وأشد شراسة يحدث ذلك عندما تكون العقول والنفوس محشوة بالمشاعر التى تؤدى إلى الجنوح بها بعيداً عن الحصافة والكياسة، فتراهم مولعين بعشق الوشاية والكذب وقول الزور والنفاق وتمتلئ نفوسهم بالحقد والضغينة للدرجة التى تجعلهم يتشفَون ويشمتون فى صديقٍ قد تعثر فى حياته أو أعلن إفلاسه ولا يجدون فى أنفسهم غضاضة فى ملاحقته والتشهير به وجعله مادةً للقيل والقال، وقد يصل الأمر إلى تمنى زوال نعمة أنعم الله بها على شخصٍ ما، ومنهم من تسيطر عليه علامات التعالى وكأن الأرض لم تنجب له مثيلاً مما يدفعه إلى الإساءة والتجريح لمن حوله فلا ترى ولا تسمع منه إلا سوء الكلام وقبيح الأفعال فتتمادى فيه صفات الغرور والجهر بالسوء، فإذا كان الهاجس الصحى وضمان الشفاء هو الشغل الشاغل عند كل الناس، فإننا نحتاج إلى جرعات من نوعٍ آخر تُعالج وتُنجز فى تصحيح هذه الاتجاهات التى تحيك بنفوس البعض واعتماد منطق تطهيرها من هذا الخلل، ومن أغزر وأنفس معطيات ذلك أن نتجه إلى (صيدلية الإسلام) طلباً للدواء، ولعل تفعيل آلية «عقار اللوم»، والذى يمثل انعكاساً للتعبير القرآنى الشامل وهو (النفس اللوامة) كفيلٌ بأن يُمهد الطريق إلى النفوس المطمئنة الراضية المرضية نُعوَل عليها فى حفظ السلامة النفسية بما يحقق قوامة الأمزجة واعتدالها وإبراءها وإدخالها فى النهج السوى كترياق نُشفى به كل ميئوس الشفاء .
عبدالحى الحلاوى
رابط دائم: