رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ترامب يلعب ورقته الأخيرة مع إيران

منال لطفى
خلاف أمريكى ــ أوروبى حول الاتفاق النووى مع إيران

لعبت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب آخر ورقة بيدها مع إيران، وبدأ يوم الجمعة الماضية العد التنازلى لإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على طهران بعد تفعيل واشنطن آلية «العقوبات الأوتوماتيكية» ضدها على أرضية انتهاكات إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووى. أقدمت واشنطن على الخطوة وحدها وسط اتهامات لها من الاتحاد الأوروبى وروسيا والصين بأنها تريد إسقاط الاتفاق النووى بأى ثمن وبدون أن يكون لديها دلائل. ووفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2231، فإن بند «العقوبات الأوتوماتيكية» أو (snapback) هو أداة يمكن أن تسمح بالعودة التلقائية للعقوبات على إيران فى غضون 30 يوما بعد قيام إحدى الدول الموقعة على الاتفاق النووى بتفعيل تلك الآلية ردا على عدم امتثال إيران .ويوم الجمعة الماضي، 21 أغسطس، نفذت واشنطن تهديداتها وأرسلت الإدارة الأمريكية خطابا إلى مجلس الأمن تطلب فيه إطلاق الآلية. وجاءت الخطوة الأمريكية ردا على فشل مساعيها فى مجلس الأمن لتمديد حظر السلاح على إيران الذى سينتهى فى 18 أكتوبر المقبل.

إذن بدأ العد التنازلى لمدة الـ 30 يوما، لكن عواقب وتداعيات الخطوة الأمريكية ما زالت غامضة، وستشهد الأيام القادمة معركة في الكواليس بين واشنطن من ناحية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين من ناحية أخرى حول قانونية الخطوة، وصلاحيات واشنطن لتفعيل ذلك البند في الاتفاق النووي، الذي خرجت منه واشنطن من جانب واحد 2018.

فقد عارض الخطوة الأمريكية 13 دولة من أصل 15 دولة عضوا في مجلس الأمن. وجاءت الانتقادات القاسية ضد الولايات المتحدة من حلفاء واشنطن الأوروبيين والصين، لكن أقوى الانتقادات جاءت من روسيا.

فبمجرد تسليم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو طلب واشنطن تفعيل آلية العقوبات الأوتوماتيكية الفورية، غرد نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي: «يبدو أن هناك عالمين. عالما خياليا تتظاهر فيها الولايات المتحدة بأنها تستطيع أن تفعل ما تشاء دون اعتبار لأى شخص، تنتهك فيه الصفقات وتخرج منها ومع ذلك تتصرف وكأنها لا تزال جزءا منها. وعالما آخر يعيش فيه بقية العالم، حيث القانون الدولي والدبلوماسية.»

أما بريطانيا وفرنسا وألمانيا فقد أعلنت أنها تعارض الخطوة الأمريكية وستستخدم جميع الأدوات الدبلوماسية المتاحة لإحباط مساعي واشنطن.

وفي بيان مشترك قالت الدول الأوروبية الثلاث إن واشنطن لا تستطيع أن تدعو إلى «عودة فورية» للعقوبات على طهران لأن الإدارة الأمريكية انسحبت من الاتفاق النووى، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة 2018.

وأعلن الاتحاد الأوروبي أن اجتماعا سيعقد بين التكتل الأوروبي وروسيا والصين وإيران في فيينا في الأول من سبتمبر لمناقشة خياراتها.وأوضح مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في بيان «سأستمر في بذل كل ما هو ممكن لضمان الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة وتنفيذها بالكامل من قبل الجميع. لا تزال خطة العمل المشتركة الشاملة ركيزة أساسية للنظام العالمي تسهم في منع الانتشار النووي ،والأمن الاقليمى».

ووفقا للفقرة 10 من القرار 2231 حول الاتفاق النووي الإيراني، يمكن للدول المشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة أن تستخدم آلية لإعادة فرض العقوبات بشكل فوري إذا تبين عدم امتثال إيران للاتفاق بشكل واضح ولا شك فيه. وتقول واشنطن إن هذا الشرط تحقق مع بدء طهران تخصيب اليورانيوم بمعدلات أعلى. بينما تجادل العديد من دول مجلس الأمن الدولي بأنه لا يوجد انتهاك واضح للاتفاق من قبل إيران، وأن واشنطن هى الجهة التي انتهكت الاتفاق بخروجها منه.

ورغم ضغوط الحلفاء الأوروبيين على واشنطن، من غير المرجح أن تتراجع إدارة ترامب عن سياسة «الضغط الأقصى» ضد طهران، بينما لم يتبق على الانتخابات الأمريكية سوى نحو 60 يوما.

وقال دبلوماسي أوروبي مطلع إنها الورقة الأخيرة لترامب بعد فشل واشنطن في تمديد حظر السلاح على إيران الأسبوع الماضي في الأمم المتحدة. ويوضح:»إنها مقامرة. أمريكا لا تسيطر على مجلس الأمن ولا يمكنها أن تعيد العقوبات ضد إيران وحدها. والأيام المقبلة ستُختبر العلاقات عبر الأطلسي بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين لأقصى حد. فرنسا وبريطانيا وألمانيا مصممين على منع أمريكا من قتل الاتفاق النووي مع إيران. إدارة ترامب تريد تدمير الاتفاق النووي. أي قوة ستنتصر؟ هذا هو السؤال».

وترفض إدارة ترامب الأصوات المنتقدة بعد تفعيلها آلية «العقوبات الأوتوماتيكية». وشكك وزير الخارجية بومبيو والمبعوث الأمريكي الخاص لإيران برايان هوك في دوافع أولئك الذين يعترضون، موضحين أن أمريكا لا تنتظر الضوء الأخضر من أحد للتحرك.

وقال هوك للصحفيين بعد الخطوة الأمريكية: «لسنا بحاجة إلى إذن أحد. إيران تنتهك التزاماتها النووية. تم استيفاء الشروط لتفعيل آلية العقوبات الأوتوماتيكة. وقد بدأت أمريكا الخطوة».

خلافات حول الحجج القانونية

وفي الأيام المقبلة، لن يكون الجدل حول الخطوة الأمريكية سياسيا فحسب، بل قانونيا أيضا.

فعندما أبلغ بومبيو الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش رسميا، أن الولايات المتحدة ستفعل بند العقوبات الأوتوماتيكية، قال بومبيو إن واشنطن لديها «حق قانوني» لأن أسم الولايات المتحدة وارد في نص القرار رقم 2231 كطرف في الاتفاق النووي لعام 2015.

لكن العديد من المنتقدين يؤكدون أن وصف الولايات المتحدة بأنها «مشارك في خطة العمل الشاملة المشتركة» في فقرة من القرار رقم 2231 «أمر وصفي بحت»، يصف الموقعين وقت اعتماد القرار في عام 2015.

ويشدد منتقدو أمريكا على أن وصف «مشارك ليس لقبا شرفيا»، بل هو مشاركة نشطة في الصفقة مع الامتثال لشروطها.

وهذا ما لم تتعوده واشنطن بعد انسحابها من الصفقة 2018.

ويقول دبلوماسيون أوروبيون، إنه حتى إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال دولة مشاركة في الاتفاق النووي، فإن استخدام آلية العقوبات الأوتوماتيكية «لا يؤدي تلقائيا إلى إعادة فرض العقوبات في غضون 30 يوما من تقدم الحكومة الأمريكية إشعارا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».

وأوضح دبلوماسي أوروبي في هذا الصدد إنه وفقًا لفهمه، فإن الرسالة الأمريكية التي سلمها بومبيو إلى مجلس الأمن «لم تؤدِّ إلى تفعيل بند العقوبات الأوتوماتيكية وبدء العملية التي تستغرق 30 يومًا لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران. وبالتالي لن يكون للإجراء الأمريكي أي تأثير ولن يُطلب من رئيس مجلس الأمن تقديم أي قرارات مضادة للقرار الأمريكي، تُمكن واشنطن من استخدام حق النقض (الفيتو)».

ويشدد الدبلوماسيون الأوروبيون على أهمية أن تفهم إيران ذلك كي لا تتخذ أي قرارات متهورة، مثل الخروج من الاتفاق النووي أو استئناف أنشطتها لتخصيب اليورانيوم.

وإلى جانب هذه الحجج يقول الدبلوماسيون الأوروبيون إن اللجوء إلى آلية العقوبات الأوتوماتيكية هو «المرحلة الأخيرة» من آلية حل النزاعات فى الاتفاق النووي، وأن خطوات أخرى يجب أن تسبق هذا، وهو ما لم يحدث.

تقويض الـ«ڤيتو» الأمريكى

وقال دبلوماسيون أوروبيون إنه عقب اجتماعات بومبيو في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، بدأ ديان تريانسياه دجاني سفير إندونيسيا لدى الأمم المتحدة والرئيس الحالي لمجلس الأمن مشاورات فردية مع أعضاء مجلس الأمن الآخرين بشأن قانونية الإجراء الأمريكي.

وأبلغت13 دولة من أعضاء مجلس الأمن في دورته الحالية، رئيس المجلس أنه نظرا لأن الولايات المتحدة لم تعد طرفًا في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، فإن إجراء إدارة ترامب «غير قانوني». الدولة الوحيدة التي وقفت مع أمريكا هي جمهورية الدومينيكان، التي حضر بومبيو حفل تنصيب رئيسها قبل ذلك بأيام لإقناعه بالتصويت مع واشنطن.

هذا الحرج الدبلوماسي الخارجي تعزز داخليا مع إعلان مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون أن الولايات المتحدة ليس لديها أسس قانونية لتفعيل آلية الأمم المتحدة لإعادة العقوبات على إيران.

وقال بولتون، الذي كان أحد مهندسي الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي قبل أن يختلف مع ترامب ويغادر منصبه، في مقال لصحيفة «وول ستريت جورنال»: «إنه لأمر لطيف للغاية أن نقول إننا ما زالنا في الاتفاق النووي عندما يحقق ذلك مصالح نريدها. وأن نقول إننا خرجنا من الاتفاق النووي عندما يحقق ذلك مصالح أخرى».

وأضاف بولتون: «هذا وحده سبب كاف لعدم بدء عملية الفرض الأوتوماتيكي للعقوبات على إيران. لماذا نمنح أي شرعية أمريكية لهذا الكيان المنهار؟ (الأمم المتحدة) علاوة على ذلك، لا يسمح ميثاق الأمم المتحدة بحق النقض الـ(ڤيتو) في المسائل الإجرائية. وهذه هي الحجة التي سيستخدمها الأعضاء الآخرون، وبالتالي إحباط مخططات ترامب».

النقاط التي أثارها بولتون التقطها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي غرد على حسابه على «توتير» قائلا:»على الأقل هو (جون بولتون) متسق في أفكاره - وهي سمة غائبة بشكل ملحوظ عن هذه الإدارة الأمريكية»، وذلك في إشارة إلى امتعاض بولتون المعروف من المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة التي يراها مؤسسة عفا عليها الزمن، لا تقدم أو تؤخر.

من ناحيتها، كتبت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة في إدارة باراك أوباما، على «تويتر» أن استخدام بند العقوبات الأوتوماتيكية بهذه الطريقة من شأنه أن يقوض قوة ومعنى الـ»ڤيتو» الأمريكي، موضحة أن التجاهل المتوقع من الدول الأوروبية وروسيا والصين لأي ڤيتو أمريكى في مسألة العقوبات الفورية سوف يجعل الڤيتو الأمريكي يبدو مثل عملة فقدت قيمتها السوقية، ڤيتو ضعيف وبلا قيمة.

ويخشى الأوروبيون من أن إعادة فرض واشنطن للعقوبات من جانب واحد قد يدفع إيران إلى الانسحاب الكامل من الاتفاق النووي والمضي قدما في جهود تطوير أسلحة نووية. ويأملون في الحفاظ على الاتفاق خلال الـ60 يوما المقبلة بأي طريقة ممكنة، انتظارا لنتائج الانتخابات الأمريكية، فإذا خسر ترامب وفاز منافسه الديمقراطي جو بايدن، سيكون من الممكن إحياء الاتفاق النووي على أسس إقليمية أوسع بسبب وجود مساحة من الثقة بين طهران وأوروبا وبايدن الذي ساهم في الاتفاق النووي 2015 خلال إدارة أوباما.

لكن الـ60 يوما في عالم السياسة وقت طويل، وبين أوروبا وموعد الانتخابات الأمريكية الكثير من الرياح العاصفة المحتملة.

 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق