قبل أشهر قليلة من موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، تحولت مسألة توسع بعض الولايات فى إتاحة التصويت عبر البريد لناخبيها، من حل مقترح لتجنب التجمعات وتفادى المزيد من الإصابات بفيروس كورونا، إلى أزمة سياسية حادة بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، خاصة فى ظل اعتباره بمثابة سلاح انتخابى جديد، يسعى كلاهما إلى استغلاله لصالحه، وضمان الفوز لمرشحه.
ومنذ مايو الماضى، بدأ الرئيس الأمريكى الجمهورى دونالد ترامب فى إثارة الشكوك حول الدعوات المتزايدة نحو اعتماد توسيع عملية التصويت عبر البريد، خاصة بعد إعلان جافين نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا الديمقراطى إتاحة التصويت عبر البريد لجميع الناخبين المسجلين بالولاية.
وانضمت كاليفورنيا بعد اعتمادها للإجراء الجديد إلى ولايات يوتا وهاواى وكولورادو وأوريجون وواشنطن، حيث سترسل هذه الولايات بطاقات الاقتراع للناخبين المسجلين لديها عبر البريد بشكل تلقائى، فيما سيتعين على الناخبين إعادتها بعد ملئها عبر البريد أيضا أو تسليمها فى يوم الانتخابات.
ويعد التصويت عبر البريد فى الولايات المتحدة وسيلة معترفا بها لتسهل على الناخبين للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات، إلى جانب التصويت من داخل اللجان. وتسمح 27 ولاية لأى ناخب مسجل بالتصويت عبر البريد عند طلبه، فيما تشترط 20 ولاية أخرى أن يكون لدى الناخب سبب يبرر منحه حق التصويت عبر البريد، مثل أن تكون سنه قد تجاوزت 65عاما، أو بحجة المرض أو البعد عن الولاية المسجل فيها.
وعلى مدى الأشهر الماضية، هاجم ترامب إتاحة التصويت بالبريد بشكل تلقائى لجميع الناخبين، مؤكدا أنه سيؤدى لإجراء «أكثر انتخابات فاسدة ومزورة فى تاريخ الولايات المتحدة»، كما أنه سيتيح فرصة أكبر للتدخل بالانتخابات من جانب دول أجنبية، من ثم رفض التوقيع فى منتصف أغسطس الحالى، على 25 مليار دولار قيمة تمويل طارئ لخدمة البريد. فى المقابل، دعا الديمقراطيون فى الكونجرس رؤساء الخدمات البريدية الأمريكية للإدلاء بشهادتهم فى جلسة استماع عاجلة مقررة بعد غد الاثنين 24أغسطس، خاصة فى ظل اتهامات للويس ديجوى مدير عام هيئة البريد، بإجراء تغييرات تهدف فى الواقع إلى منع التصويت عبر البريد.
وأكدت نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب فى بيان مشترك مع تشاك شومر زعيم الأقلية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ أن ديجوى «من كبار المتبرعين لحملة ترامب، وقد تصرف كشريك فى حملة الرئيس لتزوير الانتخابات، مطلقا تغييرات جديدة شاملة تبطئ البريد وتهدد نزاهة الانتخابات».
ومع استمرار الشد والجذب بين الرئيس ومعارضيه من الديمقراطيين، فإنه يبقى من الواضح أن كليهما يبحث كيفية استثمار مسألة إتاحة الولايات فرصة «التصويت للجميع» عبر البريد من عدمه لصالحه، حيث يرى ترامب أن منع إتاحة هذه الفرصة للجميع يدعم آماله فى ولاية ثانية بقوة، من خلال حرمان عدد كبير من مؤيدى الحزب الديمقراطى من الانتخاب، خاصة من الأقليات.
أما بالنسبة للديمقراطيين، فإن الأمر لا يقتصر فقط على محاولة كسب أى صوت من أجل تحقيق انتصار انتخابى يبدو صعبا، حتى مع تقدم بايدن فى استطلاعات الرأى، لكنها من وجهة نظرهم ربما تبدو فرصة أخرى سانحة للتشكيك فى نزاهة انتخابات الرئاسة المقبلة، من ثم استمرار المعركة ضد الجمهوريين فى انتخابات الكونجرس والولايات، حتى تحقيق حلم مؤجل بإسقاط ترامب.
رابط دائم: