أنا أرملة توفى زوجى فجأة منذ أكثر من عشر سنوات تاركا ثلاثة أطفال فى مراحل التعليم المختلفة، وحملت على عاتقى مسئولية كبيرة فى تربية الأبناء وتعليمهم، ومررت بفترات صعبة وقاسية جدا تحملتها بإيمانى بالله، وصبرى على الابتلاء، وعملى فى وظيفة محترمة ومساندة عائلتى، والحمد لله تخرجت البنتان، وعملتا فى أماكن جيدة، وتقدم للكبرى شاب ذو صفات حميدة، ويحبها «حب جنون»، وهى أيضا تبادله مشاعره، وكان يريد أن يتقدم بمفرده لوجود مشكلات مع والده، ولكننا رفضنا، فأخذ فى إقناع والده بالحضور حتى جاء معه هو ووالدته، واتفقنا على كل شىء، وقرأنا الفاتحة بحضور أعمامها وأخوالها، وتعهد الأب بمساعدة ابنه فى كل شىء، وحدد موعدا لشراء الشبكة، ولكن بعد ذلك فوجئنا بتغيير كلامه، ورفضه مساندته بأى شىء، ومماطلته فى شراء الشبكة، وجاءنا العريس فى الموعد المتفق عليه، ومعه مبلغ الشبكة من جيبه الخاص، وأراد شراءها بدون حضور والده ووالدته، وقررت أن أنهى الموضوع، خاصة بعد مكالمة والده لى، واعتذاره عن الوفاء بالمتطلبات التى اتفقنا عليها لظروف طارئة، وتنصل من أى اتفاق مع رجال العائلة، واعتذرت للعريس وخرج من بيتنا وهو فى قمة الحزن والأسى، ومنذ ذلك الوقت (نحو شهرين) وهو يتصل ويبعث برسائل حزينة لى ولابنتى لعدم مقدرته على فراقها، ولا يرى طعما للحياة بدونها، ومازال يؤكد استعداده لإتمام الزواج متحملا كل تكاليفه، فهو لا يريد شيئا من والده، وقال إنه متحمل مسئولية نفسه منذ سنوات، ويؤدى عملا مرموقا يغنيه عن مساعدته. إننى الآن فى حيرة من أمرى.. هل أتمم الخطبة والزواج بدون أسرته ضاربة بالأصول والتقاليد والشكل الاجتماعى عرض الحائط، وطبعا ستطول الخطبة لأنه شاب فى مقتبل العمر ومصاريف الزواج باهظة؟، وماذا أقول لأسرتى عندما لا يحضر أهله؟، أم أنهى هذا الموضوع تماما، وأكسر قلب الاثنين مما يؤدى لكثير من الإحباطات والمشكلات النفسية تؤدى إلى امتناعهما عن الزواج بغيرهما تماما.
ولا تقل لى إن عليه محاولة إقناعهم لأنه حاول معهم بشتى الطرق، ولكن لديهم حسابات أخرى ويرفضون زواجه من ابنتى أو غيرها من باب السيطرة والهيمنة على ابنهم.. إن أسرته ليست كالأسر الطبيعية، فهى لا تعرف معنى الأبوة والأمومة والدفء العائلى، بعكس عائلتنا المتمسكة بالأصول والتقاليد.. إننى فى حيرة شديدة، ولا أدرى كيف أتصرف، فبماذا تشير علىّ.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
بكل وضوح أقول لك إن الزواج لا يكون بين الشاب والفتاة فقط، وإنما بين عائلتين، فكل شىء قد يمضى بـ«العافية» إلا الزواج لابد أن يكون برضا الجميع.. إن الشاب الذى يتزوج دون رضا أهله يحرم نفسه من مباركة والديه هذه الزيجة، فضلاً عن أن زوجته غالبا ما تكون غير مقبولة وسط عائلته، كما أنه سيحرم أولاده من التربية وسط أهله، ومن المفترض أن يجتمع الوالدان بأبنائهما وهم فى بداية سن المراهقة ويتحدثا عن الزواج ومواصفات شريك الحياة؛ حتى يصلوا إلى فكرة واحدة عن الزواج ويعتبر هذا إجراء وقائيا، إذ أن الزواج بغير رضا الأهل دائما ما تصحبه مشكلات كثيرة، لأن الفتاة تكون مرفوضة من أهل زوجها.
ولا سبيل إلى زواج مستقر لابنتك إلا بمباركة أهله، وقد يكون من المناسب إعلان الخطبة لفترة سوف تتكشف فيها الحقيقة الغائبة عنكم فى مسألة رفض أهله، إذ استوقفنى أنهم يرفضون زواجه من ابنتك وغيرها، وهو أمر غير مفهوم. فوافقى على الخطبة، وفى كل الأحوال سوف يدبر الله ما فيه الخير للجميع، وتذكرى دائما قول الحق تبارك وتعالى: «وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (البقرة 216)، وكم من أمر نرى المصلحة فى عاجله، ثم تظهر لنا المفسدة في مستقبله وآجله، إذ يقول عز وجل:«لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ» (النور 11), ولا يخفى عنك انتهاء كثير من الزيجات إلى الفشل مع ظهور المصلحة والنجاح فى أولها والعكس كذلك, فأوكلى أمرك إلى الله وأحسنى الظن به وتوكلى عليه واستعينى به مع إخلاص الدعاء بأن يصلح شئونكم كلها, ويختار لكم ما فيه الخير والهدى والبركة والسعادة.
رابط دائم: