مر على رحيل الكاتب الكبير عبدالوهاب مطاوع ستة عشر عاما.. لكن قلمه مازال نابضا بالحياة، ومازال يعيش فينا بعطائه الفياض وفكره المتميز الصالح لكل زمان ومكان، فلقد كان رحمه الله كاتبا مبدعا, وإنسانا بمعنى الكلمة.. مبدعا بما قدمه من خبرات فى الحياة عبر بريد الجمعة, وما تبناه من أفكار فى بريد الأهرام اليومي, وإنسانا بأخذه بأيدى البسطاء والمرضى الذين فتح لهم نافذة جديدة للخير.
ومازال يعيش فينا بعطائه الذى لا ينضب، وفكره الثاقب، وإسهاماته الإنسانية التى يشهد بها الجميع حتى اليوم.. لقد عملت معه عشرين عاما فى بريد الأهرام، ومجلة الشباب، وتعلمت منه دروسا بليغة فى الصبر، والجد والاجتهاد، واتخذت منه شعارا مازلت أسير عليه، وهو «العمل حتى الموت أو النجاح»، ولقد انعكس فكره وعطاؤه علينا، فبنينا على ما قدمه ليرتفع البناء, وليحتفظ بريد الأهرام بمكانته الرفيعة لدى عشاقه ومحبيه, وليكون إلى الأبد «نبض مصر», كما قال الراحل العظيم نجيب محفوظ الذى خصص جزءا كبيرا من جائزة نوبل التى نالها فى الأدب، وديعة يصرف عائدها فى وجوه الخير التى يحددها بريد الأهرام.
ولن أنسى ما حييت كيف كان الأستاذ يواصل العمل ليل نهار رغم آلام المرض الشديدة التى كان يعانيها, ولا تفارقنى صورته, وهو يراجع أوراق العمل بيده اليمني، بينما ذراعه اليسرى ممدودة, لإجراء الغسيل الكلوي.. ياالله, ما هذه القوة وهذا الإيمان اللذان كان الراحل الكبير يتمتع بهما.. قوة العزيمة، والإيمان بالله, فمضى يؤدى عمله بكل همة ونشاط حتى اللحظة الأخيرة فى حياته, عندما جاءنى صوته قبل رحيله مباشرةـ
وكان وقتها فى الإسكندرية ـ ليطمئن على سير العمل, ثم ما هى إلا دقائق حتى حمل إليّ الهاتف نبأ رحيله المفاجئ, وبعده توليت هذه المهمة الثقيلة وبذلت ومازلت أبذل قصارى جهدى للحفاظ على بريد الأهرام ومدرسته الفريدة فى عالم الصحافة.
وكون جماعة «أصدقاء بريد الأهرام» التى مازلت حريصا على وجودها والاجتماع بأعضائها، ومناقشة القضايا الحيوية بفكر قراء بريد الأهرام وكلهم خبراء فى مجالاتهم.
لقد كان عبد الوهاب مطاوع رائدا للصحافة الإنسانية، حيث قدم من واقع الحياة نماذج متنوعة من البشر، وقصص كفاح مثيرة تؤكد أن الأمل موجود دائما، وأنه لا يأس مع الحياة، وهذا ما حثنا عليه القرآن الكريم فى قوله تعالي: «فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا».
فدائما تصاحب صعوبات الحياة، تسهيلات ربانية، فيتمكن الإنسان من التأقلم مع المصائب والآلام التى يتعرض لها.. وقد ساعدتنى هذه النظرة الصائبة إلى الدنيا على تخطى عقبات كبيرة كان من الممكن أن تعصف بي، لولا إيمانى بالقضاء والقدر، وبأنه على المرء أن يسعي، وليس عليه إدراك النجاح.. وما أعظم الدروس التى استفدتها من الراحل الكبير فى التعامل مع الآخرين، وتقديم الخير لهم دون انتظار كلمة شكر منهم، وعرفت معنى أن يعيش الإنسان فى سلام مع نفسه ومع الآخرين، وهذا هو طريق السعادة الذى لا يدركه الكثيرون، وإنما أدركه الراحل الكبير بصراحته، وصفاء نفسه، فعاش هادئ البال، ورحل مطمئن النفس، بما قدمه من خير وعطاء للإنسانية.
أيضا عرف الراحل الكبير ما يريده الشباب فكان سباقا إلى تقديم ما يهمهم من أفكار وموضوعات حتى بلغت مجلة الشباب فى عهده رقما غير مسبوق فى التوزيع، والمبيعات على مستوى المجلات فى الشرق الأوسط، وحافظ على نسبة المرتجعات «صفرا» حتى رحيله، وتمكن من تكوين أجيال من الصحفيين ذوى الخبرة فى صياغة الأخبار والموضوعات، وكان أستاذا فى كتابة العناوين الجذابة، وربطته بقرائه علاقات ود وصداقة.
إن ذكرى عبدالوهاب مطاوع لم تغب، ولن تغيب، وسيظل ملء السمع والبصر، وإنا على دربه سائرون.
رابط دائم: