رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كتب نقدا مسرحيا من لـحم ودم ونظر وراءه فى رضا

جرجس شكرى;

عرف على الراعى المسرح من ينابيعه السخية فلم يكن ناقدا كبيرا فقط، بل مفكرا موسوعيا، كتب نقدا مسرحيا من لحم ودم . ونشأ فى أحضان جيل كان همه التأسيس والبناء حيث آمن هؤلاء بفن المسرح وآمن هو ليس بأهمية هذا الفن فقط،بل أيضا بضرورة وصوله للشعب الذى علاَّه مصدرا لإبداع الفنان، فلم يكن الباحث الأكاديمى الذى اكتفى بدراسة النظريات والاتجاهات المسرحية قديمها وحديثها وتطبيقها، بل راح يبحث عن أصل الظاهرة المسرحية فى مصر والعالم العربى وأخذ على عاتقه أن يصل بين الكتاب المثقفين وبين تراث الناس فى المسرح . وحتى يصل إلى هذا الهدف قطع أرض المسرح المصرى مسافرا عبر الزمان والمكان مع الأراجواز وخيال الظل والمحبظين والمقامات التى رأى فيها ظواهر مسرحية وليدة أجهضها الواقع الذى يحرم التمثيل فى عصور الاضمحلال، مرورا بيعقوب صنوع رائد المسرح المصرى ثم نجيب الريحانى وعلى الكسار ويوسف وهبى وصولا إلى نعمان عاشور والأجيال المعاصرة، وفى خطوة تالية قطع أرض المسرح العربى من المحيط إلى الخليج مترجلا ومتجولا هنا وهناك، ما بين الأصول والتراث والمسرح الشعبى فى مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق، وتقصى ظهور المسرح فى دول الخليج وكذلك المغرب العربي،وعاد إلى الوراء فدخل قصور الخلفاء وشاهد الألعاب والمسليات والرقص والموسيقي، وقدم الطقوس الاجتماعية والدينية التى عرفها العرب قبل الإسلام والتى لم تتطور إلى فن مسرحي، وشاهد مسرح خيال الظل الذى عرفه العرب أيام الخلافة العباسية، وكان فى خطوة أولى ومبكرة قطع أرض المسرح العالمى حين سافر إلى إنجلترا من خلال بحثه حول برنارد شو ليقرأ ويدرس روافع الأدب العالمى كما كان يسميها من كلاسيكيات المسرح اليونانى مرورا بشكسبير وصولا إلى إبس وبرناردشو وتشيكوف وسواهم. هذا على المستوى النظري، أما عمليا وفى الحياة فقد تحالفت الأقدار لتهيئة كل الظروف لتضع هذا الشاب الذى كان يحلم أن يكون ناقدا على طريق المسرح، بل قل وضعت مبكرا المسرح فى طريقه ليفتح عينيه على فنون الفرجة حين دقت طبول الأراجوز فى طفولته و لأول مرة أمام بيته فدغدغت أعصابه وصولا إلى البعثة الدراسية فى إنجلترا لقضاء أربع سنوات فى دراسة برنارد شو والتعرف على روائع المسرح العالمي، ومرورا بعمله فى الإذاعة الذى صدمه فى البداية، ثم انسجم معه والتقى فيه مع كبار الكتاب أمثال المازنى والعقاد وسلامة موسي، بل تعرف على ملوك الضحك وأبطال فن المنولوج، وعمل بالإخراج سواء فى الدراما أو البرامج الثقافية، فقد عرف جيدا الحياة الثقافية المصرية فى أربعينيات القرن الماضى قبل أن يلتقى أستاذه ألادريس نيكول الذى درس معه الدراما العالمية من اليونان حتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين حين اقترح موضوع البحث بعد جدل طويل «دراما برنارد شو، بعض المؤثرات التقنية».

لم تكن لدى على الراعى الرغبة فى أن يكون باحثا مرموقا وناقدا كبيرا ينافس الأخرين، بل كان يتطلع خلال دراسته فى إنجلترا إلى خدمة المسرح المصري، فكانت هويته المصرية هى الهدف «إننى أشعر بالدين الكبير الذى يطوق عنقى نحو شعبى وناسى فها أنذا أتلقى تعليما جامعيا على حساب شعبنا الفقير المطحون» وكما آمن فى أحلامه بالمسرح، آمن فى أفكاره بمصر وبالثورة، وعاد ليخدم المسرح فى بلاده، ومن يتأمل جهد على الراعى وإنجازه فى المسرح على المستويين الإدارى والفكرى سيجد أنه وضع هذا الهدف نصب عينيه فكانت مؤلفاته فى هذا السياق، بالإضافة إلى أنه كان يبحث لنفسه عن منهج خاص مغزاه أن الموضوع الأدبى النبيل ضمان أكيد ليس فقط لقيام العمل الفنى بل لجودته أيضا، وذلك منذ أن كان حلم اليقظة عنده وهو مازال فى الصف الثانى الثانوى أن يكون ناقدا ذا نفوذ يقرأ العمل ويبدى رأيه ويستمع إليه الناس فى تقدير وتوقير إلى أن أصبح هذا الاسم الكبير. فبعد أن درس وقرأ وشاهد المسرح الغربي، عاد مفتونا بشخصية المهرج الذى يُدخل السرور على الناس، والتصاقه الشديد بالفقراء والعامة،وانحاز إلى شخصية المحتال وإن كانت لديه ممارسات غير أخلاقية إلا أنه رآه ثورة فردية على الظلم الاجتماعي، وأحيا من العدم عددا كبيرا من نصوص المسرح المرتجل، فكانت حياته رحلة بحث وتنقيب عن أصول الظاهرة المسرحية فى مصر والعالم العربى ليس بغرض التأريخ بل اكتشاف هذه الأصول والوصول إلى مسرح يتفاعل معه الجمهور، فكان على يقين بأن المسرح القائم على الدراما فرع صغير من شجرة اسمها فنون العرض.

تولى الراعى مسئولية مأسسة المسرح منذ عام 1959 حتى 1967 ليقود الحركة المسرحية فى أزهى حقبها، وأسهم فى بناء مايعرف الآن بمؤسسة مسرح الدولة، فقد كان له الفضل فى تأسيس جزء كبير من البنية الأساسية لهذا الكيان مثل فرقة مسرح العرائس، وفى أوائل الستينيات أنشأ الإدارة الثقافية، لتاريخ المسرح ووثائقه التى كانت نواة لما يعرف الآن بالمركز القومى للمسرح والموسيقي،كما أنشأ الفرع المصرى للمعهد الدولى للمسرح برئاسة توفيق الحكيم وكانت مصر أول دولة عربية تفتح فرعا لهذا الكيان على أرضها،وكان له الفضل أيضا فى تأسيس الفرقة القومية للفنون الشعبية التى انبثقت منها فرقة رضا، وفى عهده أقيم أول مهرجان لمسرح الأقاليم، كما عايش وأسهم فى سنوات الازدهار؛ عاش فترات التراجع والنزاعات والمؤامرات وآكتوى بنارها، ليترك القيادة العملية ويتفرغ للقيادة النظرية والفكرية، فما قدمه على الراعى فى مؤسسة المسرح هو مشروعه الثقافي، فبعد عام واحد أصدر الكوميديا المرتجلة، ثم فنون الكوميديا من خيال الظل إلى نجيب الريحاني، ثم دراسة لمسرح الدم والدموع، والكتب الثلاثة صدرت بعد ذلك بعنوان مسرح الشعب، وظنى أن هذا الكتاب مشروعه الرئيسى وبطاقته الشخصية فى الحياة المسرحية بالإضافة إلى كتاب المسرح فى الوطن العربي. لقد كتب على الراعى نقدا مسرحيا من دم ولحم، يسير فيه الفكر والصنعة جنبا إلى جنب ليظل طيلة حياته فى رحلة شاقة واصل فيها البحث عن مسرح عربى يكون أكثر التصاقا بالوجدان وبمخزونه الثقافى ويدافع عن روح الأمة، «ففى آخر كتبه الذى جاء بمنزلة سيرة ذاتية صاغها فى مجموعة من المشاهد المنوعة التى جاءت بين العام والخاص أو مزيجا بينهما على مدى سبعة عقود، كتب فى المقدمة« أنظر ورائى فى رضا » فما أجمل أن ينظر الإنسان لنفسه وماضيه فى رضا، حين يجلس إلى نفسه محاسبا ومعاتبا كومة من السنوات تتجاوز سبعين عاما ويجد نفسه راضيا، وهو على يقين أن الجهود التى بذلها قد أثمرت ووضعت المسرح بل الظاهرة المسرحية بكاملها فى وجدان المصريين، فى البداية أدهشنى تفاؤله ورضاه عن نفسه عن الواقع المسرحى وإيمانه بصلابة الأساس المسرحى وعَدّ الأزمة التى يمر بها المسرح أمرا طارئا وعرضا سوف يزول، مع الدهشة، أفزعتنى صيغة الأنا التى تحدث بها صاحب كتاب « هموم المسرح همومي، وما إن استغرقت فى قراءة الكتاب الذى صدر عام 1994، حتى زال فزعى وأنا أقرأ الإنجازات المسرحية التى حققها، فكان له كل الحق فى أن يتحدث بصيغة الأنا ويقول أنشأت وأسهمت وفعلت ويقرن هموم المسرح بهمومه . وحين صدركتابه « مسرح الشعب» قدم فى المقدمة كشف حساب يفيض بالسعادة والرضا بفعل تأثير هذا الكتاب بأقسامه الثلاثة على الواقع المسرحى المصرى والعربي، فقد أخذ الاهتمام يتنامى بفنون الأراجوز وخيال الظل، وساهمت هذه الأعمال التى بحثت فى أصل الظاهرة المسرحية المصرية فى تحرير العرض المسرحى من استبداد كل من المؤلف والمخرج بالعملية المسرحية، بالإضافة إلى ظهور فكرة الفرقة الورشة والاهتمام بالتراث الشعبى فى الكتابة المسرحية وكأنه يقول أن إعماله تعيش وتتنفس بيننا فهذه الكتب ليست فقط حبراً على ورق بل كائنات من لحم ودم .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق