لا تتزوجى أبدًا رجلًا يجيد الطهى.. يعدك بالدعم والمساندة، ثم تتحول حياتكما لمعركة حامية بين أرجاء المطبخ.
وقف أمامى متفاخرًا فى فترة خطوبتنا يتباهى بقدرته على الطهي، وعدنى بأن حياتنا ستكون سلسة وأن الوقت سيتسع أمامى لممارسة هواياتى المتعددة، ولن أحتاج لدخول المطبخ، فاعتبرت نفسى محظوظة.
فى بداية زواجنا دعوت صديقتى المقربة لتناول الطعام فى بيتي، نظرت إلى منبهرة وهى ترى زوجى يقدم لنا الطعام، يرتدى المئزر، يبتسم فرحًا، غمزتنى قبل أن تترك المنزل تحسدني. ثم أصبحت فجأة مضطرة لتغيير كل ملابسى التى باتت لا تناسبنى بسبب أكله الدسم.
كل يوم يتجاهل ما أقوله، ويحبس نفسه فى المطبخ لساعات، أشم خلالها روائح شهية، أشعر بالضعف أمام مائدته الطويلة، ألتهم لقمة وراء الأخري، ثم ألوم نفسى فى محاضرة عريضة أمام المرآة.
زوجى لا يقتنع بتلك المصطلحات الحديثة، دخلت معه فى جدال عقيم حول مفهوم الأكل الصحي، لا يتصور أن هناك طعام قد يملأ البطن دون أن يكون مشبعا بالسمن والزبدة، ولم يفكر أن يجرب.
لم أعد أسيطر على الموقف، اشتد الخصام بيننا عندما طلبت منه أن يترك مهمة الطعام لي، رفض ما قلته، واتهمنى بأننى لا أقدر مواهبه.
لم أستطع أن أجتاز ‹تحدى الملوخية› الذى عرضه علي، وافقت فى البداية، ما المعضلة فى طبق ملوخية؟، الوصفة سهلة للغاية، شاهدت والدتى تطبخها مئات المرات، وأستطيع أن أقدم له طبق ملوخية لذيذ.
المقادير سهلة ومعروفة لا تحتاج ‹فزلكة›، فالملوخية عبارة عن ملوخية مخروطة وثوم وكسبرة وملح وفلفل: ‹ماذا كانت تضع والدتى غير ذلك؟.. لا شىء›.
اتصلت بوالدتى أسألها على طريقة تحضير الملوخية لأكون متأكدة من النتيجة، أخبرتنى بالوصفة بعد أن سخرت مني، طبقت ما قالته حرفيًا، وكانت النتيجة كارثية.
عرفت الآن فقط معنى أن تكون الملوخية ‹ساقطة›، تضطر حينها أن تقلبها بالملعقة لتستطيع أن تأكلها بالعيش، فيصبح الأمر مرهقا جدا.
نظرة واحدة منه جعلتنى أترك الساحة له، دخل المطبخ بهدوء، بدأ يقدم معزوفته ببراعة، ربما السر فى ‹الشهقة›، لقد شددت على والدتى أن ‹أشهق› ولم أقتنع، لن أصدق أبدًا أن تلك الحركة التى ترهق الجهاز التنفسى لها علاقة بمذاق الملوخية.
يبدو أن زوجى يصدق كل تلك الخرافات المتوارثة عن الطبخ، فشهقته كادت أن تصم أذني، فعلها وهو مقتنع تماما أن ما يفعله له تأثير كبير على طبخته، ولم يترك أى تفصيل.
طبق الملوخية الذى وضعه أمامى كان خرافيا، تفوق بجدارة على أمي، فمعلقة واحدة من ملوخيته قد تذهب بعقل أى امرأة تفكر فى أى شيء عداها.
الليلة الماضية رجوته أن يسمح لى بتحضير وجبة الغداء، بعد أن أخبرته أن فستانى الأزرق الذى يحبه كثيرًا يرفضني، سمح لى على مضض، ودخل غرفة مكتبه وهو يعقد حاجبيه غيظًا.
فكرت أن أفعل شيئا مفيدًا طبق سلطة كبير مكون من مختلف الألوان، وضعت عليها القليل من الملح وأكثرت من زيت الزيتون والخل، بينما قررت أن أطبخ ‹الكوسة›، ففائدتها عظيمة جدا للجسم.
النظرة التى رأيتها على وجهه لن أنساها يومًا، لا يحب زوجى الأكل الصحي، لا يجد له طعمًا، تناوله مرغمًا، صدمنى بقوله: «طعامك مسلوقًا مثل حبك».
فكرت لساعات فى معنى هذه العبارة، زوجى يتكلم دائما عن الحب وقوته، ولكنى لا أعرف ما علاقة الحب بالأكل؟، طعامه الذى ينز منه السمن والدهون يسد شرايين القلب، لا علاقة بين الدهون والحب!.
أكثر ما يثير غيظى أن وزنه لا يزيد أبدًا وذلك بفضل التمارين الرياضية التى يمارسها، بينما أعانى طوال الوقت من السمنة، وفى النهاية أصبحت جاحدة.
بعدها بساعات اقتحمت رائحة المكرونة بالبشاميل غرفتي، أسرعت إليه، سألته فى تردد: «ما علاقة أكلى بحبى لك؟»، تأملنى قائلا: «طعامك الصحى قد يكون أكثر فائدة ولكنه لا يشبع.. لا يترك أى متعة أو خيالا، لا يملأ المعدة، خفيفا لدرجة أنك لا تشعرين به، يتركك دوما جائعة، لا يشعل دمائك، باردًا، لا تكتمل به حياتك، هو عقابًا وليس طعامًا، طوال الوقت تشعرين أنك مضطرة لتناوله ولكنك لا تحبينه».
سال لعابها أمام صينية المكرونة، تجاهلت كل قراراتها، تبعته إلى السفرة، التهمت الطعام سريعًا، ولم تعرف إن كانت نظرة الحب على وجهه لها أم للمكرونة.
رابط دائم: