عندما توجهت «ثقافة» إلى الأديب محمد جبريل تستطلع رؤيته ليوليو وقد عاش فى ظلالها حياته قال فى كلمته: قبل يوليو كانت كتابات الأدباء والمفكرين والساسة ممهدة للثورة، مئات الأعمال الإبداعية ناقشت وحرضت وعبرت عن غضبها أو عن رضاها. لا يمكن أن نغفل كتابات فتحى رضوان ومصطفى مرعى وخالد محمد خالد وإحسان عبدالقدوس وحلمى سلام وعزيز فهمى وعشرات غيرهم.. إذ كتبوا ينددون بالأوضاع القائمة آنذاك. كل من أمسك القلم كتب يعبر عن رأيه. وأتذكر أن أحمد حسين المحامى دخل السجن لأنه كتب «رعاياك يا مولاى» فى جريدته الاشتراكية ومعها صور متسولين يملأون الشوارع. كان المجتمع حياً ويحاول التعبير عن نظرته المستقبلية.
قبل يوليو كان المشروع القومى ــ وأرجو ألا ننسى ــ هو مشروع الحفاء. كان معظم الشعب يمشى حافياً، وأبناء القرى خاصة. عندما يصبح المشروع القومى هو محاربة الحفاء فهذا لا يخلو من دلالة، كانت كالبلهارسيا والإنكلستوما أمراضا متوطنة.
الإقطاع كان عنيفاً وقاسياً ورأس المال المستغل كانت له يد قاسية أيضا..كل هذا كان إرهاصا بيوليو التى كان يجب أن تقوم. ولو لم تقم على أيدى ضباط الجيش ــ وهذه رؤيتى الشخصية ــ كان سيقوم بها الشعب.
قبل يوليو بستة أشهر فقط نشب حريق القاهرة، وتدخلت قوة أجنبية وقوى عميلة، وحدث ما لم نكن نتصوره، لذا كان ترحيبى بالثورة.
عام 1951 كنا نحارب فى القناة ضد الإنجليز، كانت المظاهرات تخرج بشكل يومي، والصحف تكتب ضد أحزاب الأقلية وضد الملكية والحكم الرجعي.. كل شىء كان مهيأ للثورة.
فى البداية سميت«حركة الجيش«ثم سماها محمد نجيب «النهضة» ثم أطلق عليها الضباط «ثورة 23 يوليو»..أذكر فى البدايات بعد رفع شعار الاتحاد والنظام والعمل الذى كرسه الراحل محمد نجيب رئيس الجمهورية أن الثورة رفعت شعار التعاون، وأذكر خطبة عبدالناصر فى جامعة القاهرة وهو يتحدث عن هذا المشروع الذى بشر بمستقبل عظيم لمصر من خلال التركيز على الداخل ومن أهم ملامح هذا المشروع إقامة الوحدات المجمعة (طبيب بشرى وطبيب بيطرى) وحدة فى قرية أو مجموعة قرى بحيث يقوم المشروع على التعاون والتكافل بين أفراد وفئات المجتمع المصرى.
عبد الناصر حاول أن يفعل الكثير.. المعاش الذى يتقاضاه أصحاب المعاشات لم يكن موجودا قبلها، أبى لم يكن له معاش، كان يأخذ مكافأة نهاية خدمة يصرفها فى وقتٍ ما.
لم يَشُب يوليو إلا هزيمة 1967، خطأٌ عظيم يتحمل وزره عبد الناصر وعبدالحكيم عامر وكل القيادات آنذاك، لابد من الاعتراف بذلك، هنا أذكر بيت الرصافى الجميل عن عبد الناصر: «كان عظيم المجد والأخطاء»، لكن يغفر لعبد الناصر أنه كان مصرياً حقيقياً ومناضلاً لديه إحساس عظيم بالمسئولية تجاه الشعب والوطن.
رابط دائم: