أريد أن أتنفس
د. رسمى عبد الملك رستم أستاذ التخطيط التربوى بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية: «استوقفتنى عبارة «أريد أن أتنفس» التى نطق بها المواطن الأمريكى الراحل جورج فلوريد، فنحن نمارس الضغط على أبنائنا، برغم أنهم يستغيثون ويصرخون ويتوسلون (دعونا نتنفس/لا نستطيع أن نتنفس)، دعونا نتحدث ونعبر لكم بحرية وبلا تهديد أو خوف عما يجول فى عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا، إن ضغطكم اللا أبوى، سيكون السبب فى انفجارنا، بل قد يولد فينا مشاعر الكراهية نحوكم كأسرة، وقد تمتد إلى خارجها، واللجوء للعنف تعويضا عما يحدث لنا.. كفى إغاظة لنا مما تمارسونه من (المقارنة بالآخرين، التفرقة فى المعاملة، الإهانة، السخرية، وتقليل الشأن والتهوين من أحاسيسنا، وتجاهل مشكلاتنا مهما تكن صغيرة، وحرماننا من الدفء الأسرى والعاطفى، وعدم الاحترام والتقدير، والاستخفاف بالمشاعر، وجرحها، وكثرة الأوامر والنواهى والتعليمات، والقمع والتهديد، وغياب لغة الحوار، والتأنيب المستمر، والتحكم فى كل تحركاتنا، والرقابة الصارمة لدرجة التجسس، والتأديب الذى لا يتساوى مع حجم الخطأ، دون شرح للأسباب أو مناقشة الموقف الخاطئ حتى يكتسب كل منا الخبرات الحياتية فى المواقف المشابهة فيما بعد).
والسؤال: ماذا نتوقع من نتائج لهذه الضغوط على أبنائنا؟.. إنها بالطبع ستكون «العناد/ الهروب/اللجوء للإدمان والتدخين، وما يصحب ذلك من انحرافات واضطراب فى الشخصية/ وقسوة مشاعرهم نتيجة الحرمان من الحب، وفقد معنى الحياة، وفقد القدوة ثم رسم صورة مشوهة عن أنفسهم»!
وأقول لكل أب: «صادق أولادك بكل ما تحمله الكلمة من معان، واعط وقتا لهم، واقترب من فكرهم ولغة عصرهم، وعبر لهم عن الحب بالأحضان والعبارات التى تدغدغ مشاعرهم، مع التوازن والاعتدال بشرح الموقف الخاطئ بموضوعية، وبيان إيجابياته وسلبياته، والاتفاق على الحدود دون تضخيم أو مبالغة، والتشجيع وإظهار الإعجاب بهم، وفهم خصائص نمو المرحلة التى يمرون بها للتعامل معهم بكفاءة.
إن الأبوة والأمومة عطية إلهية،، ومسئوليتنا أن نستجيب لصرخة أبنائنا (دعونا ننمو.. دعونا. نتنفس).
المشهد الدائم
حُسام العَنتَبْلي ــ المحامي بالنقض: وصف م. هانى صيام فى رسالته «المشهد الراهن» حالة التناحر والتردى والاحتراب والاقتتال بين البشر في العديد من بقاع الأرض جراء فيض نوزاع الشر والطمع التي ملكت نفوس الناس، وملأت طموحهم عربا وعجما، شرقا وغربا، وتساءل متعجبا: «ألا يحرك خطر الموت ساكنا في النفس البشرية، وهل من بارقة أمل فى نوبة صحيان دولية؟، واندهش لعدم وجود أى أثر لكارثة الوباء على تلك النفوس، وأقول معلقا: «إن الشر كامن فى نفوسنا جميعا بدليل قوله تعالى (ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها)، وقوله (ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس)، و(لقد خلقنا الإنسان في كبد) وقوله (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مُستقر ومَتاع إلى حين)، وقوله: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)، وقوله تعالى عمن ضل وأضل (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)، وقول الإمام على بن أبى طالب (إنما سميت الدنيا دنيا لأنها أدنى من كل شىء)، فالحياة الدنيا هى مقدمة منطقية لرحلة الإنسان فيها كما أن الآخرة نهاية عادلة لحلول الإنسان بها ليفوز المرء، عقب ذلك، بما قدمت يداه من خَيْر أو يذوق مما اقترفت يداه من شر، فلا يتساوى الخيَّر بالشرير، ولا الجنة بالنار، ولا الحياة الدنيا بالحياة الآخرة
(وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)، وغير بعيد عن ذلك قول الشاعر فى وصفه مشقة الدنيا ونصبها:
تَعَبٌ كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب فى ازدياد
فنحن نعيش بالحياة الدنيا، فى شدة وشقاء وعناء من مكابدة مصائبها، ومكايدة نوائبها.. أما فيروس كورونا وأثره المُمِيت، فلا يهتم بعض الناس به، وسيظلون كذلك على حالهم، مُهملين مُتهاونين مُتقاعسين مُتراخين طالما ظل خطره متأرجحا مذبذبا دائرا بين الاحتمال واليقين، فبالرغم من كون ضرره المَرضى يقينيا إلا أن أثره القاتل احتمالى، وهذا ما يدفع البعض إلى الركون للمغامرة بأنفسهم، والمقامرة بأرواحهم، يَشدهم إلى هاتين النقيصتين عاملان أولهما: العَنَتْ الذى يلقاه الملتزم والمتزايد مع زيادة حرصه واحتياطه، وثانيهما: بصيص الأمل الذى يطل كل يوم مع ما يتنامى لعلم هؤلاء من تزايُد أعداد من تعافوا من الإصابة إلى جانب من ماتوا بالفيروس.. اللهم اجعلنا من الصابرين عليه والناجين منه.
السلامة النفسية
أحمد حمزه نمير: من أسوأ الأشياء إيلاما فى التحرش والاغتصاب، الاعتداء النفسى وانتهاك حرمة البراءة الإنسانية لأنه يظل كابوسا مزعجا ملازما لهم مدى الحياة، ويحتاج إلى علاج نفسي لاستعادة الروح والهمة للعودة إلى طريق الحياة مرة أخرى، وهذا المتحرش جاء إفرازا للفراغ الأخلاقى وضعف التربية.. أتى بنفوس خربة وانحراف سلوكى مغاير للسلوك الطبيعى للأسوياء، ولا يستطيع أحد إيجاد أى مبررات منطقية للاعتداء على جسد إنسان آخر، ولا نلقى باللوم والمسئولية على أزياء وملابس الفتيات، لأن فى ذلك افتئاتا وظلما لهن!، فالاعتداء قد يتم على أطفال فى المهد أو سيدات مسنات! أو نعلق ذلك على شماعة الظروف الاقتصادية، وتأخر سن الزواج.. إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لا تمنح تصريحا بالسرقة، ولن تجدى أى مبررات للسارق، ولن يدافع عن فعلته أحد بل يجرمه كل المجتمع، والحمد لله أن هناك وعيا وإدراكا لكل المعطيات الجديدة بمجتمعاتنا، والسلبيات التى تستطيع فتياتنا التعامل معها، فهن يمثلن نموذجا للفتاة الناضجة الواثقة المتطلعة لمستقبلها بكل ثقة وثبات، مؤكدة احترامها كيانها، مما يضع لها إطارا وهالة من التقدير والاحترام بما يجعلها تجيد الدفاع عن ذاتها ومستقبلها، وهذا الجرم غريب على المجتمع المصرى، المغلف بصبغة الاحترام والحياء ومجتمع العيب والحرام، وزينة الرجال الأدب، وأناقة الرجل فى غض البصر، وهذه حال مجتمعات الريف والمدن، وإن لم يكن الحجاب منتشرا لسنوات مضت.
ونشير هنا إلى التنشئة الصحيحة والبيئة التى يتربى فيها الولد والبنت حيث تترسخ معتقداتهم من النواهى والأوامر الأخلاقية التى يتعلمونها فى البيوت والمدارس وفى بيوت الله: «لا تكذب، لا تخن، لا تسرق، لا تقتل، لا تزن، لا تؤذ أحدا، لا تتبع عورات الناس، لا تدخل بيتا حتى تستأذن وتسلم على أهله، ألق السلام على من تعرف ومن لا تعرف، عامل الناس بالحسنى خاصة أقرب الناس إليك، عائلتك وجيرانك وزملائك فى العمل، اخلص في عملك، اجتهد فى دروسك، احترم الكبير والصغير، ساعد الضعيف، لا تنظر إلى ما فى أيدى الناس وحب لأخيك ما تحب لنفسك، لا تحقد، ولا تحسد».
وهكذا تضع الأسرة اللبنات الأولى في بناء شخصية الأبناء من خلال غرس القواعد الأخلاقية فى كيانهم وإزكاء قيمة الوقت والعمل (الفراغ أهم أسباب الانحراف والفساد)، وتجنب المتناقضات التى تتأتى من أفعال لا تتسق مع المبادىء التى يغرسها المربى فى أبنائه بأن يأمره بشىء ويفعل عكسه:
لا تنه عن خلق، وتأتى مثله
عار عليك إن فعلت عظيم
إن الصغير يراقب الكبير ويقلده، فالسلامة النفسية للأبناء والسلوك المعتدل الرشيد للآباء والأمهات هو الذى يعبر بالجميع إلى بر الأمان والنجاح، وبرغم أننا نبحث أسباب هذا السلوك، و(الدوافع النفسية والأسباب المجتمعية)، ونطالب بتغليظ العقوبة والتنكيل بمرتكب هذا الفعل وسرعة إجراءات التقاضى باعتبار أن (من أمن العقاب أساء الأدب) خاصة فى حالات اغتصاب الأطفال والتحرش بهم، فى حين تظهر لنا فئة تتسبب في استمراء الأبناء فى ارتكاب الخطأ ومعاودة ارتكابه؛ باسترضاء أهالى الضحية بأى شكل! ودفع مبالغ كبيرة لهم، والتعهد بعدم تكرار الخطأ أمام الجميع، ثم يعود بخطأ أفدح ومصيبة أكبر.!
وقد يكون الوعى وتنبيه الصغار أحد الملاذات لنجاة الصغار من البنات والأولاد، واتباع بعض القواعد والتعليمات الاحتياطية، وإبلاغ الكبار سريعا بأى سلوك مشكوك فيه!، أو حتى بعض الكلمات المخادعة من بعض المتربصين والمرضى!
وللأسف تعوّد بعض المراهقين أن يضيفوا براحا من الوقت لأنفسهم فى عالم الإنترنت دون رقابة، وأنهم فى منأى من العقاب، ويعتقدون أنهم يستطيعون إخفاء ما يفعلونه من تجاوزات فى حق الآخرين واقتحام خصوصياتهم، والتلصص عليهم بإنشاء حسابات كاذبة، واستخدامها كمنصات للانتقام والابتزاز والتشهير من الشخصيات العامة والخاصة!، لكنهم أبدا لن يفلتوا من العقاب بالقانون فى الدنيا ومن عذاب الله فى الآخرة.
رابط دائم: