أنا سيدة فى الخمسين من عمرى، وأعمل فى وظيفة قيادية بإحدى الجهات الحكومية ومُتزوجة منذ خمسة وعشرين عاماً من رجل يعمل بوظيفة كبرى، ورزقنا ببنتين وولدين، وسارت بنا الحياة الزوجية هادئة، ومشكلتى أن زوجى يتعامل مع أية مشكلات تُقابل أبناءنا بسلبية قاتلة فهو لا يقتنع إلا بوجهة نظره، وحتى حينما يستمع لنصيحة أى شخص سواء أنا أو غيرى ــ وهو إحقاقاً للحق يستمع للجميع ــ لا يقدر على تنفيذ ما تُمليه هذه النصائح، مما يجعل الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ مما جعله حينما لا يقدر على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه إما أن يكذب أو أن يتهمنى بأننى امرأة نكدية، أو أن طريقة اهتمامى بمستقبل أبنائى مرضية، علماً بأن ابنتينا الكبريين حصلتا على مؤهلين عاليين من كليات وجامعات مُحترمة، مما يعنى أن الاهتمام بتربية وتعليم أبنائنا ليس عيباً أو بحثاً عن النكد كما يتصور زوجى.
وقد حاولت مراراً إفهامه بأن موافقة أبنائنا على سلبيته وتصرفاته أمر طبيعى، فهو لا يطلب من أحدٍ أن يذاكر، وقد جُبلنا على حب الراحة والدعة فما بالنا بالطلاب أو التلاميذ فمن الطبيعى أن يجدوا فى تدليل والدهم مُبتغاهم وأن يرونى بالصورة التى يتصورونها!
وما دفعنى إلى كتابة هذه الرسالة أن ابنى الثالث وصل إلى الصف الثالث الثانوى، ويؤدى الآن اختباراته النهائية بعد أن وصلنا لهذه المرحلة بشق الأنفُس بعد مُعاناة الرسوب والملاحق والإعادة والدروس الخصوصية، ولا يعتبر زوجى هذا فشلا، ومازال يلبى طلبات ابنى بلا تفكير، الكارثة أنه لا يستطيع إطلاقاً رفض أى طلب له، وقد أشرت عليه بأن يُرجئ تنفيذ ما يريده إلى ما بعد انتهاء الامتحانات عملاً بقاعدة «الثواب والعقاب»، وإنى أكاد أموت فى اليوم مائة مرة بسبب هذا التدليل الزائد عن الحد، والذى لا تحمد عقباه، فماذا أفعل؟، وبماذا تنصحنا؟.
> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ما يفعله زوجك على حد ما جاء فى رسالتك يدخل فى باب «التدليل المبالغ فيه، والذى يؤدى إلى نتائج سلبية تظهر على الأبناء كلما تقدموا فى مراحل التعليم، حيث يخفقون فى الدراسة تدريجياً وهذا ما ظهر من خلال تجارب واقعية وخبرة فى مجال التربية والتعليم، مما يؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين الدلال المفرط وتراجع المستوى التعليمى للطالب، لأنه عندما يكبر يتخلى الأب والأم عن تلبية المتطلبات بالطريقة السابقة نفسها، وبالتالى يتحول التدليل إلى نتيجة عكسية وهى العناد والفشل أيضاً فى الدراسة.. صحيح أن التدليل مطلوب ولكن بحرص ولا يكون بشكل مستمر، وليس فى كل الأوقات، لأن ذلك من شأنه تدمير شخصية الطفل منذ نعومة أظفاره وجعله لا يتحمل المسئولية مثل بقية أقرانه.
إن الاعتدال أمر مطلوب، إذ يسهم فى الارتقاء بالنفس، ويساعد الفرد على أن يكون شخصية متفاعلة مع مجتمعه، فالرفاهية المطلقة تؤثر سلباً وتدفع البعض إلى الاعتماد بصفة مستمرة على الأهل فى كل شيء، والمطلوب هو التوازن فى التربية، إذ إن الإسراف سينعكس بالسلب عليهم فى المستقبل، ومن الممكن أن يؤدى بهم إلى أن يصبحوا ضحايا فى النهاية لأخطائهم، والأمثلة على مثل هذه الحالات كثيرة نجدها فى الشباب المتهور غير المتحمل للمسئولية خاصة عندما يصبحون فى سن المراهقة، حيث تظهر عليهم النتائج السلبية لهذا التدليل.
ولاشك أن العواقب التى تأتى جراء ما يقوم به الأهل دون قصد من الممكن أن تؤدى بهم وبالأبناء إلى نتائج غير مرضية خاصة أن ذلك يعطى للأبناء الفرصة فى تكرار الإلحاح حتى يتم تنفيذ الطلب، وقدرة السيطرة على الأهل فى كل الأمور بدلاً من أن يحدث العكس. ويجب ملاحظة أن الطفل المدلل يتصف بالتمرد ويحتج على كل شئ، ويصر على رأيه، كما أنه يكون فوضويا لا يتبع قواعد التهذيب، ولا يستجيب لأى من التعليمات الموجهة إليه، بالإضافة إلى كونه لحوحاً وكثير الطلبات وقليل الصبر وملولا،ً فهو يستعجل الأمور ولا طاقة له على الصبر، وقد يتخذ من البكاء والصراخ سبلاً للضغط على ذويه لتلبية رغباته، ولا يستطيع الاعتماد على نفسه أو مواجهة متاعب ومصاعب الحياة.
من هذا المنطلق أنصح كل أب بالحذر فى تربيته لأبنائه خاصة الابن الأول الذى ينال رعاية أكبر من بقية إخوته، وبالتالى يتعود على حياة غير الآخرين وهو ما يجعل منه شاباً فى المستقبل لا يستطيع التعامل مع الآخرين بالشكل المطلوب وفقاً للعادات والقيم التى تعودنا عليها، وأرجو أن يعى زوجك ذلك، وأن يعيد النظر فى طريقة تعامله مع ابنكما قبل أن يصل إلى مرحلة يصعب تفاديها.
رابط دائم: