أدى رضوخ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى التوجيهات الصحية وظهوره علنا لأول مرة أمس الأول مرتديا «القناع الواقى»، إلى إعادة إلقاء نظرة على تعامل الرؤساء الأمريكيين الأوائل مع الجدل والفزع المرتبطين بالأزمات الصحية التى ضربت البلاد تاريخيا، فقد حسم ترامب معركة « القناع» التى تقاطعت فى واشنطن مع المنافسة الانتخابية بين حزبه الجمهورى والمنافس الديمقراطى، وما بين دعاة الحيطة، والتعامل مع « كورونا» المستجد على أنه مؤامرة مدبرة.
ضمن ما كتب فى شهر يوليو الجارى بمناسبة احتفال الولايات المتحدة بالذكرى الـ 244 للاستقلال الأمريكى عن التاج البريطانى، نشر موقع «إن.بى.سى نيوز» الإخبارى، تقريرا تضمن إشارة إلى موقف الرئيس المؤسس جورج واشنطن، والذى كان مجرد قائد حربى خلال معارك الحرب الثورية، بالتوجيه لتطبيق العزل الصحى على الجنود الذين تظهر عليهم أعراض مرض الجدرى، وذلك وفقا لما نشره التقرير من توثيق المؤرخ رون تشيرناو. وحسب التوثيق ذاته، فإن الرئيس وجه الأطباء مع تنامى انتشار المرض فى محيط بوسطن فى شتاء عام 1777، بتطعيم كل الجنود الذين لم يصابوا بعد بالمرض. ووصف المؤرخ تشيرناو هذا القرار بأنه «كان من الطابع التنويرى مثل كل قرارات جورج واشنطن العسكرية خلال هذه الحرب».
أما بعد توليه الرئاسة عبر ولايتين بين عامى 1789 و 1797، فقد واجه الرئيس جورج واشنطن اختبارا آخر وذلك بعد اجتياح « الحمى الصفراء» عام 1793 أنحاء البلاد، وتحديدا فيلادلفيا، التى كانت عاصمة أمريكا وقتها. ومع الاعتقاد الشائع وقتها، والذى اتضح عدم صحته لاحقا، من أن المرض «معد»، فقد تم إعتماد عدد من الإجراءات التى باتت ضمن « إرث الوقاية الصحية» من عهد إلى آخر.
وفى هذا الوقت وبمباركة القيادة السياسة تم اعتماد تغطية الوجه خلال التواجد خارج المنازل، وتجنب التجمعات، وإغلاق المدارس، والتزام العزلة والتباعد. وقتها التزم الرئيس واشنطن بالعمل من المنزل فى «ماونت فيرنون»، وكتب إلى أحد أصدقائه، وفقا لما أورده المؤرخ تشيرناو، مؤكدا: « لا يمكننى تعريض حياة زوجتى وأطفالى للخطر بالبقاء فى فيلادلفيا».
وكان عمدة فيلادلفيا وقتها، ماثيو كلاركسون، قد كلف الطبيب البارز بينجامين راش، وهو أحد الموقعين على إعلان الاستقلال الأمريكى، بوضع لائحة واضحة ومتكاملة بالإجراءات الوقائية التى يفترض أن يلتزم بها عموم الأمريكيين لمنع انتشار الحمى الصفراء. ومن بين ما ورد بهذه اللائحة، إخضاع جميع الأشخاص والبضائع الواردة إلى الأراضى الأمريكية إلى الحجر الصحى لفترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. ووضع تصور كامل لإجراءات النظافة والتطهير بأنحاء العاصمة الأمريكية.
ويضرب المنتقدون لمواقف ترامب إزاء كورونا الأمثال بالرئيس واشنطن على أنه كان خير من يدير المعركة ضد الفيروس المستجد وفقا لما نشره التاريخ من تعامله الرصين مع أزمات وبائية وصحية سابقة.
رابط دائم: