رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وفقاً للأهرام.. «كانوا يختلفون فيه وهو حى فهم مجمعون الآن وهو ميت»
رحيل الإمام محمد عبده فى يوليو 1905.. رحلته بين تلاميذ «الأفغانى» ودعوته « تعديل مناهج الأزهر»

دعاء جلال
الامام محمد عبده فى الجزائر

فى يوم 12 يوليو عام 1905، صدرت الأهرام، بخبر وفاة الشيخ الجليل محمد عبده، المفكر الإسلامى المجدد ومفتى الديار المصرية، والتى وقعت قبلها بيوم واحد. فورد على صفحاتها وتحت عنوان «موت المفتي، الشيخ محمد عبده البقاء لله»، مايلي: «مصباح أضاء فى عالم الأدب والفضل والعلم 27 سنة ثم انتابته الاسقام منذ اربعة أشهر حتى اطفأت منه فى الساعة السادسة من مساء امس نوراً ساطعاً كان يضأل يوما فيوماً بضئول جسمه، والناس تروع فى كل صباح ومساء بقرب انطفائه وساعة اظلامه ولقد كانت تسقط الاخبار عن صحة الشيخ محمد عبده فى هذا الاسبوع وما قبله الشاطر الاكبر من مشاغل الامة المصرية، لان الشيخ محمد عبده رجل (والرجال قليل) فتم انطفاؤه امس فى منزل صديقه محمد بك راسم فى رمل الاسكندرية بعد آلام تحملها بالصبر والجلد فلم تهدم عزيمته قبل انهدام بنيته، ولم تضع رشده وارشاده قبل ان تضع نسمة الحياة منه، فمات الشيخ الكبير والاستاذ النحرير والعالم الشهير مفتى الديار المصرية، فطار نعيه بعد آخر نفس لفظه فى جميع انحاء البلاد فعرفت مصر انها خسرت رجلا عظيما مقداماً عالماً عاملاً وتردد عليه الاسف من كل لسان ووقف الجميع مكلومى الافئدة وانظارهم موجهة الى تلك الجثة الخامدة ولقد كانوا يختلفون فيه وهو حى فهم مجمعون الآن وهو ميت على ان المصاب به مصاب أليم والخسارة بموته خسارة لا تعوض».

محطات المسيرة .. و«الوقائع المصرية»

وفى الجزء الثانى من الموضوع ذاته ورد عنوان «تاريخ حياته»، وكان ما يلى بعض ما ورد فيه: «ولد الفقيد فى محلة نصر ودخل الازهر لتلقى العلوم فتبع مذهب المالكية وكان المرحوم الشيخ محمد عليش يراه نابغة تلامذته ويحبه ويكرمه فظل الفقيد يتلقى العلم فى الازهر حتى وصل السيد جمال الدين الافغانى فانخرط الفقيد فى سلك تلامذته .. فهاج الازهريون فى وجه السيد جمال الدين ورموه بالزندقة لانه سار على غير مناهجهم واتهموا تلامذته ومنهم الفقيد تهماً أغضبت عليه شيخه محمد عليش فطرده من مسجد سيدنا الحسين كما هو مشهور حتى اليوم وفى سنة 1879 ظهرت على الفقيد ورفاقه دلائل النهضة الادبية فقربهم دولتو رياض باشا منه وعين الفقيد مدرسا بمدرسة الالسن ولكن نهضتهم لم ترق فى عين اسماعيل باشا الخديوى الاسبق فعزل رياض باشا من الوزارة وأبعد السيد جمال الدين عن مصر وابعد الفقيد الى قريته فى البحيرة فمكث فيها الى ان عاد رياض باشا للوزارة على عهد توفيق باشا فعين الفقيد محرراً للوقائع المصرية ..»

وأورد الموضوع ما كان من مركزية دور الفقيد بالنسبة لرجال الثورة العرابية، وذلك كالتالي: «قيل ان العرابيين كانوا لا يبرمون أمرا دون استشارته وكان الفقيد ينكر كثيرا من اعمالهم وهو الذى حمى سراى رياض وقتئذ منهم ولما دخل الانكليز مصر قبضوا على الفقيد كما قبضوا على سائر العرابيين وسجنوه .. حتى حوكم فى سنة 82، ومن التهم التى وجهت اليه انه افتى بعزل توفيق باشا فحكم عليه بالابعاد 3 سنوات».

الجنازة.. أذان موحد وإغلاق مخازن الموسكي

وفى وصف لجنازة مفتى الديار المصرية والتى ضمت أشقاءه ورفاق حياته العلمية والسياسية، وكبار رجال الدولة، أوردت الأهرام بتاريخ 13 يوليو 1905بعنوان: «جنازة المفتى الشيخ محمد عبده»، وجاء فيه «فى الساعة الرابعة تماماً سارت الجنازة من محطة مصر على النظام الذى كان يشور به الفقيد استناداً على قوله (اكرام الميت بدفنه) فسار فى مقدمة الموكب فرسان البوليس بقيادة اثنين من ضباطهم ويلى الفرسان فرقة من مشاة البوليس بقيادة 4 من ضباطهم ويليهم نعش الفقيد محمولاً على الاكتاف وهو مغطى بشال من الكشمير، وكلما تقدم الموكب زاد عدد المشيعين حتى اذا ما دخلت الجنازة الموسكى اقفلت المخازن الكبيرة ووقف التجار امام مخازنهم للاشتراك فى الماتم ووقفت قطورات الترمواى نحو الساعة حتى لا تقلق الموكب فى سيره، فلما وصلت الجنازة الى الازهر اذن المؤذنون من كل المساجد دفعة واحدة فزاد الخشوع وزادت العبرة فى جنازة كبيرة لم تر مصر اكبر منها لاشتراك الشعب كله بجميع طوائفه بها».

ولكن وقع رحيل الإمام الجليل كان مروعا، حتى أنه أثار الملكة الشعرية لدى الشاعرين مصطفى صادق الرافعى وحافظ إبراهيم، فأبدعا فى رثاء العالم الجليل ونشرت الأهرام إبداعهما. فتحت عنوان «رثاء المفتي»، كان من أبيات رثاء الرافعى للإمام، ما يلي:

« سكت وقد ضجت لك الثقلان .. وأغضيت والأبصار فى رجفان

فويحى متى تصغى إلى مناجيا .. وويحى اذا ادعوك كيف ترانى

أمان وآمال ودين وحكمة .. ذهبت بها عنا ببضع ثوان

ضبطت عنان الحادثات فأمكست .. وخلفتها تجرى بغير عنان

وكنت تدير الرأى والدهر ثائر .. فخلفتها سفنا بغير سكان

وكنت لنا فى أمة الشرق أمة»

«قضية المفتي» ورد حافظ إبراهيم

وبخلاف علاقته مع الثورة العرابية وما جلبته عليه من معارك، واجه الإمام سهام الانتقاد بسبب آرائه التى نادت دوما بتحرير العقل من الجمود الفكري، وكان دائماً يطالب بالاجتهاد وعدم التشدد الديني. وأوردت الأهرام ما كان من معركة بين مهاجميه والمدافعين عن الإمام. فنشرت، مثلا، بتاريخ عدد 7 مارس 1902 بعنوان «قضية المفتي» وجاء فيها مايلى «كتب الينا سكان الدرب الاحمر انهم رفعوا أمس عريضة الى النيابة العمومية يوجهون فيها انظارها الى قصيدة نشرتها جريدة (حمارة منيتي) واومأت فيها الى حضرة العلامة المفضال الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية وقد روى لنا ان النيابة استدعت صاحب الجريدة وسألته عما نشر فى جريدته وأن فضيلة شيخ الاسلام اظهر لحضرة النائب العمومى شديد استيائه مما نشرت تلك الجريدة، وقد تلقينا فى البريد قصيدة معارضة لما نشرته (حمارة منيتي) من نظم الشاعر الطائر الصيت حافظ افندى ابراهيم قال فيها: ان صوروك فانما قد صوروا.. تاج الفخار ومطلع الانوار..أو نقصوك فانما قد نقصوا..دين النبى محمد المختار..سخروا من الفضل الذى اوتيته..والله يسخر منهم فى النار.. رسموا بذاتك للنواظر جنة..محفوفة بمكاره الاشعار.. لن يحجبوك عن الورى او يحجبوا فلق الصباح ومشرق الاقمار.. والقصيدة كلها من هذا الطراز الجميل ولقد كنا ننشرها برمتها لو سمحت لنا خطة الجريدة بنشر الاشعار ولكننا نستدل منها على مقام فضيلته من قلوب الأمة ومكانته من نفوسها. وبعد كتابة ماتقدم جاءتنا رسالة مفادها ان 30 شخصا من عيون القاهرة كتبوا عريضة نلخص مفادها وهو ان الطمن على مثل مفتى الديار المصرية هو استهزاء واحتقار من جهة ومن جهة أخرى ان الكاتب قد اورد آيات قرآنية فى غير موضعها المناسب وفى ذلك مس بالديانة، فنحن نود ان ينتهى الامر عند هذا الحد وان يصفح فضيلة المفتى عما كان وان يقلع صاحب الجريدة عن تلك الخطة فان ذلك كله خير من المحاكمة وسواها»

من أبرز أسباب مهاجمة الإمام محمد عبده، كانت مطالبته المستمرة بإجراء تعديلات على المناهج الدراسية بجامع الأزهر، ففى عدد الأهرام الصادر فى 23 مارس 1900، ورد خبر يقول: «وضع فضيلة الاستاذ المفضال الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية تقريراً عن كيفية اصلاح ادارة الجامع الازهر واصلاح التدريس فيه باختصار التطويل الذى يذهب أوقات الطلبة دون فائدة وذكر فى تقريره هذا اصلاح كل فصل من فصول التدريس وكل باب من أبواب الادارة فشكره سمو الامير على هذا العمل المفيد وتنازل الى النظر فى تقريره واصدار الامر بتنفيذ الصالح منه»

نزاع « الأهرام» مع «المؤيد»

وقد دخلت صحيفة الأهرام فى نزاع مع جريدة المؤيد بسبب ما كان من مطالبة إمام التنوير محمد عبده لتطوير مناهج الأزهر الشريف، حيث إن الأهرام قامت بنشر خبر بتاريخ 7 مايو 1900 جاء فيه «ارتأى فضيلة الامام الشيخ محمد عبده بعد ان درس بروغرامات تعليم الازهر وغيرها من بروغرامات الدروس ادخال تعديلات كثيرة على بروغرام الازهر فقدم تقريراً بذلك وضمنه البروغرام الواجب التدريس بمقتضاه ورفع هذا التقرير الى السدة الخديوية فأحالته الى لجنة العلماء المؤلفة من ثلاثين اماماً من ائمة الازهر الافاضل .. وتباحث الاعضاء فى بروغرامه فرفضوه بالاجماع تقريباً وتقرر تعيين لجنة منهم لوضع بروغرام آخر فانتخب اعضاؤها واجتمعوا وقرروا البروغرام الواجب اتباعه المؤيد للتقاليد الازهرية الشريفة مع ادخال بعض فروع من العلوم الواجب ان يلم بها الازهريون ورفعوا بروغرامهم الى اللجنة العليا المؤلفة من ثلاثين اماماً فقررته ودفعته الى الجناب الخديوى للموافقة عليه..».

وقد علقت «المؤيد» بعد نشر الأهرام لهذا الخبر ما يشير إلى أن صحيفة الأهرام كتبت الخبر بصورة فيها بعض من التشفى والتحامل بسبب رفض تطوير المناهج، فجاء رد الأهرام عليها فى عدد 12 مايو 1900 «يذكر قراؤنا اننا روينا خبر تقديم فضيلة الشيخ محمد عبده بروجراماً للتدريس فى الازهر الشريف فقلنا مابلغنا من ثقة كرواة لحادث لا نقصد شيئاً غير الاخبار والرواية كأن نروى مثلاً جرح عمرو وسقوط زيد ونقل الكاتب محمد، فراق للمؤيد ان ينشر فى اليوم التالى لنشر خبرنا كتاباً لم يكذب فيه روايتنا بل راوغ وخاتل ليوهم دفعها ولو كانت غير صحيحة لما احجمنا عن تكذيبها ونفيها ولكن خطأنا فيها الى المؤيد ان تكون صحيحة بكل حروفها وأجزائها ومع كل تأكدنا من صدقها لم نكتف بل قصدنا علامة مفضالاً من اعضاء لجنة الجامع الازهر وأطلعناه على ما نشرناه وعلى ما قال المؤيد فكان أول جوابه الابتسام ثم قال لنا مانعيده بالحرف الواحد ليفهم الذين يريدون ان يفهموا (ألح حضرة الشيخ محمد عبده واكثر من الالحاح بوجوب التعديل فى التدريس وكرر ذلك مراراً حتى قيل له ضع لما تراه من التعديل بروجراماً فوضع بروجرامه ورفعه الى سمو الامير فأصدر سموه أمره الى لجنة العلماء فى الازهر وهذه اللجنة مؤلفة من 30 عالماً بفحص بروجرام حضرة الشيخ محمد عبده فاجتمعت اللجنة برئاسته وتفاوضت ملياً بهذا البروجرام فرفضته بجميع أجزائه إلا اثنين وافقا عليه وهما حضرة الشيخ محمد عبده واضعه وحضرة الشيخ عبد الكريم سلمان فعند ذلك صدر الامر الخديوى الى خمسة من الافاضل بوضع بروجرام جديد..)، ولما اطلعت عمدة المؤيد على رواية الاهرام اجتمعت فى احد فنادق العاصمة وتفاوضت فى الامر واستدعت صاحب المؤيد فكتبت له الرسالة التى نشرها رداً على الاهرام، فنحن نعيد ماقلناه وهو اننا لم نقصد التشفى أو التحامل من رفض بروغرام حضرة الشيخ محمد عبده .. ولكننا كنا رواة ككل صحافى يبلغه خبر مهم كهذا، فهل يقنع المكابرون بالصدق والحقيقة أو انهم يقدمون علينا بخيلهم ورجلهم لاننا أخطأنا واثمنا اليهم بنشر الحقيقة».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق