رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

آسيويون يوثقون تعرضهم للتمييز ويطالبون بـ «المساواة»

هدير الزهار

لطالما استغل كثيرون انتشار الأوبئة والأمراض لتوطيد فكرة الكراهية تجاه الأجانب وممارسة العنصرية ضدهم واتهامهم بالتسبب فى انتشاره، حتى فى أكثر الدول تقدما وتطورا وتشدقا بالدفاع عن حقوق الإنسان. فقبل سنوات ألقى الأمريكيون اللوم على سكان هايتى بأنهم كانوا سبب انتشار فيروس نقص المناعة «الإيدز»، وفى عام 2009 وقع المكسيكيون فى مرمى الاتهامات حيث تم الادعاء بأنهم وراء تفشى إنفلونزا الخنازير، أما الاعتقاد العنصرى بأن الآسيويين يحملون الأمراض فيعود إلى قرون مضت. ففى القرن التاسع عشر، مع تزايد هجرة العمال الصينيين، وخوفا من أن يشغلوا وظائف يمكن لأصحاب البشرة البيضاء شغلها، دعت نقابات العمال لحظر هجرة الصينيين بعد الادعاء أنهم يحملون سلالات المرض «الصينية»، التى تعد أكثر فتكا وضررا من تلك التى قد يحملها العاملون من أصحاب البشرة البيضاء.

واليوم، فى الوقت الذى تكافح فيه الولايات المتحدة الوباء العالمي، الذى أودى بحياة أكثر من 133 ألف أمريكى حتى الآن، بالإضافة لتداعياته الاقتصادية الصعبة، التى من بينها ارتفاع نسبة البطالة بعد فقدان الملايين لأعمالهم ووظائفهم، فإن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى دائما ما يشير إلى كوفيد- 19 بـ «الفيروس الصيني»، قد ساعد على زيادة الكراهية ليس فقط نحو الصينيين بل نحو سكان الولايات المتحدة ممن يحملون أصولا وملامح آسيوية، والأسوأ أن الأمر لم يعد مجرد حذر أو كراهية مخفية بل تحول لهجمات عنصرية متمثلة فى تعرضهم لاعتداءات لفظية وجسدية.

فقد جاء فى تقرير نشرته مجلة «التايم» الأمريكية، أنه منذ منتصف مارس الماضي، تلقى مركز «أوقفوا الكراهية»، وهو مركز للإبلاغ عن حوادث التحرش والتنمر والعنصرية وما شابه، أسسه مجلس آسيا والمحيط الهادى للسياسات والتخطيط، أكثر من 1800 تقرير حول المضايقات وأعمال العنف، التى تسبب بها الوباء فى 45 ولاية والعاصمة واشنطن. ومن هنا جاءت مبادرة هاروكا ساكاجوتشي، 30 عاما، التى تعمل مصورة فى مقاطعة بروكلين بمدينة نيويورك، والتى هاجرت من اليابان للولايات المتحدة الأمريكية وهى تبلغ من العمر 3 أشهر فقط، حيث بدأت منذ شهر مايو الماضى بالتقاط صور لمواطنين من أصول آسيوية واجهوا اعتداءات عنصرية، وصور أخرى للمواقع التى تعرضوا فيها للاعتداء ومزج الصورتين معا، بوضع صورة الموقع كخلفية وفى وسطها صورة المعتدى عليه، وأسفلها اسمه وعمره وأصوله الآسيوية، وبرفقتها تفاصيل الحادث الذى تعرض له، ونشرها على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. وتأمل ساكاجوتشى فى أن تكون صورها ملهمة للناس على الأقل بالتحدث عن تجاربهم وما تعرضوا له كمهاجرين أو أبناء مهاجرين طالما أنهم مواطنون جيدون يلتزمون بالقانون ويبحثون عن الرزق والمشاركة بإيجابية فى مجتمعهم.

وفى إشارة إلى الخطاب الشهير الذى ألقاه الكاتب والمناضل الأمريكى ذو الأصول الإفريقية، فريدريك دوجلاس، فى مدينة بوسطن عام 1869، والذى دعا من خلاله إلى قبول الهجرة الصينية، تقول ساكاجوتشي: «حركات الحقوق المدنية ساعدت جميع الأشخاص الملونين.. فقد تم نسج التضامن بين الأعراق فى نسيج حركات المقاومة فى الولايات المتحدة»، وأضافت: «الاحتجاجات التى اندلعت فى البلاد أخيرا أكدت أنه يجب ألا نكون مجرد أقلية تطمح إلى أن تكون مجاورة لأصحاب العرق الأبيض على طيف اجتماعى مصمم بعناية لخدمتهم بل لابد أن نكون أعضاء ناشطين فى مجتمع مميز انبثق من حركات المقاومة، التى تسعى لجعل المجتمع أفضل للملونين».

واستعرض تقرير «التايم» عدة قصص لمواطنين من أصول آسيوية، تعرضوا لاعتداءات عنصرية، وقد نجحت ساكاجوتشى فى الحصول على تفاصيلها، ومن بينها قصة جاستن تسوي، 37 عاما، ممرض أمريكى من أصول صينية يدرس للحصول على درجة الدكتوراه فى ممارسة التمريض فى قسم الأمراض النفسية بجامعة كولومبيا، تعرض للاعتداء اللفظى أثناء استقلاله أحد القطارات متوجها لمنزله حيث اقترب منه رجل ليسأله: «أنت صينى .. أليس كذلك؟» .. فأجاب تسوى بأنه أمريكى صيني، ثم أخبر الرجل تسوى بأنه عليه العودة إلى بلاده لكونهم «كصينيين» سببا فى انتشار الأمراض مستشهدا أيضا بسارس عام 2003، وأن خنازيرهم سبب انتشار كل الأمراض والفيروسات. وقد تدخل أحد المارة ـ الذى يبدو من وجهه أنه من أصول لاتينية ـ وهدد الرجل بتسجيل الحادث وإبلاغ الشرطة، وقد وجه له المعتدى أيضا كلمات بأنه يجب أن يعود لبلده هو الآخر. وقد كان تسوى يرغب فى مغادرة القطار للهروب من ذلك المعتدى الذى يراقبه بنظرات حادة، إلا أنه خشى من ان يتبعه ويقوم بفعل ما هو أسوأ. ويقول تسوي: «الحركات الحالية المناهضة للعنصرية مهمة، لكن الولايات المتحدة أمامها طريق طويل لتحقيق المساواة الحقيقية، فالأمر لن يتغير بين ليلة وضحاها، فلنكن صادقين، قبل حادث جورج فلويد كان السود يصرخون من الألم ويطلبون المساعدة منذ فترة طويلة».

جيلين لياو .. بناء المجتمع يبدأ ببناء العلاقات

أما جيلين لياو، 35 عاما، من أصول تايوانية صينية، وتعمل فى محل بقالة، فقد تعرضت فى أبريل الماضى لموقف مؤلم حيث توقفت فى الشارع لتعديل قناعها الطبى وإذا برجل مسن يعبر الطريق ليسير نحوها ويقول لها بعنف: «المرة القادمة احذرى من تأتى حاملة أمراض بلادك». وقد أثارت تلك الكلمات خوف لياو، التى انتظرت أن يبتعد الرجل عدة خطوات لتقول له: «أنا أمريكية يا سيدى .. وأتمنى لك نهارا سعيدا». وفى ذلك الوقت كانت لياو تحمل 4 أكياس بقالة، لكن منذ ذلك اليوم قررت عدم حمل كثير من الحقائب فى آن واحد لعلها تتعرض لما هو أسوأ ولا تستطيع الدفاع عن نفسها وفضلت القيام بمشاوير متعددة لتوصيل الحقائب على دفعات وإن كان ذلك أكثر مشقة عليها. وتقول لياو: «نحن مهمشون لذا لا نخشى من التحدث عن تجاربنا.. فبناء المجتمع يبدأ ببناء العلاقات».

إبراهام تشوى .. بين الخوف والأمل

تعرض إبراهام تشوي، 27 عاما، أمريكى من أصول كورية، لموقف مفاجئ فى أحد الحمامات بمحطة بنسلفانيا مارس الماضي، حيث قام أحد الرجال بالاقتراب منه والبصق عليه وبدأ فى السعال فى وجهه، فيقول تشوي: «لقد أصابتنى الصدمة أكثر من الغضب.. فلم أدرك لماذا فعل ذلك!». ثم قال له الرجل: «أنت صيني.. ويجب أن تموتوا جميعا .. فجميعكم مصابون بالفيروس وتنقلوه لنا».. ثم رحل ليهرع تشوى لأحد الضباط بالمحطة ويقص عليه ما حدث مطالبا إياه باتخاذ الإجراء القانوني.. وإذا بالضابط يقول له: «البصق ليس جريمة، والأمر لا يستحق العمل الورقى وبذل مجهود فى الإجراءات!». لم يعرف تشوى ماذا يفعل بل شعر بالخوف مما قد تواجهه أسرته فى المستقبل من إهانات وعنصرية، ويقول تشوي: «الحادث جعلنى أكثر انطوائية، فأنا قلق بشأن طفلتي، لا اريدها أن تواجه مثل تلك العنصرية فى المستقبل، ولكن الأحداث الأخيرة تعد بريقا من الأمل، لذا يجب أن نشارك جميعا حتى نعيش فى مجتمع يعتبر الجميع سواسية».

هانا هوانج.. ألم العنصرية لا يفرق بين أفارقة وآسيويين

أما أسوأ ما تتعرض له بشكل متكرر هانا هوانج، 23 عاما، فتاة أمريكية من أصول كورية تعمل بأحد البنوك، هو رفض بعض العملاء التعامل معها لكونها «صينية»، فتنزل عليها كلمات قاسية مثل «لا أريد التحدث إليك.. فأنت صينية»، و«من فضلك احضرى لى شخصا آخر للتعامل معه» لتترك ندبات فى قلبها صعبة الالتئام. فتقول هوانج: «أصبحت فى الفترة الأخيرة أشعر وكأننى حيوان فى حديقة الحيوانات، حيث يفصل بينى وبين العملاء حاجز زجاجى فى أثناء توجهيهم الكلمات الجارحة لى وإهانتي». لكن مع بدء مظاهرات التنديد بالعنصرية أدركت هوانج أنها ليست وحدها من تتحمل مثل تلك المعاملة العنصرية، فتقول: «بدأت أدرك جيدا الدور المهم الذى يلعبه الأمريكيون الآسيويون فى المجتمع الأمريكى وأهمية التضامن مع المواطنين من أصل إفريقي».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق