رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بين جنون الارتياب والسعى إلى الهيمنة

مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011 والإطاحة بنظام مبارك، لم تتوقع القوى المدنية الاستقطاب الذى ضرب المجتمع بعدها، ولعب تيار الإسلام السياسى وفى القلب منه جماعة الإخوان، دورا رئيسيا فى بقائه محتدما. هذا الصدع عرقل التوافق على مسار سياسى موحد ينقذ أهداف ومطالب الثورة، وبدلا من ذلك بدأت تطفو على السطح معارك جدلية حول هوية الدولة ( مدنية/ إسلامية) و( الشرعية السياسية/ الإرادة الشعبية/ الديمقراطية) و( الدستور أولا / الانتخابات أولا) ونجحت جماعة الإخوان فى استثمار تلك المعارك واحدة تلو الأخرى لمصلحتها حتى فازت بالانتخابات الرئاسية وحازت السلطة.

دائما ما كانت العلاقة بين الحرية والشرعية والثقة الشعبية محط جدل ونزاع بين الجماعة ومؤيديها من جهة وبين القوى المدنية والشعب من جهة أخرى. فى النظم الديمقراطية تعتمد القدرة على الحكم على ثقة الجمهور فى أن الزعيم المنتخب سيحترم حريتهم عامة وحقهم فى التعبير بحرية، وأن من حق الناخبين إعادة النظر بالعملية السياسية التى أتت به للحكم، بأى لحظة، إذا ما شعروا بخروجه عن الشروط التى تم انتخابه وفقا لها أو انقلابه على المسار الديمقراطى. فقيم الحرية والشفافية ضرورية لكسب ثقة الشعب وكسب ثقة جميع الأطراف المتنافسة بالعملية السياسية، وتغذية هذه الثقة العامة تتطلب مشاركة المعلومات والسلطة مع التيارات والفئات المختلفة. ومع ذلك ، لم يكن بناء تلك الثقة متوفرا خلال حكم الإخوان بل كان هناك خرق للثقة فى العلاقة بين الإسلاميين وبين القوى المدنية الأخرى، وكذلك القوى والفئات غير المؤدلجة.

 تصدر الصراع حول تلك الثقة المفقودة ، بالإضافة إلى الجدل المستمر حول الشرعية السياسية وجوهر الديمقراطية، النقاش العام باستمرار وساهمت طريقة تعامل الإخوان معه بتضخيم المأزق السياسى الذى أدى بنهاية المطاف إلى ثورة 30 يونيو.  منذ الإطاحة بمبارك كان نهج الإخوان لتوطيد سلطتها فى مصر هو تسوية النزاعات من خلال صناديق الانتخابات. لقد حولوا التجربة الديمقراطية إلى عملية من خطوتين: التصويت أولا ، ثم الثقة لاحقا، استنادا على تفسير منقوص لكون الديمقراطية تعنى حكم الأغلبية. نعم، فاز الإخوان بالأغلبية بالانتخابات ولكنهم فقدوا الثقة الشعبية، متناسين أن الشرعية السياسية لا تستند فى أغلب الأحيان إلى الانتصارات الانتخابية .

كل ذلك كان نتيجة لمعاناتهم من أوهام السلطة وتجلى ذلك فى سعيهم المحموم نحو التمكين والهيمنة . فشل مرسى بتوحيد القوى المدنية والإسلاميين وأدرك الجميع أن شرعيته الحقيقية كانت متجذرة بالأساس فى الخيال السياسى الإسلامى الذى حمل ولاءات وامتيازات خاصة لقاعدته التنظيمية جعلته يخسر مؤيديه من خارج تلك القاعدة بسرعة كبيرة، خاصة عندما ظهر للعلن أن الجماعة لم تتخل عن محافظتها التقليدية وسعيها لأخونة الدولة والمجتمع. وهو ما يتفق بشدة مع ما يطرحه الباحث بمعهد بروكنجر، شادى حامد فى كتابه «إغراءات السلطة: الإسلاميون والديمقراطية غير الليبرالية فى شرق أوسط جديد»، الصادر عن جامعة أوكسفورد.

يرى حامد أن القمع الذى عانت منه جماعة الإخوان منذ تأسيسها »أجبر« الجماعة والإسلام السياسى عامة على تعديل سياساتهم ، والعمل بالائتلافات وتشكيل تحالفات مع قوى مختلفة (وهو ما حدث مع الجماعة التى تحالفت مع بعض الحركات والأحزاب المدنية المعارضة خلال حكم مبارك)، وإلغاء التأكيد على تمسكهم بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وتجاهل حلم الدولة الإسلامية، ولكن مع اندلاع ثورات الربيع العربى وزوال الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، وجدت الجماعة فرصة ذهبية للوصول إلى السلطة رغم عدم استعدادها لذلك، وخلال ذلك تراجعت إلى أصولها المحافظة، ورغم محاولتها الجمع بين ميزات الأحزاب السياسية والحركات الدينية لكنها فشلت. كما فشلت أساليبها البراجماتية فى تواصلها مع التيارات المدنية والمجتمع.

يضيف حامد «الليبرالية أمر أساسى لوجود الإسلاميين بالمشهد. واعتناق الإخوان الديمقراطية يتوقف على اعتقادهم بأن هذا الالتزام سيساعد فقط مهمتهم لأسلمة الدولة. اعتقدوا أن إلغاء التمسك بالشريعة الإسلامية وقول وتنفيذ الأشياء الصحيحة بشأن الديمقراطية والتعددية وحقوق المرأة والأقليات من شأنه أن يضعهم فى وضع أقوى. فبحثوا عن حلفاء من أنحاء الطيف السياسى لإضفاء الديمقراطية على هياكلهم التنظيمية. حتى عندما كانوا قادرين على المنافسة بالانتخابات ، كانوا حذرين من المنافسة بقوة حتى لا يستفزوا الأنظمة الحاكمة وكى يكونوا مستعدين للوصول إلى السلطة حال سقوط تلك الأنظمة«. ويوضح أن تلك الأقنعة سقطت مع سقوط الأنظمة الاستبداية حيث شعر الإخوان بأنهم اللاعب الوحيد المؤهل على الأرض والأكثر تنظيما فبدأ السعى نحو السلطة وبعد الاستحواذ عليها كان من الصعب التعامل مع كل هذا الاختلاف السياسى، معتبرا أن سنوات القمع والملاحقة التى عانوا منها أوجدت خليطا من جنون العظمة وجنون الارتياب لدى الجماعة، جنون العظمة بسبب ثقتها فى قوة تنظيمها وانتشار قواعدها بفضل شبكتها الاجتماعية، وجنون الارتياب ضد كل من اعتبرتهم خصوما يسعون لإسقاطها من سدة الحكم، بداية من أجهزة الدولة الأمنية التقليدية ( الجيش- الشرطة- القضاء) بالإضافة لباقى مؤسسات الدولة فسعت لأخونتها كى تضمنها فى جانبها وحتى القوى المدنية التى دعمت مرشحها بالانتخابات. ويضيف » بالنسبة للإخوان ، لم يكن هذا عن محمد مرسى. كان الأمر يتعلق بمستقبل جماعة اعتادت على وجود الأعداء والخوف من الأسوأ. على نحو متزايد، وعلى مدار المرحلة الانتقالية المضطربة بمصر ، سمحت جماعة الإخوان المسلمين لنفسها بأن تكون مدفوعة بجنون العظمة والارتياب. وبدا أن أكثر الخطوات الاستفزازية للرئيس الإسلامى محمد مرسى يحركها مخزون لا نهاية له من عدم الثقة والرفض تجاه خصومه».

يذكر حامد مقابلة له مع مرسى فى مايو 2010 كعضو بمكتب الإرشاد، عندما كانت الجماعة تستعد للانتخابات البرلمانية (المقرر إجراؤها فى أكتوبر من ذلك العام) والتى كان الجميع واثقا من تزويرها. قال مرسى «نحن لسنا باحثين عن السلطة لأن ذلك يتطلب تحضيرات كبيرة، والمجتمع غير مستعد».  كان التناقض بين هذا التصريح المتواضع وتحركات الإخوان منذ الإطاحة بمبارك وبعد توليها السلطة هو ما ركز عليه «إغراءات السلطة». ففى ظل الدكتاتورية، لعب الإخوان لعبة المعارضة محاولين إظهار أنفسهم ضعفاء وعاجزين عن تهديد السلطة، ولكن بمجرد سقوط الديكتاتورية، بدأ الاندفاع المحموم نحو الأصوات والمقاعد بانتخابات ما بعد الثورة، وتحول شعارهم الظاهرى «مشاركة وليس مغالبة» إلى العكس تماما حتى أصبح باقى الشعب والقوى المدنية هم المعارضة وسرعان ما وجدوا أنفسهم مجبرين على اللجوء إلى الشارع مرة أخرى. يضيف حامد «الجماعة أعمتها إغراءات السلطة ، مما جعلها تغفل مخاطر الحكم فى تلك اللحظة الهشة من تاريخ مصر. ليست هناك حاجة إلى نظرية علم اجتماع كبرى لتفسير لماذا قادة حركة سياسية تحت القمع منذ فترة طويلة ، وجدوا أنفسهم فجأة على بعد خطوة من السلطة . كانت فرصة مدهشة فانتهزوها بسرعة كبيرة».

 

 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق