برغم الحديث عن «عقم المفاوضات» الجارية حالياً حول سد النهضة الإثيوبى بين مصر والسودان وإثيوبيا (دول حوض النيل الشرقى)، فإن الوحدة الطبيعية لحوض نهر النيل التى وهبها الله لشرق أفريقيا، ونشأت على ضفافه الحضارات التى علمت العالم، وعلاقات المودة وحسن الجوار التى تربط جميع شعوب دول الحوض والمصير المشترك، تعطينا الأمل فى حدوث «اختراق» عند حافة الهاوية، وتوقيع جميع الأطراف الاتفاقية التى تم إنجاز أكثر من 90% منها، فالنهر الجارى من جبال الحبشة مروراً بسهول السودان وصولاً لدلتا مصر يربطنا جميعاً برباط مقدس، وهذا ما سيجلب الاستقرار والتنمية لجميع دول حوض النيل، فمياه النهر لم تزد قطرة واحدة منذ أن وجدت امرأة فرعون سيدنا موسى عليه السلام فى أحراش البردى على ضفاف نهر النيل، وربما تقل كميات المياه فى الحوض النهرى خلال ربع قرن من الآن بسبب التغيرات المناخية، وفى الوقت نفسه، فإن الطلب على المياه فى ازدياد مضطرد لجميع دول الحوض بسبب تضاعف أعداد السكان، وكذلك احتياجاتهم الغذائية وغيرها، فلا سبيل أمام دول الحوض إلا التعاون وزيادة العوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لوجود الحوض النهرى فى بلدانهم وليس المياه فقط.
لقد طالت مفاوضات سد النهضة الإثيوبى لمدة قرن من الزمن ما بين تفصيلات فنية وأخرى قانونية وسياسية لكسب الوقت وإطالة مدة التفاوض من الجانب الإثيوبى وإتباعهم «سيناريو السلحفاة»، ففى هذا السيناريو يرتدى المفاوض عادة جلد السلحفاة خلال مراحل التفاوض وفى كل مرة يعطيك الأمل لكى تستمر بدون تحديد سقف زمنى لكسب الوقت واستكمال البناء ومن ثم فرض شروطه، وعندها يظن أن التفاوض سيصبح حول أمر واقع تصعب مواجهته.
إن مصر لديها الكثير من الخيارات الأخرى للتعامل مع قضية سد النهضة، فهى الدولة الأكثر اعتمادا على مياه النهر من بين جميع دول الحوض، ويعد اقتراح المفاوض المصرى الأخير بخصوص ربط التخزين والتشغيل فى سد النهضة الإثيوبى بمناسيب المياه أمام السد العالى، فى أثناء سنوات الجفاف الممتد، تطبيقا عمليا لمفهوم المصير المشترك فى «السراء والضراء»، فى ظل أن السعة التخزينية لسد النهضة تصل إلى 74 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل مجموع حصتى مصر والسودان من مياه نهر النيل (55.5 لمصر و18.5 للسودان) المنصوص عليها فى اتفاقية 1959، لذا فإننى أستبشر خيرا لجميع دول حوض النيل الشرقى (مصر والسودان وإثيوبيا) ، بعد تأجيل بدء الملء الأول ووساطة الإتحاد الأفريقي، وإيمان الجميع بالوحدة الطبيعية لحوض نهر النيل والمصير المشترك لجميع شعوبه، وتوقيع اتفاق بخصوص سد النهضة يرضى جميع الأطراف، وعدم إحداث ضرر عابر للحدود فى السودان ومصر، كما تنص المادة رقم 7 من اتفاقية الأمم المتحدة للمياه العابرة للحدود.
د. كمال عودة غُديف
أستاذ المياه بجامعة قناة السويس
رابط دائم: