بينما تستعد نيويورك بحذر لعودة الحياة التدريجية عقب هجمات كورونا التى أسقطت الالاف من قتلى ومصابين بين أحيائها، فإن العودة ستكون ثقيلة على المدينة الملقبة
بـ «التفاحة»، خاصة أن عاشقها وصاحب الشعار الشهير «أنا أحب نيويورك» الذى بات من أيقونات الثقافة الشعبية للمدينة الأمريكية وأحد أشهر أدواتها للترويج السياحى، ميلتون جلاسر، قد غادرها.
جلاسر الذى توفى عن عمر 91 عاما، كان من أبرز فنانى الجرافيك الذين غيروا « مفردات الثقافة البصرية فى أمريكا خلال الستينيات والسبعينيات»، وفقا لما ذكرته صحيفة « نيويورك تايمز» فى تأبينها للفنان الراحل. وقد صدقت الصحيفة الأمريكية فى وصفها، فالرجل أبدع فى استخدام الألوان الصارخة الحية فى تصميم عشرات الملصقات وأغلفة المجلات والكتب، فضلا عن نصيبه من أغلفة الألبومات الغنائية، مثل ما كان من إبداعه فى ملصق « بوب ديلان» عام 1967.
كان للفنان جلاسر لمسة تحديث فريدة لا تشبه أحدا. أقام مع آخرين استديوهات At Push Pin عام 1954، وبدأ فى غزو نيويورك بتصاميم حية ورشيقة وشابة جذبت انتباه قطاعات النشر الإنتاج الفنى. فى تصريح تم نشره ضمن كتاب عن رصد تجربة الاستديوهات الخاصة به، قال جلاسر انه كان « متحمسا بإمكانية أى مكونات بالتاريخ البصرى الإنسانى لتحقيق تأثير جديد».
وأشار الفنان الذى صمم أكثر من 400 ملصق طوال حياته، بات اغلبها من مكونات الثقافة الشعبية الأمريكية، إلى عشقه فكرة استباحة الإلهام، بمعنى أنه لم يتعال على أى عنصر بصرى فى أى ثقافة وكان يتفنن فى مزج العناصر والألوان لإخراج تصور أصلى ذى تأثير قوى. والحقيقة أن تأثير جلاسر، الذى ولد عام 1929، كان حقيقيا وقويا، ففى حالة ملصق « بوب ديلان» الذى خرج للنور عام 1967، وكان غلافا لألبوم « أعظم أعمال بوب ديلان»، تم بيع أكثر من ستة ملايين ملصق حول العالم، وبات من أهم رموز حقبة الستينيات.
أما شعار «أنا أحب نيويورك»، فقد أبدعه جلاسر فى لحظة إلهام خلال ركوبه إحدى سيارات الأجرة، وكان يفترض أن يصبح «رأس الحربة» لحملة ترويج السياحة بالمدينة عام 1977. ولكنه بات أحد رموزها الثقافية على مدار عقود وحتى اليوم. فقد تم استدعاء الشعار بقوة فى أعقاب وقوع هجمات الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، عندما تمت طباعته على آلاف القمصان التى ارتداها مواطنو المدينة لبيان توحدهم ودعمهم مدينتهم التى تعرضت للانتهاك.
كما أن جلاسر أعاد تصميم الشعار وقتها ليصبح « أحب نيويورك أكثر من أى وقت مضى»، مع كدمة سوداء أصابت القلب الأحمر. وتم نشر الشعار الجديد عبر ملصقات أغرقت المدينة وظهر على الصفحات الأولى لصحافتها فى 19 سبتمبر من العام نفسه. أثرى الرجل المكتبة العالمية بمؤلفات مهمة مثل «الفن عمل» و «الرسم عبارة عن تفكير»، وتم إنتاج فيلم وثائقى عام 2008 عن رحلته المميزة.
رابط دائم: