السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق للأهرام :
قبل.. انكماش فى علاقات مصر الخارجية فى مرحلتى الإخوان وأواخر حكم مبارك
بعد.. سياسة متوازنة بين الشرق والغرب وتعاون عربى إفريقى غير مسبوق
كيف كانت سياسة مصر الخارجية قبل وبعد ثورة 30 يونيو 2013 وما الأسلوب الذى انتهجته؟ مدرسة الخارجية المصرية مع تغيرات وتحديات الفترة الحرجة ما بين 25 يناير 2011 وحتى اندلاع ثورة الشعب المصرى على نظام الإخوان؟ ولماذا فشلت محاولات الإخوان لاختراق قلعة الدبلوماسية المصرية؟ دور الدبلوماسية المصرية فى نقل مصر من مرحلة العداء والتشكيك، إلى مرحلة الاعتراف وإعادة اللحمة، بل والشراكة والعلاقات الاستراتيجية المتوازنة مع القوى الإقليمية والعظمى؟
لمعرفة إجابات واضحة على كل هذه التساؤلات، أجرينا لقاء مع السفير محمد جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق.
فى البداية كان السؤال: كيف حاولت جماعة الإخوان اختراق مؤسسة الدبلوماسية المصرية خلال عام حكم «المعزول» مرسي؟ ولماذا كانت هذه المؤسسة عصية عليهم؟

ومع الشيخ محمد بن زايد ولى عهد ابوظبى
يجيب السفير جمال بيومى قائلا: سعى الإخوان لاختراق الدبلوماسية المصرية بطريقة غير مشروعة، بل وبالاحتيال، لأن الدبلوماسية المصرية هى تمثيل مصر وصورتها أمام العالم، ومن المعروف أن كل من يتم تعيينه فى السلك الدبلوماسى عليه الخضوع لاختبارات صعبة للغاية، ومن المعروف أن بعض أبناء الدبلوماسيين لم يوفقوا فى هذه الاختبارات عبر تاريخها، وهذا يعطى الفرصة العادلة لمن يستحق فقط أن يتولى هذا المنصب، لكى يكون ممثلا لمصر بصورة مشرفة ولائقة بمصر وشعبها، ومجموعة أعضاء الدبلوماسية المصرية رغم انتشارها الكبير فى عدد من الدول، لا يتجاوز الـ 900 دبلوماسي، وهم بمثابة أسرة واحدة، فالقديم منهم يعرف الجديد، والصغير يعرف الكبير، وهكذا، ولكن ما حاول الإخوان القيام به هو «التسلل» داخل هذه المنظومة، وكان هذا واضحا، فهذه هى طبيعتهم وعادتهم، وقد فعلوا ذلك أيضا فى النقابات والكليات العملية مثل الطب والهندسة، ومؤسسة القضاء، ولكن فى الخارجية، كانت الطريقة الوحيدة للمعزول «مرسي» أن يعين سفراء، وكان هدفه الأول هو إيجاد سفراء يرضون بقبول هذه المهمة، ولذلك، عزل بعض السفراء من مناصبهم، واتصل بقدامى السفراء لإبلاغهم بإحالتهم إلى المعاش، هذا أولا، وثانياً، حاول أتباعه الاتصال ببعض السفراء لضمهم إلى طابور الإخوان مباشرة، ولم تفلح هذه المحاولة أيضا، لأن الدبلوماسيين المصريين لديهم وعى كبير بما كان يدور فى أذهان هؤلاء الناس، ويدركون ما يبيتون داخل نواياهم، وكل أعضاء الخارجية والدبلوماسية المصرية يدركون تماما المعنى الحقيقى لعملهم، فهم محامون عن بلدهم، وليس لأى منهم أن يعمل بالسياسة أن ينضم لجماعات، أو أحزاب، فقط يدافع عن قضايا بلده.

الرئيس السيسى فى ضيافة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
صورة السياسة الخارجية المصرية قبل ثورة 30 يونيو، وبعدها هل يمكن توضيح الاختلاف بينهما؟
خلال الفترة التى سبقت 30 يونيو، حدث انكماش فى السياسة الخارجية المصرية على فترتين، الأولى فى السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بسبب تعرضه لمحاولة اغتيال فى أديس أبابا ثم تقدمه فى السن، فقد شهدت تلك المرحلة انكماشا فى العلاقات المصرية الإفريقية بدرجة كبيرة، ومع بداية ظهور الإخوان فى 2011، وجهوا أنظارهم إلى تنفيذ سياسات خاصة بهم ليس لها أى صلة بمصر، ولا بأولويات السياسة الخارجية المصرية، فقد بدأوا فى الحديث عن سياسة «إسلامية»، وحدث تقديم للتحالف الإسلامى على القومية العربية، بل وعلى الأمن القومي، ومنهم من كان همه أن تكون انتماءات مصر دينية، ومنهم من كان يهمه تقسيم مصر وتوزيعها وتحويلها إلى إمارة، بعيدا عن اعتبارات الوطنية أو القومية العربية، وهذه السياسات الخاصة أساءت لمصر وأمنها إساءة بالغة، خاصة أنهم تجاهلوا تماما وضع ومكانة مصر واتبعوا سياسة التقسيم والتوزيع والتخريب، وفضلوا مصالحهم على مصلحة الأمن القومى المصري، ولكن، بعد 30 يونيو، حدث اختلاف كبير، وما حدث بالضبط أن مصر بدأت «تحلق فى أجواء العالم» فعليا، من طوكيو فى أقصى الشرق إلى باريس وواشنطن وأمريكا اللاتينية فى أقصى الغرب، وحدثت زيارات متبادلة ومتتالية واتصالات رئاسية مباشرة، واستعاد العديد من السفراء من مختلف دول العالم أنشطتهم رغبة من بلدانهم فى تعزيز العلاقات وتبادل الزيارات, مما كان له دور إيجابى فى لفت أنظار العالم إلى مصر، وفى تنشيط التعاون، بالإضافة طبعا إلى اللقاءات المباشرة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ لحظة توليه الرئاسة مع رؤساء وقادة دول العالم، وساعد ذلك كله على استعادة وضع مصر ومكانتها، وتوجيه أنظار العالم من جديد إلى مصر وموقعها الجغرافى المميز وأهميتها فى منطقة الشرق الأوسط، وكان الرئيس وقتها يحرص على عملية الإسراع والتوسيع فى العلاقات الدولية على المستوى الرئاسي.

الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الرئيس ترامب
وما تقييمك لعلاقات مصر الخارجية مع القوى الكبرى تحديدا قبل وبعد ثورة 30 يونيو ?
حدث تطور جيد، فقد كان الاتحاد السوفييتى هو حليفنا الأساسى فى عهد الرئيسين عبد الناصر وأنور السادات، وبعد حرب 1973، توجهنا إلى أمريكا وأوروبا، وبدأ الاتحاد السوفييتى والكتلة الشرقية فى الانكماش، بعد أن كانت تلك الكتلة تشكل 65% من تجارة مصر الخارجية، وعندما حدث هذا الانكماش خسرت مصر هذه الأسواق، ومع تولى الرئيس السيسى مهام منصبه، وذهابه إلى موسكو والصين، لم يكن هذا معناه ألا نتعامل مع واشنطن وبروكسل، بل العكس صحيح، فالتعامل مع الغرب لا يمنع التعامل مع الشرق ، خصوصا أن أمريكا التى تعد أم الرأسمالية أكبر شريك تجارى لها الصين، أم العالم الشرقي، وبالتالى لا توجد أى حساسية فى التعامل مع أحد الطرفين بنفس القدر من الانفتاح، وبدأت مصر مرة أخرى الوصول إلى أسواق شرق أوروبا، فقد جدد الرئيس علاقاته مع رومانيا والمجر وبولندا، ومع روسيا والصين، فنجحت مصر فى إقامة علاقات مفتوحة مع الجميع، وعلى قدم مساواة، وأصبحت القاهرة واحدة من أكبر عواصم العالم من حيث وجود أكبر عدد من سفارات الدول الأجنبية فيها.
رابط دائم: