رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى كتاب «الغرفة التى شهدت الأحداث.. مذكرات البيت الأبيض» 2
أدار ترامب بيتا أبيض فوضويا مليئا بالمتنافسين تغلب عليه البارانويا

منال لطفى
> سلام فاتر بين ترامب وبولتون

  • نيتانياهو شكك فى قدرة كوشنر على قيادة جهود السلام بالشرق الأوسط
  • ارتبطت السياسة الخارجية بمنظور الداخل الأمريكى وإرضاء قواعد ترامب الشعبية
  • ماكرون اتهم الرئيس الأمريكى ضمناً بالتضحية بالأكراد وإبرام اتفاق غامض مع تركيا
  • لم يثق الرئيس فى أحد سوى زوجته ميلانيا وتتحكم مشاعره الشخصية فى قراراته

لا يختلف كتاب جون بولتون «الغرفة التى شهدت الأحداث.. مذكرات البيت الأبيض» عن غيره من الكتب التى صدرت حتى الآن عن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وتعكس بيتاً أبيض فوضوياً، مليئا بالمتنافسين، تغلب عليه البارانويا، والسكاكين «المشحوذة». فهناك كثير من الطامعين فى المنصب حول ترامب على رأسهم وزير الخارجية مايك بومبيو، وربما حتى زوج ابنة ترامب ومستشاره السياسى جاريد كوشنر. وعزز بارانويا ترامب أن كل من خرجوا من الإدارة، بإرادتهم أو رغماً عنهم، رسموا صورة سيئة جدا عن ترامب وحكمه. فمثلاً بعد كتاب بولتون، تترقب واشنطن مذكرات الجنرال ماكماستر، المستشار السابق للأمن القومى الأمريكى، والذى ستصدر مذكراته خلال أشهر. ولا أحد يتوقع شهادة إيجابية من ماكماستر الذى خرج بعد خلافات مريرة مع ترامب.

الخلافات والصدامات والفوضى التى تسيطر على البيت الأبيض يمكن إرجاعها، بحسب شهادة بولتون، إلى شخصية ترامب وسياساته. فعلى صفحات الكتاب، يردد بولتون كثيرا تعبيرات مثل «أحبه ترامب» أو «كرهه ترامب». فمشاعر الرئيس الشخصية، سواء منطقية أو غير منطقية، حيال المسئولين حوله لعبت دورا كبيرا فى تحديد شكل أداء الإدارة. فهو مثلاً لم يكن يطيق وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون ولا الرئيس السابق لطاقم البيت الأبيض جون كيلى،بحسب شهادة بولتون. ولم يحب وزير الدفاع السابق جيم ماتيس ولا الجنرال ماكماستر ولاحقاً أضاف ترامب بولتون للقائمة.. بعبارة أخرى، لم يكن العاملون فى البيت الأبيض على ثقة من موقعهم على رادار الرئيس، وهو ما جعل عملهم أكثر صعوبة إضافة إلى ميل ترامب للوقيعة بينهم.

ووفقا لبولتون، كان ترامب يحب تحريض الموظفين ضد بعضهم البعض. فمثلا حاول الوقيعة بين ريكس تيلرسون وسفيرة أمريكا السابقة فى الأمم المتحدة نيكى هايلى (وكلاهما مسئول عن ملفات متداخلة تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية). ويذكر بولتون أن ترامب قال له إن تيلرسون استخدم وصفا غير لائق لوصف هايلى. لكن بولتون لم يصدق الرواية، وشكك فى أن يستخدم تيلرسون تلك اللغة ضد هايلى أو أن يستخدمها علانية أمامها أو أمام الرئيس لأنه «تجاوز» يستوجب الطرد. وكانت تساؤلات بولتون هى لماذا حكى له ترامب الحكاية؟ ويخلص بولتون فى كتابه إلى أن ترامب كان يكذب بانتظام وباستمرار.

ذلك المزاج التحريضى أدى إلى علاقات متوترة بين العاملين فى الإدارة، مثل توتر علاقة هايلى مع نائب الرئيس مايك بنس، الذى كانت لديه شكوك فى أنها تضع عينها على منصبه. وتوتر فى علاقات ماتيس مع كل من بولتون وبومبيو. وبسبب هذه الأجواء، غادر أكثر من 350 شخصا الإدارة حتى الآن من الوزراء والمستشارين والمساعدين.

ويقدم بولتون صورة قاتمة عن ترامب بوصفه شخصا قابلا للتملق من قبل قادة على المسرح الدولى يتلاعبون به، متهور فى قراراته، فهو كان على وشك إصدار قرار بانسحاب أمريكا من حلف شمال الأطلنطي(ناتو) بسبب تراشقات مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. أيضا يصور بولتون ترامب كشخص لاذع اللسان ومتقلب، لا يتورع كبار مستشاريه عن السخرية منه خلف ظهره. فخلال اجتماع لترامب عام 2018 مع زعيم كوريا الشمالية، انتقد وزير الخارجية مايك بومبيو ترامب ووصفه بأنه «مليء بالهراء». وفى الكتاب أيضاً، يظهر ترامب كرئيس يجهل حتى الحقائق الأساسية حول العالم، فعلى سبيل المثال لا يعلم ما إذا كانت بريطانيا قوة نووية أم لا، وسأل عما إذا كانت فنلندا جزءًا من روسيا كما يكتب بولتون.

وإلى جانب المشاعر الشخصية حيال طاقم العاملين معه، اعتبر بولتون العمل مع ترامب صعبا. فالإفادات والإحاطات السرية بين المخابرات والرئيس «كانت مضيعة للوقت حيث كان يقضى مسئولو المخابرات معظم الوقت فى الاستماع إلى ترامب، بدلاً من أن يستمع هو للإحاطات الاستخباراتية اليومية».

وبوصفه مستشاراً للأمن القومى الأمريكى، كان يتولى بولتون أكثر الملفات اشتعالاً فى العالم. وعندما استقال بولتون، أو أقيل بحسب رواية ترامب، لم يكن راضياً عن حصاد الإدارة على المسرح الدولى.

ويوضح بولتون السبب الذى يراه جوهرياً وراء ذلك الإخفاق وهو أن «كل قرار سياسى خارجى كان ترامب يتخذه من منظور الداخل الأمريكي»، بمعنى تأثيره على شعبية الرئيس وسط قواعده الانتخابية.

فعلى النقيض من بولتون الذى أراد استخدام القوة العسكرية ضد إيران والتدخل بشكل أكبر فى سوريا ومواجهة روسيا فى أوكرانيا، كان شاغل ترامب هو سحب القوات الأمريكية من العراق وسوريا وأفغانستان قبل موعد الانتخابات الأمريكية 2020 كى يستطيع أن يقول لقواعده الشعبية: إنه «الرئيس الذى أعاد القوات الأمريكية للبلاد». وكانت القشة التى قصمت ظهر بولتون كما يقول هى خطط ترامب للانسحاب من أفغانستان ودعوة قادة طالبان إلى منتجع كامب ديفيد. وعلى مستويات عدة، رأى بولتون أن خطط دعوة قادة طالبان لقمة مع ترامب أسوأ قرار ممكن. ويوضح بولتون «ترامب ليست لديه فلسفة شاملة للحكم أو إستراتيجية للسياسة الخارجية بل سلسلة من الغرائز التى تحركها المشاعر»، وقد اتفق بولتون مع بعضها، واختلف مع أغلبها لأنها برأيه خطيرة ومتهورة.

كل شيء يلمسه ماكرون يتحول لهراء.

وغنى عن القول أن علاقات ترامب مع كثير من الزعماء الأوروبيين كانت فاترة. فالرئيس الأمريكى استعدى أوروبا حتى قبل أن يُنتخب بتشكيكه فى حلف شمال الأطلنطى والافصاح عن عدائه للاتحاد الأوروبى. وساءت العلاقات لاحقاً أكثر بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووى الإيرانى، وانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا وإعطاء تركيا الضوء الأخضر للتوغل فى الشمال السورى. ويسرد بولتون فى مذكراته الجهود المحمومة التى قام بها قادة أوروبيون لإثناء ترامب عن الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران، على رأسهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماى.

> شهر العسل لم يدم طويلا بين الرئيس الأمريكى ونظيره الفرنسى

وتبدو علاقة ماكرون وترامب بالذات الأكثر إثارة للتأمل فى الكتاب. فالتنافر بين ميركل وماى من ناحية وترامب من ناحية أخرى، كان واضحا للعيان منذ اللحظة الأولى. وبالتالى عولت القارة العجوز على الرئيس الفرنسى الشاب كى يكون الجسر بين أوروبا ومصالحها ورؤيتها للعالم وبين رئيس أمريكى جديد متقلب ومزاجى، تحكمه اعتبارات المصالح لا القيم المشتركة. وخلال الأشهر الأولى من ولاية ترامب، بدا ماكرون فعلاً أقرب زعيم أوروبى له. لكن شهر العسل لم يدم طويلاً، فالانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى كان ضربة قوية، لكن الضربة القاصمة فى علاقاتهما الشخصية كانت عندما انتقد ماكرون علانية وبلغة ساخرة أمام عدسات التليفزيون قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا وإعطاء تركيا الضوء الأخضر لدخول مناطق الأكراد وملاحقاتهم.

واتهم ماكرون ضمناً ترامب بالتضحية بالأكراد وإلقائهم «تحت الحافلة» فى اتفاق غامض مع تركيا، لم يُستشر فيه حلفاء أمريكا الأوروبيون، قائلاً: «الحليف يجب أن يكون محل ثقة». ثم امتدح ماكرون وزير الدفاع جيم ماتيس بسبب استقالته، قائلاً:«أود أن أعبر عن تقديرى للجنرال ماتيس... لقد رأينا خلال عام أنه كان شريكا موثوقا».

منذ تلك اللحظة انفكت أواصر العلاقة بين ماكرون وترامب، ولم يعد الرئيس الأمريكى يخفى تشفيه فى نظيره الفرنسى كلما تعرض لأزمة داخلية على غرار مظاهرات «السترات الصفراء» التى غرد ترامب داعماً لها.

فعندما وصف ماكرون حلف الناتو فى ديسمبر 2019 فى الذكرى الـ70 لتأسيسه بأنه «ميت دماغياً» ويحتاج إلى إعادة تعريف للمخاطر والأولويات، وصف ترامب تصريح ماكرون بأنه «تصريح مقرف جدا». وتابع:» أعتقد أن لديهم فى فرنسا نسبة بطالة عالية. والبلد يعانى اقتصاديا أيضا. وهذا تصريح قوى جدا ومن غير المعقول أن تطلق التصريحات هكذا عن الناتو، هذه إساءة كبيرة... إننى أنظر إليه (ماكرون) وأقول إنه بحاجة إلى حماية أكثر من غيره».

ويذكر بولتون فى كتابه «الغرفة التى شهدت الأحداث...مذكرات البيت الأبيض» أن ترامب يعتقد أن «كل شيء يلامسه الرئيس الفرنسى يتحول إلى هراء».

 إحباطات بريطانية

وعلى غرار ماكرون، كانت علاقة تيريزا ماى مع ترامب صعبة. وكان التنافر بينهما «متبادلا ومنذ اللحظة الأولي». فترامب، ربما بسبب قربه من معسكر أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، كان تقييمه لتيريزا ماى وإدارتها لملف البريكست «كارثياً». ولم يكترث كثيراً بالتحضير قبل لقاءات القمة بينهما، ويتذكر بولتون أنه فى أحد اللقاءات سأل ترامب ماى بكل أريحية ما إذا كانت بريطانيا دولة نووية. ووسط ذهولها أكدت له ماى الأمر.

 كما ضغط ترامب وإدارته بشدة على حكومة ماى لوقف التعاون مع شركة «هاواوى» الصينية لتطوير شبكة الاتصالات الفائقة السرعة فى بريطانيا، وضغط عليها أيضاً لدعمه فى موقفه من إيران وحلف الناتو.

لكن آراء ترامب فى خليفتها، رئيس الوزراء بوريس جونسون كانت أفضل. ووفقًا لبولتون يعتبر ترامب جونسون «شريكا وثيقا» على قدم المساواة مع رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى. لكن التقارب فى الشخصيات لا يعنى بالضرورة تقاربا فى السياسات. ففى الكتاب يتحدث بولتون عن «إحباطات بريطانية» فيما يتعلق بموقف ترامب حيال الصين. فالحكومة البريطانية طلبت من واشنطن دعماً أكبر فيما يتعلق بالضغط على بكين لعدم تطبيق سياسات مركزية على هونج كونج، المستعمرة البريطانية السابقة، وإدانة الانتهاكات فى ميدان «تيان ان مين» فى الذكرى الـ 30 للأحداث.  لكن ترامب رفض.

وفى فقرات من الكتاب تكشف عن الطبيعة الهشة لعلاقات بريطانيا مع إدارة ترامب، كتب بولتون أن ترامب قال: إن أحداث ميدان «تيان ان مين» كانت منذ عقود وهو لا يرغب فى تعريض صفقة تجارية محتملة مع بكين للخطر. ويكشف بولتون: أنه خلال زيارة ترامب إلى بريطانيا فى 4 يونيو 2019، الذكرى الثلاثين لأحداث ميدان «تيان ان مين»، رفض ترامب إصدار بيان حول الذكرى. وكتب بولتون أن ترامب ووزير الخزانة ستيف منوشين كانا يتباحثان حول القلق من آثار مسودة البيان على المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين وسط أفكار لتخفيف لغة البيان، لكن ترامب حسم أمره وقال إنه لا يريد أى بيان على الإطلاق، وهو ما حدث. وتابع ترامب:«من يهتم بذلك؟ أحاول عقد صفقة». كما رفض ترامب مساعى بولتون بدء حملة على وسائل التواصل الاجتماعى منتصف 2019 لدعم المظاهرات المؤيدة للديمقراطية فى هونج كونج. ويكتب بولتون أن ترامب قال له: «لا أريد التورط... لدينا مشاكل حقوق إنسان أيضاً».

 قمح وفول صويا من أجل إعادة انتخاب ترامب

ويضيف بولتون أيضاً ادعاءً جديدًا لافتًا بالقول إن ترامب ربط بشكل علنى المفاوضات التجارية مع الصين بمصالحه السياسية من خلال مطالبة الرئيس الصينى شى جين بينج بشراء كثير من المنتجات الزراعية الأمريكية لمساعدته على الفوز فى انتخابات هذا العام. ويكتب بولتون أن ترامب خلط بين العام والخاص خلال اجتماعه مع الرئيس شى على هامش اجتماع قمة مجموعة العشرين فى أوساكا فى اليابان الصيف الماضى. ووفقًا للكتاب، أخبر الرئيس الصينى ترامب بأن شخصيات سياسية أمريكية، لم يحددها الرئيس شى «تحاول إشعال حرب باردة جديدة مع الصين». ويوضح بولتون: «افترض ترامب على الفور أن شى يتحدث عن الديمقراطيين. ورد ترامب باستحسان إن هناك عداء كبيرا للصين بين الديمقراطيين. ثم قام، بشكل مذهل، بتحويل المحادثة إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ملمحًا إلى القدرة الاقتصادية للصين للتأثير على الانتخابات، وتوسل إلى تشى لضمان فوزه بولاية ثانية، مشدداً على أهمية المزارعين الأمريكيين، وزيادة المشتريات الصينية من فول الصويا والقمح، فى التأثير على نتائج الانتخابات».

وفى نقاش كاشف آخر بين ترامب والرئيس الصينى، ظهر ترامب داعماً لفكرة إلغاء الحدود الرئاسية فى أمريكا. وكتب بولتون: «قال الرئيس تشى إنه يريد العمل مع ترامب لمدة ست سنوات أخرى، ورد ترامب بأن الناس يقولون إنه يجب إلغاء الحد الدستورى المكون من فترتين من أجله. ورد تشى إن الولايات المتحدة لديها الكثير من الانتخابات، وأنه لا يريد الابتعاد عن ترامب، الذى أومأ برأسه بالموافقة.»

كما يتطرق بولتون فى كتابه إلى شكوك رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو فى قدرة جاريد كوشنر على قيادة جهود السلام فى الشرق الأوسط.

فقد التقى بولتون، قبل أن يتم تعيينه فى منصب مستشار الأمن القومى الأمريكى، مع نيتانياهو الذى أعرب له عن حيرته إزاء تعيين كوشنر مسئولا عن جهود السلام فى الشرق الأوسط. ويوضح بولتون: «كانت لدى نيتانياهو شكوك حول إسناد مهمة إنهاء الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى إلى كوشنر، الذى عرف نيتانياهو عائلته لسنوات عديدة...لكن نيتانياهو، كان دبلوماسياً بما فيه الكفاية لعدم معارضة الفكرة علناً. ولكن مثل معظم العالم تساءل: لماذا يعتقد كوشنر أنه سينجح حيث فشل أمثال كيسنجر؟».

ميلانيا القوية خلف الستار

وفى البيت الأبيض، شعر ترامب إجمالاً بأنه محاط بأشخاص يتنافسون باستمرار على المناصب ويركزون على مصالحهم الذاتية. ووسط عدم الثقة والفوضى والتنافس، لم يكن لدى ترامب الكثير من المستشارين الذى يمكن الثقة بهم. ولهذا ثمن ترامب لزوجته ميلانيا أنها لم تكن تسعى للدعاية، وأنها لا تتباهى بنفوذها. وزاد تقديره لولاء ميلانيا وتقييمها للأمور أكثر بعد دخوله معترك السياسة. وهذه الصورة تتلاقى مع الصورة التى رسمها كتاب «»فن صفقتها: القصة غير المروية لميلانيا ترامب» الصادر حول ميلانيا مطلع هذا الشهر. ففى نظر ترامب كل شخص آخر لديه أجندة، باستثناء ميلانيا. فهو يعتقد أنه ليست لديها أى دوافع خفية سوى رؤيته ينجح.

وكانت الديناميكية بين ترامب وميلانيا كالتالي: «ميلانيا خلف الكواليس لكنها مؤثرة بشكل لا يصدق. إنها لا تتدخل وتقول: وظف هذا الشخص واطرد هذا الشخص. لكنها توضح للرئيس رأيها، وهو يأخذ وجهات نظرها على محمل الجد. وبدلاً من إخبار ترامب بما يجب فعله أو عدم فعله، فإن أسلوب ميلانيا هو إبداء رأيها، وفى النهاية يميل الرئيس إلى الاتفاق معها. وفى كثير من الأحيان، إذا كانت ميلانيا حاضرة نقاش وتحدثت، يقول ترامب: إنها على حق، وتكون هذه نهاية المناقشة».

وبمرور الوقت، أصبح من الواضح لأولئك الذين يعملون فى الجناح الغربى أن ترامب يعطى قيمة كبيرة لمن تحبهم ميلانيا (مثل مستشارته كيليان كونواي) والذين لا تحبهم (بما فى ذلك رئيسيا موظفى البيت الأبيض السابقان رينس بريبوس وجون كيلي). أصبح من الواضح أيضاً  أن أكثر المواقع خطورة أن تجد نفسك على مرمى نيران ميلانيا. وكما قال أحد المسئولين السابقين فى البيت الأبيض: «من يقومون بإغضاب ميلانيا يدفعون الثمن. والثمن هو رأسك. أنا لا أمزح... اعتبر نفسك منتهيا إذا لم ترض عنك».

 أكثر العقلاء فى الغرفة

وعلى عكس مساعى بولتون لتصوير نفسه على أنه يقف على أرضية أخلاقية، فقد أثار الكتاب تساؤلات جديدة حول بولتون نفسه. فالمستشار السابق للأمن القومى الأمريكى عدد الحالات التى حاول فيها ترامب قتل تحقيقات جنائية لتحقيق مصالح سياسية وذلك مثل محاولته قتل التحقيقات ضد «بنك هالك» التركى وهى المحاولات التى وصفها بولتون بأنه «نمط يشبه عرقلة العدالة كطريقة حياة، وهو ما لا يمكننا قبوله»، مضيفًا أنه أبلغ مخاوفه إلى النائب العام وليام بار.

كما كشف بولتون عن قصة قيام ترامب بتحفيز الرئيس الصينى على دعمه للفوز بولاية ثانية فى نوفمبر 2020 عبر شراء الصين لفول صويا وقمح من المزارعين الأمريكيين بوصفهم «لوبى مهم» فى الانتخابات. وضغوط ترامب على نظيره الأوكرانى للتحقيق ضد منافسه الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية جو بايدن، وربط ترامب بين فتح تحقيقات ضد بايدن وإبنه وبين منح أوكرانيا مساعدات أمنية. ويكتب بولتون فى كتابه: «لا يجوز للرئيس أن يسيء استخدام السلطات الشرعية للحكومة من خلال تحديد مصلحته الشخصية على أنها مرادفة للمصلحة الوطنية، أو من خلال اختراع الذرائع لإخفاء السعى وراء المصلحة الشخصية تحت ستار المصلحة الوطنية». ويضيف: «لو لم يركز مجلس النواب فقط على المسألة الأوكرانية وخلط ترامب بين المصلحة الشخصية والمصلحة الوطنية، لكانت هناك فرصة أكبر لإقناع الآخرين بارتكابه جرائم ومخالفات».

لكن منتقدى بولتون، وهم كثر، يقولون: إن بولتون ينسى أنه لم يوافق على الإدلاء بشهادته خلال تحقيق مجلس النواب فى الخريف الماضى حول سوء استخدام ترامب لسلطاته. كما يشيرون إلى أن بولتون لم ينشر شهادته كاملة إلا فى كتاب أخذ عليه 2 مليون دولار، بينما كان من الأحرى أن يتحدث علانية حيال مخاوفه خلال التحقيقات ضد ترامب، الذى أفلت من توجيه اتهامات له.

كما يحاول بولتون فى الكتاب تقديم نفسه بوصفه «أكثر العقلاء فى الغرفة». لكن قدرته الإقناعية ضئيلة جداً. فالمستشار السابق للأمن القومى الأمريكى يأتى وفى جعبته ميراث طويل من السياسات والمواقف المتشددة، خاصة حيال قضايا الشرق الأوسط. وكثير من المعلقين اعتبروا أن على العالم أن «يتنفس الصعداء» لأن ترامب لم يدعم كثيرا من سياسات مستشاره للأمن القومى. فلو كان ترامب دعم أفكار بولتون لكانت هناك حرب مع إيران وتصعيد غير محسوب العواقب مع روسيا. ورغم محاولاته إضفاء طابع سياسى رصين على نفسه، يبدو بولتون فى كتابه كأحد صقور الحرب المخضرمين، غاضباً بسبب فشل إدارة ترامب فى تلبية توقعاته بشأن سياسات خارجية متشددة. وبحسب كثيرين، ينتمى بولتون لذلك التيار اليمينى المتشدد فى السياسة الأمريكية الذى ما زال يرى أمريكا بوصفها القوة العظمى الوحيدة فى العالم، وهو مهووس بفكرة فرض المصالح الأمريكية عبر الاستخدام المفرط للقوة. لكن العالم تغير ويتغير، ومثل هذه التصورات تهدد العالم أكثر. وإذا كان ترامب وحده مصدرا للاضطراب على المسرح الدولى، فإنه وإلى جانبه بولتون كانا يمكن أن يكونا مصدراً لما هو أسوأ. وبالتالى، فإن لا أحد يتحسر على غياب بولتون خاصة بعد تلك المذكرات.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق