رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الاتحاد الأوروبى ذو الوجهين

هند السيد هانى

تقف العواصم الأوروبية عاجزة عن تقديم إجابات مقنعة أمام الشكوك والتساؤلات حول موقفها من السلوك التركى «العربيد» فى منطقة المتوسط.

فخلال الشهور القليلة الماضية، تمكنت أنقرة من غزو أراضى شمال سوريا ثم بسط هيمنتها على المياه القبرصية وإرسال سفنها للتنقيب عن الغاز والبترول فيها، وما لبثت أن وضعت قدمها على الأراضى الليبية لمد نفوذها العسكرى والسياسى والاقتصادى على ساحل المتوسط.

ظلت تركيا تأخذ الخطوة تلو الأخرى وكأنها تتحرك فى فراغ، بينما صرف الاتحاد الأوروبى أنظار العالم بعقد مؤتمر برلين فى يناير الماضى حيث تعهد مسئولو 11 دولة باحترام حظر السلاح الذى فرضته الأمم المتحدة على ليبيا عام 2011. وباستثناء بعض التصريحات الأوروبية الصادرة من هنا وهناك، والتى تم استهلاكها إعلاميا، لم تحرك جيوش الاتحاد الأوروبى ساكنا فى البحر المتوسط. وتحول حظر السلاح على ليبيا إلى «مزحة» حسب وصف ستيفانى وليامز نائبة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا فى فبراير الماضى. ولم تكن الأزمة الليبية الراهنة هى الاختبار الوحيد للموقف الأوروبى، وإنما محطة مهمة وسط سلسلة أحداث بدأت مع التوغل التركى فى مناطق شمال سوريا فى أكتوبر الماضى. فقد أحجم قادة الاتحاد عن توقيع حظر جماعى على صادرات السلاح إلى تركيا، والذى من شأنه أن يكون ملزما قانونيا لدولهم، وكان سيضع تركيا فى خانة واحدة مع روسيا وفنزويلا اللتين يعتبرهما الاتحاد بلدانا «عدائية». وفضلت 9 دول أوروبية اتخاذ مواقف فردية تراوحت ما بين «وقف» و «الحد من» أو «الامتناع عن إبرام عقود جديدة» لإمدادات السلاح إلى تركيا. وقلل الخبراء من تأثير ذلك على تسليح الجيش التركى. ولم يتطرق الموقف الأوروبى إلى التبادل التجارى بين الطرفين الذى بلغ حجمه 138 مليار يورو عام 2018. الغموض الأوروبى امتد أيضا لما يجرى فى المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص، وحقوق التنقيب عن الغاز والبترول فى شرق المتوسط. ففى 2018، قامت قوات البحرية التركية بمنع سفن تابعة لشركة «اينى» الإيطالية من التنقيب عن الغاز قرب السواحل القبرصية.

وكثفت تركيا من جهود التنقيب عن الغاز حول السواحل القبرصية- التى يقدر حجم  الغاز بها إلى 227 مليار متر مكعب- منذ الصيف الماضى مدعية أن هذه الأنشطة تتم فى جرفها القارى. كما تستعد لبدء التنقيب فى منطقة الجرف القارى اليونانى مع حلول شهر سبتمبر المقبل. وهو ما يمثل صفعة للقانون الدولى، كما يضرب بعرض الحائط اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام  1982 التى تنظم تقاسم المناطق الاقتصادية الخالصة فى البحار (بحد أقصى 200 ميل من خط الأساس لأراضى الدولة المشاطئة). وهو القانون الذى لم توقع عليه أنقرة وترفض أن يكون لقبرص حق سوى فى المياه الواقعة على مسافة 12 ميلا فقط من سواحلها بدعوى أنها جزيرة.

وكما يقول المثل «تمخض الجبل فولد فأرا»، انتهت التحذيرات الأوروبية لتركيا فى هذا الصدد إلى فرض حظر سفر وتجميد أصول على اثنين من المسئولين الأتراك – ليسا رفيعى المستوى- فى شركة البترول التركية «تباو» فى فبراير الماضى. ويؤكد المراقبون أن هذه العقوبات لا تمس الشركات التركية العاملة فى قطاع المحروقات بسوء وأن دول أوروبا لم تظهر رغبة واضحة فى الضغط على أنقرة. ونقلت شبكة «المونيتور» الاخبارية عن فيونا مولن مدير مركز «كونسالتنسى سابينتا ايكونوميكس» بالعاصمة القبرصية نيقوسيا -فى مايو الماضى-أن قبرص تفكر فى تدويل مشكلتها بسبب إحباطها من رد فعل الاتحاد الأوروبى، وتحاول إيجاد تحالف أوسع يواجه أنقرة فى المنطقة. ولاتزال اليونان تبحث عن خياراتها أمام الاعتداءات المتوقعة لتركيا على حقوقها السيادية، قبالة سواحل جزر رودس وكارباثوس وكريت، غير مستبعدة الخيار العسكرى.

وإذا كانت تركيا وسيطا أساسيا فى تمرير الغاز الطبيعى إلى القارة العجوز، وهناك اتفاقية أبرمها الطرفان عام 2016 للتعامل مع أزمة اللاجئين، فإن هذه ليست مبررات كافية للتخاذل الأوروبى أمام التغييرات الجيوسياسية التى تجريها أنقرة على الأرض فى المتوسط.

ودون البحث عن إجابة، فإن التاريخ ليس ببعيد عندما غض الاتحاد الأوروبى والعالم طرفه حين فتحت تركيا أراضيها لتدريب وتسليح عشرات الآلاف من الإرهابيين المتدفقين من أوروبا والعالم - فى وضح النهار- إلى صفوف داعش وجبهة النصرة فى سوريا، حتى أطلق عليها الإرهابيون «بوابة الجهاد». فهل سنرى صفقة قريبا بين الاتحاد وتركيا لتقاسم «غنائم» المتوسط؟!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق