رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«‎التعليم الرقمى» فى بريطانيا.. إنجازات وتحديات

‎دينا عمارة
برامج الدردشة الإلكترونية ساعدت طلاب بريطانيا على مواصلة دروسهم أثناء الاغلاق

‎هل يمكن لهذا الوباء أن يكون سببا فى تغيير منظومة التعليم بالعالم إلى الأفضل؟ دعونا أولا نرجع إلى الوراء قليلا ونلقى نظرة سريعة على تطور هذا النظام، فعلى مر التاريخ كان هذا القطاع محافظا ومقاوما للتغيير، ولعدة قرون ظلت الكتابة على الأحجار هى كل ما يملكه المعلمون من أدوات، ثم جاء عصر استخدام السبورة والطباشير، الذى اعتمد عليه قطاع التعليم فى مختلف دول العالم لفترات زمنية طويلة، والآن مع التطور التكنولوجى الهائل أصبح الطلاب على بعد نقرة واحدة فقط من المعرفة الواسعة التى تغنى بكثير عن أى معلم فردى . ‎لقد منح فيروس كورونا المدارس والجامعات البوابة المثالية للدخول إلى عالم التكنولوجيا سريعا، من خلال منصات مثل «زووم» و «مايكروسوفت تيمز»، التى حولت شاشات الكمبيوتر المحمولة إلى فصول دراسية، حيث يرى الطلاب والمعلمون بعضهم البعض ومكنهم بسهولة من الاندماج فى التعلم التعاونى عبر الإنترنت

 

‎ولم تكن المملكة المتحدة بعيدة عن هذا التطور، فبعد بدء الإغلاق، أطلقت وزارة التعليم الجامعى مدرسة جديدة على الإنترنت، هي أكاديمية «أوك» الوطنية، التى مكنت الطلاب من سهولة الوصول إلى محتوى تعليمى سريع لأكثر من مليونى محاضرة مقدمة من قبل الأساتذة بجميع أنحاء البلاد فى أسبوعها الأول فقط. يبدو أن الضرورة هى حقا أم الاختراع!

‎قبل الوباء، كان الطلاب يشكون من ضيق الوقت مع المعلمين، واليوم بفضل استخدام برنامج «زووم» الشهير، استطاع الأساتذة إجراء المناقشات مع أكثر من 10 أو 12 طالبا وبشكل متكرر، ففى جامعة كامبريدج على سبيل المثال، لن يجلس الطلاب الذين يدرسون العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية فى قاعة كبيرة للامتحانات لمدة ثلاث ساعات بعد الآن، وبدلا من ذلك سيتم تقييم مستواهم بنسبة ثلث درجاتهم بناء على عملهم على مدى السنوات الثلاث السابقة، وثلثين على المقالات المكتوبة بالمنزل فى امتحان «كتاب مفتوح» مدته ثلاث ساعات، وهذا أمر مرحب به لأن الكتابة على جهاز الكمبيوتر أسرع وأكثر قابلية للقراءة.

‎قد يغير «التعليم الرقمى» الجامعات البريطانية بشكل كبير، وهناك الكثير من المنافع التى يمكن أن يستفيد منها الطلاب من خلال الدراسة عن طريق الإنترنت، ليس فى بريطانيا وحدها، بل فى جميع أنحاء العالم، إذ يساعد ذلك الأشخاص ذوى الدخول المنخفضة ممن لا يستطيعون تدبير مصاريف الجامعات، على تلقى التعليم عن طريق الإنترنت، ويحدث هذا بالفعل فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت جامعة جنوب نيو هامبشاير الشهر الماضى، أنها استخدمت التعلم عبر الإنترنت لتمكينها من خفض الرسوم الدراسية بنسبة 61٪, كما سلط البحث الذى أجرته

‎إحدى المؤسسات الخيرية التعليمية فى المملكة المتحدة، التى تهدف إلى معالجة العيوب التعليمية، الضوء على أن عدد الطلاب الذين يختارون البقاء فى المنزل أثناء دراستهم بهدف توفير المال، قد زاد إلى حد كبير.

‎وللتعليم الرقمى فوائد أخرى كثيرة، فهو يتيح للطلاب إنشاء وسائط متعددة عالية الجودة عبر الإنترنت، بجانب تسجيل المحاضرات بجودة عالية وإعادة استخدامها فى وقت لاحق، وهو ما يوفر المزيد من الوقت بالنسبة للأساتذة للتفاعل مع الطلاب، وبالتالى يحسن من جودة التعليم بشكل عام.

و‎تتوقع فيجاى جوفينداراجان، أستاذة ابتكار الأعمال فى كلية دارتموث بالولايات المتحدة، الاعتماد على «التعليم الرقمى» فى الفترة المقبلة بشكل أساسى فهو يعكس تحولا كبيرا فى سياسة المملكة المتحدة بعيدا عن نموذج «المدارس الداخلية».

‎ويبدو أن هذا التحول سيستمر فترة طويلة، أو على الأقل حتى ظهور لقاح فعال لكوفيد19، ويثير هذا الموقف تساؤلات عديدة ويضع بعض العوائق والتحديات أمام بعض المؤسسات التعليمية والطلاب على حد سواء. فقد كشف تقرير لصحيفة «الجارديان» البريطانية، عن تحذيرات بعض الخبراء من أنه لا ينبغى النظر إلى «التعليم الرقمى» على أنه الحل السريع للوباء، حيث تقول أليسون ليتل جون، الأستاذة فى جامعة لندن، إن الدورات التدريبية عالية الجودة عبر الإنترنت تستغرق وقتا وجهدا كبيرين، ومن الأهمية بمكان أن تكون هذه التجربة مدروسة بشكل صحيح.

‎وأضافت أن التعليم عبر الإنترنت يعمل بشكل أفضل فى بعض المجالات الأكاديمية من غيرها، إذ يمكن استنساخ بعض المحاضرات جزئيا، ولكن ماذا عن المواد التى تحتاج إلى العمل فى المختبر مثلا؟ هل يمكن للإنترنت أن يحاكى ذلك؟

‎يتفق العديد من الطلاب مع هذا الرأى، مشيرين إلى أن التعلم عن بُعد لا يضاهى متعة تجربة التعبير ومناقشة الأفكار فى الفضاء المادى، فمن وجهة نظرهم تعد قيمة الجامعة أعمق من الدورات الدراسية والمؤهلات، حيث وجد البحث الذى أجرته الجامعات فى المملكة المتحدة، أن ما يقرب من 60٪ من الطلاب والخريجين الجدد شعروا بأن العنصر الاجتماعى لتجربة الحرم الجامعى ساعدهم على توسيع آفاقهم فى الحياة، وأصبحوا أكثر استقلالية ، كما طور ذلك من مهاراتهم فى العمل الجماعى وإدارة الوقت، وقد وجد معظمهم صعوبة كبيرة فى التفاعل مع المحتوى والمعلمين عبر الإنترنت، خاصة فى ظل خدمات الإنترنت السيئة، حيث التشويش فى مكالمات الفيديو والتأخيرات الصوتية المحرجة، التى تجعل من الصعب التحدث فى الوقت المناسب، ثم ماذا عن الطلاب الأقل دخلا الذين لا تتوافر لديهم أجهزة كمبيوتر محمولة ولا يستطيعون الوصول إلى شبكة الإنترنت؟

‎يمكن أن يكون التغيير الثقافى أيضا أحد العوائق أمام «التعليم الرقمى» الجامعى، فعندما أجرت صحيفة «تايمز» فى عام 2018 مسحا على 200 شخص من قادة الجامعات، اتفقوا جميعا على أن التعلم عبر الإنترنت لا يمكن أن يحل محل التجربة الجامعية المادية التى تعطى تواصلا غنيا، وتمنح المزيد من الطاقة والتجربة من جميع المعنيين، وهو ما تؤكده جوفانا كارانوفيتش، الباحثة فى المنصات الرقمية فى احدى جامعات هولندا، حيث تقول إن التعليم الرقمى قد ينتج عنه اقتصاد هش لربط الطلاب والمعلمين، فالمشهد التعليمى التنافسى المجزأ يمكن أن يؤدى إلى فقدان الخبرة الأكاديمية وانخفاض معايير التدريس، لذلك قد تحتاج الجامعات إلى الاستثمار فى التدريب المناسب للموظفين.

‎من ناحية أخرى، تواجه الجامعات مشاكلها النقدية الخاصة بها بسبب الانخفاض المتوقع فى عدد الطلاب الملتحقين بها خاصة الأجانب، والذين هم مصدر دخل تحتاجه الجامعات لدعم العمل الحيوى، فقد كشف التقرير عن نحو 20% من الطلاب يعيدون النظر فى خططهم للالتحاق بالجامعة فى الخريف المقبل، تزامنا مع تحذيرات خبراء الصحة من وصول موجة ثانية من الوباء، وهو نقص محتمل يبلغ نحو 120 ألف طالب، حسبما أفادت خدمة القبول بالجامعات، بينما ينتظر البعض الآخر بداية العام الدراسى لمعرفة ما إذا كانت الدورات سيتم تدريسها عن طريق الإنترنت أو فى الحرم الجامعى، أو مزيج من كليهما، وما إذا كان سيتوافر لهم سكن طلابى، والذى قد يكون محدودا بسبب إجراءات التباعد الاجتماعى، ببساطة يحتاج الطلاب إلى معرفة «ما سيحصلون عليه» فى المقابل ‎فان إجراءات الاستقرار تلك هى اعتراف بالدور المهم الذى ستلعبه الجامعات فى «انتعاش الاقتصاد والمجتمعات» عقب الوباء و«العاصفة المالية الشديدة» التى أحدثها، ففى الشهر الماضى، طلبت جامعة المملكة المتحدة تخصيص مليارى جنيه استرلينى على الأقل لتمويل الطوارئ، مشيرة إلى أنه بخلاف ذلك يمكن أن تنهار بعض المؤسسات، كما تم إعلان تدابير أخرى لتحقيق الاستقرار المالى فى الجامعات، من بينها تقديم 2.6 مليار جنيه استرلينى من دخل الرسوم الدراسية و100 مليون جنيه لتمويل البحث، وستكون الجامعات قادرة على الوصول إلى دعم الخزانة للشركات التى تضررت بسبب الفيروس التاجى، وذلك بقيمة 700 ‎مليون جنيه استرلينى. 

‎أحد السيناريوهات التى يتم أخذها فى الاعتبار الآن هو المزج بين تقديم جميع الدورات داخل الفصل وعلى الإنترنت على حد سواء، فربما تقدم المحاضرات عن طريق الفيديو ويذهب الطلاب إلى الحرم الجامعى فقط للتفاعل الجماعى الصغير، أو ربما يجب أن يكون كل شىء متصلا بالإنترنت لفترة على الأقل مع بقاء الطلاب فى المنزل كما يحدث الآن بالفعل.

‎بينما تفكر جامعات أخرى فى تأجيل بدء الفصل الدراسى لحين استقرار الأوضاع الصحية فى البلاد.

‎فى النهاية لابد أن تضع الحكومة البريطانية حدا لمثل هذا التخبط، وأن يكون لديها إجابات حاسمة على الأسئلة التى تحير الجميع: متى ستتم إعادة فتح الجامعات؟ وما الآلية الآمنة للقيام بمثل هذا الإجراء؟ وإلا سيقع الطلاب فريسة لأطماع الجامعات التى تنافس بعضها البعض فى جذب الطلاب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق