«نحن هنا.. وهم هناك».. مقولة لخص بها إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق سياسة الفصل العنصرى «الأبارتهايد» أو «الهافرادا» بالعبرية، التى تتبعها تل أبيب مع الفلسطينيين والعرب والأقليات الأخرى على مدار سبعين عاما الماضية، وربما تكون سيناريوهات المستقبل لاستمرار سياسات الفصل وبناء الجدران أكثر قسوة مما حدث فى جنوب إفريقيا.
ومنذ 2007، نددت الأمم المتحدة مرارا وتكرارا بالممارسات العنصرية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، إلى أن أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا» تقريرا صنفت فيه إسرائيل رسميا بأنها «دولة عنصرية» تنتهج سياسات عنصرية كوسيلة للسيطرة على الشعب الفلسطينى والاستمرار فى الاحتلال. وبالطبع ردت إسرائيل وحليفتها الأقرب الولايات المتحدة، باعتبار التقرير دعاية نازية ومعاديا للسامية، وبسبب الضغوط لسحب هذا التقرير الذى فضح الاحتلال، استقالت ريما خلف الأمين العام للجنة «الإسكوا» بسبب رفضها كتم «شهادة حق». وتعرف المادة 7 من نظام روما الأساسى بالمحكمة الجنائية الدولية جريمة الفصل العنصرى على أنها تشمل أفعالا لاإنسانية مثل «التعذيب، أو القتل، أو النقل القسري، أوالسجن أو الاضطهاد لمجموعة محددة على أساس سياسى أو عرقى أو قومى أو ثقافى أو دينى أو لأسباب أخرى»، هذا الفصل «يرتكب فى سياق من القمع المنهجى والسيطرة من قبل مجموعة عرقية واحدة على أى مجموعة أو مجموعات عرقية وترتكب بنية الحفاظ على النظام»، والنظام هنا هو الاحتلال.
وعبر كل السنوات الماضية، مضت إسرائيل تنفذ بكل قوة، ودون رادع، سياسات الفصل بمحاولات محو خريطة فلسطين سواء عبر بناء الجدران أو توسيع المستوطنات، وفى الأراضى المحتلة سواء هضبة الجولان السورية أو محاولات التوسع فى منطقة الأغوار، والتضييق على الفلسطينيين بكل الطرق الممكنة سواء فى حرية الحركة أو الحصول على الاحتياجات الأساسية وحتى التعليم. وتفرض اسرائيل هذه الممارسات بحجة الأمن، إلا أنه فى الحقيقة محاولة لفرض التفوق السكانى للاسرائيليين بمنطق وضع اليد. وهناك تشابه كبير بين القوانين والممارسات التى فرضها نظام الأبارتهايد فى جنوب إفريقيا واسرائيل، ومنها احتجاز الأسرى الفلسطينيين، وانشاء مناطق عرقية معزولة «جيتوهات»، نظاما قانونيا مزدوجا قائما على الهوية ــ العرقية «يهوديا أم فلسطينيا»، والحرمان من الجنسية، وحزمة من القوانين تعاقب أى مقاومة للنظام. حتى فى الداخل الإسرائيلي، هناك تمييز بين اليمين والمتدينين «الحريديم» من جهة واليسار من جهة أخرى، ولعل هذا التمييز كان سببا رئيسيا فى أزمة الانتخابات الثلاث حتى تشكيل الحكومة الأخيرة بعد أكثر من عام من حالة الجمود السياسي. ومظاهرات المؤيدين والمعارضين لسياسات الحكومة، والانتفاضة الأخيرة للإثيوبيين على خلفية مقتل المراهق سالومون طاقا – 18 عاما- على يد شرطي، فى ظل مشكلات عنصرية لم تجد طريقا للحل.
ولكن، فى ظل الامتيازات والانتصارات التى حصل عليها بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى وزعيم حزب الليكود اليمينى فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الصديق الأفضل لإسرائيل فى البيت الأبيض، فإن الأول من يوليو المقبل، سوف يحدد سياسات عنصرية تحمل من التغول والوحشية الكثير. نيتانياهو يراهن على ضم الأغوار وفرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية، رغم عدم حصوله على الضوء الأخضر من واشنطن. نيتانياهو يسابق الزمن، من جهة، لإنجاز وعده فى عصر ترامب، فلا أحد يعلم ما الذى تحمله انتخابات نوفمبر الرئاسية الأمريكية، كما أنه يخطط للانفراد بالسلطة بدون أن يخلفه جانتس.دائما ما يخرج الفلسطينيون فى مسيرات أو مظاهرات أو ربما يطلقون انتفاضة ضد هذا التحرك، لكنها ستكون هذه المرة انتفاضة اللاعودة فى مواجهة الدولة العنصرية الوحيدة فى الشرق الأوسط التى أسقطت اسطورتها التى نشرتها أمام العالم بأنها «الديمقراطية الوحيدة» فى المنطقة.
رابط دائم: