حتى بمعايير الشعبويين اليمينيين الذين سعوا إلى التقليل من شأن وباء كوفيد 19، كان تحدى الرئيس البرازيلى جايير بولسونارو للواقع صادما، فمن الأحياء الفقيرة فى ريو دى جانيرو إلى المجتمعات الأصلية النائية فى غابات الأمازون المطيرة، ظهرت البرازيل كمركز عالمى جديد للوباء مع أعلى معدل انتشار فى أمريكا اللاتينية (700 ألف إصابة و39 ألف حالة وفاة) ونظام صحى يتأرجح الآن على حافة الهاوية.
المتهم الأول فى هذه الكارثة، بإجماع آراء السياسيين وخبراء الصحة، هو بولسونارو نفسه، ففى حين كانت الأعداد فى المستشفيات تتزايد بشكل كبير، والقبور لم تعد تتسع لمزيد من الجثث فتلفظها فى الشوارع، ظهر الرئيس «المستهتر» فى فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعى وهو على متن قاربه فى بحيرة بارانوا فى برازيليا منتشيا بدورة التزلج على الماء، ومعلقا على فزع البعض من انتشار الفيروس فى لامبالاة قائلا: «لا يوجد ما يجب القيام به حيال ذلك». والحقيقة أنه كان يوجد الكثير لفعله من قبل زعيم اليمين المتطرف، أوله بالطبع عدم التقليل من شأن الوباء العالمى كما فعل إلى حد وصفه بأنه مجرد «إنفلونزا محدودة»، وكان من الممكن أيضا حث الناس على البقاء فى المنزل بدلا من حشد المؤيدين فى تجمعات كبيرة دون ارتداء الكمامة وهو الأمر الذى جعل 60% من الشعب البرازيلى يرفض الامتثال لإجراءات التباعد الاجتماعي. كان على الرئيس أيضا عدم الترويج لاستخدام الأدوية غير المثبتة علاجيا حتى الآن مثل هيدروكسى كلوروكوين نظرا للتحذيرات من آثارها الجانبية الخطيرة، وكان عليه الاستماع لوزراء الصحة الذين حذروه من سياساته الخاطئة، ولكنه بدلا من ذلك عمد إلى إقالتهم حينما جادلوه فى إعادة فتح البلاد لتدوير عجلة الاقتصاد.
نظام الصحة العامة البرازيلى كان مرهقا بالفعل قبل الوباء، والآن أصبحت الأنظمة الصحية على حافة الانهيار، فقد أجبر نقص أجهزة التنفس الأطباء على اختيار عدم علاج بعض الحالات، كما أن بعض المستشفيات تعالج المرضى فى الممرات. وفى الوقت نفسه يتجول الفيروس بطلاقة وسرعة شديدة بين المجتمعات الأكثر ضعفا كالأحياء الفقيرة الواقعة على مشارف المدن. كل ذلك فى ظل تصريحات علماء الأوبئة بأن الذروة لا تزال على بعد أسابيع!
من المحتمل أيضا أن تكون هناك خسائر اقتصادية فادحة، حتى مع تنفيذ عمليات الإغلاق جزئيا، فمن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 5% هذا العام، وهو ما سيكون أعمق ركودا منذ سنوات. فقد انخفضت الدخول بشكل حاد بالفعل بين غالبية السكان، خاصة بين نصف القوى العاملة فى القطاع غير الرسمي.
رابط دائم: