-
مُغَسّل «كورونا» يروى حكايات إنسانية ويشكر الشرطة لسماحها بالتحرك فى الحظر لأداء مهمته التطوعية
كانت محافظة الأقصر من أولي المناطق بالبلاد التى اصيبت بفيروس كورونا حيث أنطلقت صفارة الإنذار في مصر بأكملها لتعلن بدء دخول وباء «كوفيد ـ 19» مصر باكتشاف بؤرة للمرض على متن إحد الفنادق العائمة ولكن هل تكون الأقصر هي أيضا المكان الذى تنطلق منه صفارة الإنذار لانهاء المرض أم أن الوضع مازال فى مرحلة الخطر ..
«تحقيقات الاهرام» رصدت الواقع الحقيقى للمحافظة السياحية المهمة فى مصر ونقلت حكايات انسانية مؤثرة من ابناء الجنوب.
فى البداية نشير الى أنه صباح يوم الجمعة 6مارس حيث جرى أول فحص لحالات كورونا بفندق عائم وتم اكتشاف 45 حالة وتم إجلاء جميع الحالات الإيجابية إلى مستشفى النجيلة مع استمرار وضع جميع من في المركب تحت الحجر الصحى بعد ذلك تم اجراء مسح عشوائى لـ 13 فندقا عائما بالاقصر وسحب 1350 عينة عشواية من المتوجودين على متن تلك الفنادق وصدر قرار بتخصيص مستشفى اسنا ليكون ثالث مستشفى عزل على مستوى الجمهورية. خلال الاسابيع الماضية لوحظ تزايد الشكاوى بالاقصر، خاصة على صفحات الانترنت ومع تزايد حالة الخوف وقبل نقل هذه التفاصيل فضلنا اللجوء الى الدكتور السيد عبدالجواد وكيل وزارة الصحة بالأقصر الذى أكد أن الوضع الحقيقى مختلف وقال: مستشفى إسنا من المستشفيات الحديثة حيث لم يكن قد تم افتتاحه رسميا وكانت في مرحلة التشعيل التجريبى وتصل طاقتها الاستيعابية إلى 154 سريرا منها 26 سرير عناية مركزة وبها 17 جهاز تنفس صناعى، وقد تم اجراء أكثر من 5400 مسحة بها حتى الان، وقامت فرق الترصد التابعة للمديرية بمتابعة 7549 شخصا من العائدين من الخارج وذويهم، كما تم متابعه أكثر من 4522 حالة من المخالطين لحالات إيجابية .
وعن نسبة الإصابات بين أهالى الأقصر يقول الدكتور عبدالجواد أن نسبة الوفيات بالاقصر من اجمالى حالات الوفيات على مستوى الجمهورية لا تتعدى الـ 4% وعلى الرغم من كافة الجهود التي قامت بها وزارة الصحة وعلى الرغم من ان الأقصر لديها ثلاثة مستشفيات إلا أن المشهد في الشارع الأقصرى كان يعكس أمرا مختلفاً، فالاستغاثات اليومية من الأهالى للمسئولين لا تتوقف وحالات الوفيات أصبحت تزداد بمعدل يومى تجاوز الـ 5 حالات في اليوم الواحد، وعلى الرغم من صغر المساحة وقلة عدد السكان، إلا أن الأقصر وحدها حتى الآن بها 3 مواقع صحية مخصصة لعزل مصابى كورونا وهي مستشفيات «اسنا ــ العديسات ــ نزل الشباب الدولى»، بالإضافة إلى ما تم تخصيصه مؤخراً من أجنحه خاصة في مستشفى الأقصر العام والقرنة ومستشفى الصدر بإسنا. وفى محاولة لمعرفة حقيقة ما يحدث في مستشفى الحميات الذى كان له نصيب الأسد من شكاوى أهالى الأقصر، تقابلنا مع آية رجب ـ ابنة أحد المصابين بكورونا والذي عانى كثيراً حتى استطاع أن يجد له مكانا في مستشفى العزل، وتقول: أنا الآن من المصابين بعد أن انتقلت العدوى لى من والدى، فمنذ ان بدأت الأعراض في الظهور على والدى بدأ يعانى صعوبة في التنفس وقمنا بالاتصال برقم 105 وقالوا لنا انه لا توجد اى أماكن خالية في الفترة الحالية في مستشفيات العزل أو في مستشفى الحميات، وعندما سيكون هناك مكان في اى مستشفى سنقوم بإبلاغكم وأغلق الهاتف، وحين فقدنا الأمل في الحصول على أية مساعدة ذهبنا بسيارتنا الخاصة إلى مستشفى الحميات وكانت حالة والدى متدهورة بشدة وظللنا لمدة يوم كامل نحاول دخول المستشفى حتى يتم سحب عينة لوالدى الا أننا فشلنا في ذلك وعندما قمنا باحداث جلبة كبيرة هناك وبازدياد سوء حالة والدى جاء أحد أطقم التمريض وقام باعطاء والدى جلسة تنفس وهو في السيارة خارج مبنى المستشفى الذى على حسب قولهم لم يكن به مكان ليتم الكشف على والدى وسحب العينة، كما انه كان هناك العشرات من الحالات التي تجلس في فناء المستشفى يفترشون الأرض والأرصفة كانوا في انتظار الدور الذى كان لا يأتى، واستطعنا أن نحصل لأبى على كرسى ليجلس عليه وقام بأخذ المحاليل وهو جالس على الكرسى في فناء المستشفى الذى لا يوجد بها مظلة تحمي المرضي من اشعة الشمس الحارقة خاصة في تلك الفترة، وبعد طول انتظار اليوم كاملاً أبلغتنا إدارة المستشفي أنها لن تستطيع سحب العينة اليوم وأن نأتى غداً، ولأن والدى يعمل فى مجال التمريض رفض الذهاب إلى المنزل وقضينا الليل فى السيارة بالشارع وكانت حالته سيئة جداً، وفى اليوم التالى وبعد محاولات عديدة لاستجداء المسئولين بالمستشفى لانقاذه تم إدخال والدى إحدى غرف المستشفى وكان معه حالات أخرى. أما حماده ثابت ـ أحد أهالى المحافظة فيقول: كنت أرى يوميا الإعلان عن حالات وفيات تزيد عن الثلاثة في اليوم الواحد، ومنهم من يكونوا من أسرة واحدة ألا أننى كنت اظن ان في الأمر مبالغة إلا أن ما رأيته بعينى عندما ذهبت مع أحد أقربائى الذى كان بحاجة لإجراء فحص وكان أكثر بكثير مما كان يصل إلينا، وقد قمت بالتعاون مع عدد من الشباب بالتطوع لتوزيع مياه وعصير على المترددين على المستشفى لما شاهدناه من معاناة لهؤلاء المرضى البسطاء، والمشكلة أن الطاقة الاستيعابية للمستشفي لا تتحمل تزايد الأعداد .
أما محمد عبدالعال أحمد موظف بإحدى المصالح الحكومية ومن أبناء منطقة الكرنك فيقول انه بالفعل هناك زيادة فى عدد المصابين بالكورونا، ففي احدى الحالات بمنطقة الكرنك قامت اكثر من 15 سيدة من الاهل والجيران بزيارة والدة احد المصابين بالفيروس والذى تم نقله الى مستشفى العزل والتى ثبت إيجابية اصابتها هي أيضا، وليس فقط سلوكيات الافراد هي السبب ولكن كان هناك حاجة لتطبيق المزيد من إجراءات الحزم فهناك مناطق كانت بداية انتشار بؤرة الوباء بالاقصر وللأسف لم يتم اتخاذ اى إجراءات فاعلة لغلقها.
ويختلف الوضع كليا في مستشفى اسنا المخصص للعزل الذى كان أول مستشفى يتم تخصيصه للعزل على مستوى الصعيد، حيث يقول الدكتور حسام فتحى أخصائى العظام واحد أعضاء الفريق الطبي بالمستشفى أن عزل إسنا أول مستشفى في الصعيد تستقبل حالات الإصابة بكورونا وكان أول مصابين استقبلهم المستشفى يحملون جنسيات مختلفة منهم ايطاليون وأمريكان وألمان، وتتميز مستشفى اسنا بشكل عام بارتفاع نسبة الشفاء بين المرضى والتي تتجاوز 60% تقريبا، في حين ان نسبة الوفيات بالمستشفى لا تصل إلى 5%. وبرغم كل مايبذل من جهود فإن حكايات وقصص مغسل كورونا تبدو براقة وتلمع فى وسط المتاعب وكما يقول على عبود ـ مدرس وأول من أطلق مبادرة تغسيل وتكفين ضحايا فيروس كورونا والتي بدأت بنداء على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» ليتحول إلى حملة يشارك بها أكثر من 15 فرد من أبناء الأقصر، وتم انشاء جروب يحمل اسم «إكرام ضحايا فيروس كورونا تغسيل وصلاة ودفن». ويروى على قائلا : الفريق يضم سيدة واحدة فقط تدعي «أم إسلام» وقامت حتى الان بتغسيل أكثر من 40 سيدة وأصبحنا نقوم في اليوم الواحد بتغسيل من 3 إلى 5 وفيات بفيروس كورونا، وفى أحد الأيام قمنا بتغسيل 10 أفراد كل ذلك في مدة 40 يوما تقريباً، وبعد أول حالة قمت بتغسيلها والتى خرجت من مستشفى الحميات توالت الاتصالات وساهم الكثير من أهل الخير وأصبح لدينا فريق مكون من 50 فردا من رجال وسيدات مسلمين ومسيحيين ولكن مع مرور الوقت انحسر العدد فبعضهم تعرض لتنمر لم يستطع تحمله وبعضهم منعته أسرته خوفاً عليهم من الاصابة، ولكننا نعذر الجميع والان نحن 17 فرد في مختلف أنحاء الأقصر وأكثر من مرة يقوم بعض أفراد الفريق بالذهاب إلى محافظة قنا للقيام بأعمال التغسيل لحالات وفيات هناك، ومعنا صمويل فؤاد الذى يقوم بالاشراف على فريق تغسيل الاخوة المسيحيين.
وأشار عبود إلى أنه بعد بدء تشكيل الفريق وتجميعه من المتطوعين قام المسئولين بصحة الأقصر باعطائنا دورة تدريبية لتعليمنا كيفية القيام بعملية التغسيل كما أمدونا بالمستلزمات اللازمة من أدوات تعقيم وكمامات وبدل واقية وهناك عدد من اهل الخير الذين يتطوعون بصفة مستمرة لتوفير المستلزمات اللازمة ليتمكن الفريق من أداء عمله وإن كان أكثر من أعانى منه هو صعوبة التحرك بعد بدء وقت الحظر، وفي الحقيقة أجد تعاونا كبيرا من أفراد الشرطة في الكمائن التي أقابلها في طريقى عندما أشرح لهم طبيعة ما أقوم به.
رابط دائم: