رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أصداء معركة ترامب مع تويتر «أوروبيا»

منال لطفى

شبه البعض معركة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع منصات التواصل الاجتماعى، التى تزداد اشتعالا كل يوم وستصبح حتى أكثر سخونة كلما اقترب موعد الانتخابات الأمريكية،بـ «معركة ديفيد وجالوت». لكن السؤال المحير: من هو ديفيد ومن هو جالوت فى هذه المعركة ؟

فالرئيس الأمريكى هو أقوى رجل فى العالم، لكن هل هو أقوى من «تويتر» و«فيسبوك» و«جوجل» و«يوتيوب»؟. على الأرجح لا.

 

اتخذت العلاقة، السيئة أصلا، بين الرئيس الأمريكى ووسائل التواصل الاجتماعى منعطفا نحو الأسوأ بعدما أصدر ترامب قبل أيام قراراً تنفيذيا بمراجعة قوانين عمل منصات مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«جوجل» بعدما اتهم تلك المنصات بـ«الرقابة» و«التحيز» ضده وضد غيره من السياسيين والمعلقين المحافظين.. وجاءت شكوى ترامب بعد قيام تويتر بنشر رسالة تحت إحدى تغريدات الرئيس «تصحح» مزاعمه بأن بطاقات الاقتراع البريدية «احتيالية» وأن استخدامها سيؤدى إلى «انتخابات مزورة» وسط جدال فى أمريكا حول استخدام التصويت البريدى للشرائح الأضعف من السكان التى لا تريد الوقوف فى طوابير طويلة فى نوفمبر المقبل للتصويت فى الانتخابات الرئاسية مما قد يعرضها للإصابة بفيروس كورونا، خاصة مع احتمالات انفجار موجة ثانية من الفيروس خلال الخريف.

وجاء تدخل «تويتر» لتصحيح مزاعم الرئيس الأمريكى بموجب سياسة جديدة للمنصة تسعى لردع المحتوى الذى قد يمنع التصويت فى الانتخابات المقبلة.

لكن الرئيس أزعجه تدخل «تويتر» للتعليق على تغريداته، فرد بإصدار أمر تنفيذى بإعادة النظر فى قوانين الانترنت من أجل تقييد حرية منصات مثل «جوجل» و«تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب» فى حظر المحتوى أو تقييده على أساس أن تلك المنصات «تنتهك حق المستخدمين فى حرية الرأى والتعبير». وقال ترامب موضحا: «فى الوقت الحالى، لدى المؤسسات العملاقة لوسائل التواصل الاجتماعى مثل تويتر درع حماية غير مسبوقة استنادا إلى نظرية أنها منصات محايدة، فى حين أنها ليست كذلك.ويطالب القراران التنفيذيان بوضع لوائح جديدة بموجب القسم 230 من قانون آداب الاتصالات لمنع شركات وسائل التواصل الاجتماعى، التى تمارس الرقابة أو أى تحيز سياسى، من الاحتماء وراء تلك الدرع».

علاقة حب ــ كراهية معقدة

شكوى ترامب من وسائل التواصل الاجتماعى ليست جديدة، فبين الرئيس الأمريكى وهذه المنصات علاقة «حب ــ كراهية» معقدة.

كما أن شكواه ليست الوحيدة، فقبل أيام اشتكى موقع إخبارى بريطانى مستقل وهو«اللاقطيع» (UnHerd) موقع «يوتيوب» لقيامه برفع مقابلة أجراها الموقع البريطانى مع عالم أوبئة شكك فى نصائح منظمة الصحة العالمية. وحاجج موقع «اللاقطيع» البريطانى أن منظمة الصحة العالمية «ليست مقدسة» كى يقوم «يوتيوب» بإزالة مقابلة تشكك فى بعض آرائها، مشيرا أيضا إلى أن المنظمة «ليست منزهة عن الخطأ» فهى مثلاً ترفض التوصية بارتداء الكمامة لمنع تفشى فيروس كورونا على الرغم من أن مئات العلماء حول العالم يؤكدون فائدة الكمامة لحماية الذات والآخرين، كما حاجج الموقع البريطانى أن «يوتيوب» منصة مفتوحة، ويجب أن يسمح للناس بحرية الرأى والتعبير وترك الآخرين «يحكمون بأنفسهم» على ما يتم بثه ونشره، لأنه لا يحق ليوتيوب أو غيره من المنصات أن يدعى الحياد من ناحية، ومن ناحية أخرى يعطى نفسه «حق تعريف ما هى الحقيقة».

وفى النهاية، رضخ «يوتيوب» لمنطق الموقع وأعاد بث المقابلة على منصته. لكن الأمر لم ينه النقاش فى بريطانيا، وأوروبا عموماً، حول أن تلك المنصات عندما تبدأ فى تصحيح مواد، وإزالة مواد فإنها تقرر ضمنياً «ما هو الصواب، وها هى الحقيقة» نيابة عن المستخدمين، وبالتالى تدخل فى أرضية موحلة وصورة ضبابية خطيرة.

وسؤال الحياد بالذات ملغوم. فالعام الماضى استقال جريج كويل، وهو مهندس سابق فى «جوجل» من الشركة بعدما تحدث عن «انحياز كبير» فى محرك البحث الأول فى العالم، مشيرا إلى أنه عند البحث على «جوجل» حول أى شيء يكون نصيب الأسد من نتائج البحث من مصادر محسوبة على اليسار السياسى مثل صحيفة «الجارديان» البريطانية أو «نيويورك تايمز» الأمريكية. وهذا يتماشى مع دراسة قام بها عالم النفس الأمريكى روبرت إبستين حول نتائج البحث مثلاً عن هيلارى كلينتون وترامب على «جوجل». فالغالبية العظمى من النتائج حول كلينتون كانت «ايجابية» أى مؤيدة. فيما الغالبية العظمى من النتائج حول ترامب كانت «سلبية». ولم ينج من فخ الانحياز موقع «ويكيبيديا»، فالمؤسس المشارك للموقع البحثى، لارى سنجر، اعترف فى تدوينة طويلة بأن موقع «ويكيبيديا» منحاز فى نتائج البحث عليه فى عدد كبير من القضايا، هذه الانحيازات ليست متعمدة بالضرورة، لكنها مع ذلك موجودة.

القشة التى قصمت ظهر «تويتر»

الدخول فى معركة مع منصات التواصل الاجتماعى دائما محفوف بالمخاطر، خاصة وسط مظاهرات ضخمة مستمرة منذ أكثر من أسبوع فى عشرات المدن الأمريكية احتجاجا على مقتل جورج فلويد وهو مواطن أمريكى من أصول افريقية خلال اعتقال الشرطة له فى مدينة مينيابوليس، ووباء فيروس كورونا الذى كلف أمريكا أكثر من 100 ألف قتيل حتى الآن، وانتخابات رئاسية على الأبواب تجرى فى أجواء ملتهبة. فبعد 24 ساعة من الأمر التنفيذى لترامب لم يتراجع «تويتر» عن التحذير من تغريدات الرئيس. ففى تغريدة لترامب حول الاحتجاجات فى مينيابوليس حذر الرئيس الأمريكي: «عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار».

ولم يقم «تويتر» بحذف التغريدة لكنه أرفق معها رسالة تحذير، مفادها أن محتوى التغريدة «ينتهك قواعد عدم تمجيد العنف». وما زال بإمكان المستخدمين رؤية تغريدة الرئيس من خلال النقر عليها، لكن مشاركتها مع آخرين أصبحت أكثر صعوبة.

ويبدو أن جاك دورسى، الرئيس التنفيذى لتويتر، أراد رسم خط فى الرمال حول كيفية تعامل «تويتر» مع التغريدات الكاذبة والمضللة لأشهر مستخدم للمنصة وهو الرئيس الأمريكى. وكانت تغريدتا «بطاقات الاقتراع البريدية» و«عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار» بمثابة القشة التى قصمت ظهر توتير.

فأمريكا فى حالة غضب عارم وتمر بأوقات عصيبة والانتخابات تقترب، وتغريدات من هذا القبيل تفتح الباب للعنف ولاتهامات فى المستقبل بعمليات تزوير فى الانتخابات الأمريكية، خاصة إذا خسر ترامب أمام منافسه الديمقراطى جو بايدن.

ومع أن هناك إجماعا على خطورة التغريدات المنفلتة والمغلوطة التى يملأ بها ترامب وغيره الفضاء الالكترونى، إلا أنه ليس هناك إجماع على أن تدخل تويتر بهذه الطريقة. فرئيس فيسبوك، مارك زوكربيرج، عارض نهج دورسى واستنكر فكرة منصات الانترنت التى تحاول السيطرة على الخطاب السياسى. وقال زوكربيرج لقناة فوكس نيوز إن شركات التكنولوجيا الخاصة «يجب ألا تكون «حكم الحقيقة» لكل ما يقوله الناس عبر الانترنت». ورفض «فيسبوك» تصحيح تغريدة احتمالات تزوير بطاقات التصويت البريدى، كما رفض التحذير من تغريدة «عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار»، لكن موقف زوكربيرج قوبل بانتقادات كبيرة، حتى العاملين فى فيسبوك تظاهروا ضده.

26 كلمة خلقت الإنترنت

ومع ذلك هناك كثيرون يتفهمون موقف زوكربيرج. فمعضلة تدخل منصات مثل «تويتر» و«يوتيوب» وغيرها لإزالة مواد أو حذفها أو التعليق عليها بطريقة عشوائية غير منضبطة، أنها تفتح الطريق لاتهامات بالتحيز من كل طرف. وفى الاتحاد الأوروبى هناك جهود نشطة لضبط التوازن بين حرية التعبير والرأى من جهة، وعدم فتح تلك المنصات كى تكون أرضية للأكاذيب والتحريض لضمان استمرارها كمنصات محايدة للمعلومات والرأى.

فمع تراجع الصحافة الورقية، تلعب تلك المنصات دورا مركزيا فى تدفق الأخبار والمعلومات والآراء فى طائفة واسعة من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، ومنحها دور «وزير شئون الحقيقة» عبر الحذف والتصحيح والتعليق يجب أن يتم بحرص شديد ووفق معايير لا خلاف عليها، وإلا تحولت لسد لا يعطينا إلا مجرى واحد من النهر. بعبارة أخرى يريد الاتحاد الأوروبى إجابة رشيدة عن هذا السؤال الصعب: كيف يمكن الحد من المساهمات المنحازة والكاذبة والمحرضة على وسائل التواصل الاجتماعى بدون أن يكون ذلك «تحيزا» و«رقابة» و«تضييقا على الحريات»؟.انه سؤال صعب ما زالت أوروبا تبحث عن إجابة شافية له.

لكن ترامب ليس لديه صبر وتدقيق الاتحاد الأوروبى. كما أنه لا يرى التحديات القانونية والسياسية والأخلاقية المعقدة لضبط وضمان «حياد» تلك المنصات، وفى الوقت نفسه عدم فتحها كأرضية لنشر الأكاذيب وخطاب الكراهية. وبالتالى قفز ترامب بلا تروى إلى السلاح الوحيد فى يده وهو «القرارات الرئاسية التنفيذية».

وبموجب القرار التنفيذى، يُطالب ترامب الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات من لجنة الاتصالات الفيدرالية وهى وكالة حكومية مستقلة توضيح أجزاء من القسم 230 بطريقة تجعل من الصعب بشكل خاص على تويتر وغيره إزالة المحتوى. ويريد ترامب تحديداً تغيير القسم 230 من قانون آداب الاتصالات بحيث يتم اعتبار تلك المنصات «ناشر» وبالتالى «مسئولة قانونيا» عن «المحتوي»، ما يفتح الطريق لمساءلة تلك المنصات قانونيا إذا عبثت وتدخلت فيما ينشر على منصاتها سواء بالتصحيح أو الرقابة أو الحذف.

وبرغم احتدام المعركة على الورق، إلا أن هناك توافقا على أن الأمر التنفيذى لترامب هو خطوة رمزية بالأساس. فمن المتوقع أن تتحدى وسائل التواصل الاجتماعى أمام المحاكم أى تغيير فى القسم 230 فى قانون الاتصالات لأنها لطالما قاومت فكرة «المسئولية القانونية» عما ينشر على منصاتها. ومن المتوقع أن تقف المحاكم فى صف تلك المنصات. فالقسم 230 من قانون الاتصالات لن يتم تغييره إلا بعد تمحيص وتدقيق مفرط. فهو ركن مؤسس لمنصات التواصل الاجتماعى كما نعرفها اليوم، وبات معروفاً بـ «26 كلمة خلقت الانترنت» لأنه حرر تلك المنصات من أعباء المساءلة القانونية، فباتت تنشر كل شئ، وخلال عقد واحد تحول عدد مستخدميها من عدة آلاف إلى مليارات البشر حول العالم.

كما أن طريق البيت الأبيض محفوف بالصعوبات القانونية والسياسية، فتنظيم المحتوى عبر الانترنت سيكون له ضحايا كثيرون أولهم الرئيس الأمريكى نفسه. ففى أى تنظيم منطقى للمحتوى سيتم منع نشر أى تغريدات تحتوى على أكاذيب، أو حض على العنف، أو تمييز، أو اتهامات بلا دليل، أو معلومات لا أساس لها من الصحة وهذا يعنى إعطاء «تويتر» وغيره من المنصات حق إلغاء آلاف التغريدات التى نشرها ترامب وعلى رأسها «شرب الكلور» كعلاج للكورونا، أو «احتمالات تزوير التصويت البريدي»، أو استخدام دواء الملاريا القوى الهيدروكسى كلوروكين لعلاج كورونا. وفى المحصلة النهائية سيبدو ترامب كمن «يخنق نفسه بيده». فهو «رئيس تويتر» كما يقول. فالمنصة كانت سلاحه الأول خلال انتخابات 2016 وهو نفسه اعترف مرارا وتكرارا «أعتقد أننى لم أكن لأدخل البيت الأبيض بدون تويتر».


رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق