هذا الكتاب ليس عن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وتحرشاته وفضائحه، وليست صفحاته مخصصة لعرض سيرة صحيفة نيويورك تايمز وإنجازاتها الصحفية. لكن الكتاب الذى صدر مطلع هذا العام يبحث فى القضية التى تشغلنا جميعا كصحفيين وإعلاميين وقراء فى مختلف أنحاء العالم ... قضية حرية الصحافة. لذلك أنصح كل صحفى مصرى وعربى بقراءته واستخلاص دروس كثيرة وعبر أكثر .
يحكى ديفيد ماكرو، المستشار القانونى للنيويورك تايمز والمتخصص فى قوانين الصحافة وجرائم النشر على مدى 300 صفحة من كتابه «الحقيقة فى عصرنا.. داخل المعركة من أجل حرية الصحافة» تجربته كمحام يصاحب الصحفيين فى صالة التحرير ويصادقهم فى أكثر عصور الصحافة التى تواجه تحديات وعواصف وتقلبات، متناولا أربع سنوات هى الأسوأ بتاريخ الصحافة الأمريكية ، تبدأ منذ بدأ ترامب حملته الانتخابية عام 2016 ثم تصاعد اتهاماته للصحافة والصحفيين واتهامهم عبر تغريداته بتزوير الأخبار، ومازال الوضع مستمرا حتى اليوم، فالرئيس الأمريكى يعتبر الصحافة الأمريكية عدوه الأول ، ويحرض الشعب الأمريكى ضدها عندما يعلن أنها عدوة الشعب !!
فاز ترامب بانتخابات الرئاسة وسط حالة من الدهشة أو الصدمة التى أصابت العالم وليس فقط الأمريكيين ، ولأن مهمة الصحفى الأساسية البحث عن الحقيقة ولأن الرئيس الأمريكى الجديد لم يكن له تاريخ سياسى، وكانت كل اهتماماته تنحصر بالصفقات التجارية، فقد قامت الصحافة بواجبها كما يحدث فى أى مجتمع ديمقراطى - فبحثت بأوراق ترامب من قبل أن يبدأ حملته الانتخابية، واقتحمت دهاليز وأوكار علاقاته السياسية والانسانية ، وكان للنيويورك تايمز السبق فى كشف الكثير من تجاوزاته وألاعيبه. ومن هنا بدأت معركته مع الصحافة واعتبر ترامب الـ «نيويورك تايمز» عدوه «الأول» وانتقل صراعه معها للمحاكم التى أصدرت أحكامها بتبرئة الصحيفة العريقة، وأدانت الرئيس ومحاولاته ضرب حرية الصحافة، وإذا كانت النيويورك تايمز عدوه الأول فاعتقد أن شبكة «سى إن إن» هى عدوه الثانى.
على الغلاف الخلفى للكتاب رسالة من المؤلف، سوف أختار منها فقرتين ،الأولى التى يرد فيها على محامى ترامب يقول فيها : «عزيزى السيد كازوفيتز ... أكتب ردا على خطابك بتاريخ 12 أكتوبر 2016 والخاص بموكلك دونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهورى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية. وقد كتبت حول مقالنا الذى ذكر فيه أن سيدتين اعترفتا أن ترامب تحرش بهما بصورة غير لائقة، وطلبت فى خطابك أن نقوم بحذف الخبر من موقع الصحيفة الالكترونى مع كتابة اعتذار... لكننا لن نفعل ذلك».
يواصل محامى الجريدة ومؤلف الكتاب قائلا: «لقد كتبنا مايسمح لنا القانون نشره حول موضوع
يهم الرأى العام، واذا كان السيد ترامب غير موافق
أو يعتقد أن الشعب الأمريكى ليس من حقه أن يسمع ما قالته السيدتان وأن القانون فى بلدنا يمنعنا من أن ننتقده ونتوخى الصمت ونتهدد بالعقاب فنحن نرحب أن نلتقى بكم فى قاعة المحكمة» .
من هنا بدأ عداء الرئيس الأمريكى للصحافة الورقية
والإعلام قبل
تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة . فقد بدأ ترامب حملته على الصحيفة والصحافة الأمريكية بصفة عامة منذ ترشحه للرئاسة. وانتعشت الصحف الأمريكية بعد تولى ترامب الرئاسة فى عام 2016 . عادت الـ«نيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست» للانتشار، فالعداء الجنونى من ترامب تجاه الصحافة أسهم فى مساندة الرأى العام لها. تطور الصراع بين الصحافة الأمريكية وترامب لفضح أكاذيب ترامب وإدانة المحاكم الأمريكية له. ورد ترامب باستخدامه أسلحة غير تقليدية بالدول الديمقراطية فى مواجهة الصحافة. تحدث ترامب أكثر من مرة لناخبيه فى عدة مناسبات عن الصحافة «غير الأخلاقية» يقصد النيويورك تايمز ــ واستخدم الرئيس الأمريكى أصدقاءه البليونيرات فى معركته بمنع شركاتهم من الإعلانات فى الصحيفة، وكما يحدث فى الدول الشمولية، حصل رجال أعمال ترامب على عناوين وأرقام تليفونات عدد من الصحفيين الذين كشفوا ألاعيب الرئيس وفضائحه النسائية وأذاعوا أسماء هؤلاء الصحفيين على شاشات تليفزيون اليمين المتطرف، كما تلقى لأول مرة فى تاريخ الصحافة الأمريكية ــ عدد من الصحفيين خطابات تهديد بالاعتداء عليهم اذا واصلوا كتاباتهم ضد ترامب!.
منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة فى عام 2016 زادت أعداد اشتراك الأمريكيين فى النيويورك تايمز لـ 180 ألف قارئ ، فالأمريكيون يريدون معرفة الحقائق كما هى وليست «الحقائق البديلة» التى يقدمها ترامب وأعوانه بالحزب الجمهورى . لكن للأمانة تبين أن ترامب لا ينفرد بعدائه للصحافة الأمريكية فكتاب «الحقيقة فى عصرنا» خصص فصلا كاملا لمعركة النيويورك تايمز مع المنتج السينمائى الشهير «هارفى واينشتين» الذى كشفت الصحيفة عام 2017 اغتصابه لبعض الممثلات الأمريكيات وتهديداته لهن من خلال اعترافاتهن، وهدد واينشتين باللجوء للمحكمة اذا لم ينشر تكذيب للخبر واعتذار ، وردت الـ «نيويورك تايمز» بأنها سوف تواصل حملتها وأنها ترحب مثل ماحدث مع ترامب أكثر من مرة ــ بلقائه فى ساحات القضاء. بالشهر الماضى أصدرت المحكمة العليا بنيويورك حكما نهائيا على واينشتين بالسجن 23 عاما بتهم اغتصابه لعدة فتيات من خلال ابتزازه وتهديده لهن .
يوم الأحد 8 مارس 2020 نشر بصفحة الأخبار الخارجية بـ«الأهرام» خبر بعنوان : «ثالث دعوى من نوعها فى عشرة أيام حملة ترامب تقاضى سى ان ان بتهمة التشهير»!!. لم يقتصر عداء ترامب على الصحافة بل امتد لكل وسائل الإعلام التى تكشف اخطاءه، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعى، فأخيرا اتهم ترامب موقع «تويتر» بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة وإسكات الأصوات المحافظة، وذلك بعد أن وضع الموقع إخطارا بتقصى الحقائق على تغريدات الرئيس الأمريكى، فى سابقة هى الأولى من نوعها، حيث حذر «تويتر» من ادعاءات ترامب بشأن الاقتراع بالبريد، واصفا إياها بكونها خاطئة ودحضها مدققون فى إطار سياسة الموقع لمكافحة «المعلومات المضللة»، فأصدر ترامب أخيرا قرارا يسمح بملاحقة قانونية لمواقع التواصل الاجتماعي.
رابط دائم: