فى ظل الأزمة الاقتصادية الأخيرة، تصاعدت المخاوف بشأن حالة النظام العالمى. فخلال العقد الماضى ، أثارت الأوساط السياسية المخاوف بشأن نهوض الصين ، واحتمال تآكل الحلم الأمريكى ، وفقدان واشنطن النسبى السلطة. والآن ، ومع المعاناة من أزمة دولية مأساوية ، من الطبيعى أن يتساءل الجميع عما يخبئه المستقبل.
وفقا للمقاييس العامة، لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بالسيطرة: فهى تحتفظ بأقوى جيش فى العالم وهى رائدة عالمية فى التطور التكنولوجى والابتكار، وتمتلك قوة هيكلية لا مثيل لها ، بسبب عملتها الاحتياطية ودور أمريكا فى تشكيل مبادئ النظام العالمى والمؤسسات الدولية. وشبكة حلفائها منحتها قدرة فريدة على التأثير فى الشئون الدولية، وباقتصاد قوى ونابض بالحياة استمر نمو القوة الأمريكية. وساعدتها فى ذلك قيمها السياسية وثقافتها الفريدة ومكانتها كرمز للديمقراطية بالعالم. فى الواقع، مازالت الولايات المتحدة تمثل 25% من الثروة العالمية ، و 35% من الابتكار العالمى، و 40% من الإنفاق العسكرى العالمى.
وعلى سبيل المثال ، لا تزال لديها أربعة أضعاف الثروة مقارنة بالصين وأكثر بخمس إلى ست مرات من القدرات العسكرية. وسيستغرق سد هذه الفجوة عقودا حتى لو سارت الأمور بشكل سيئ جدا بالنسبة للولايات المتحدة. فى الوقت نفسه، تواجه أمريكا حاليا رياحا معاكسة خطيرة ، بما فى ذلك مستويات عالية من الديون، وانخفاض الحراك الاقتصادى، والخلافات السياسية المتزايدة مع أوروبا والشرق الأوسط ، وظهور قوة صاعدة من الاقتصادات الآسيوية كمحركات للنمو العالمى ونهوض الصين. وحتى قبل تفشى الوباء ، بلغ إجمالى التزامات الإنفاق بالأجل - بما فى ذلك الدين الحكومى والخاص والمعاشات التقاعدية والاستحقاقات - حوالى 10 أضعاف الناتج المحلى الإجمالى للبلاد
والمشكلة الحقيقية أن تسارع تآكل قوتها العالمية بدأ تحت قيادة ترامب ومازال مستمرا. إن النظام الدولى القائم على القواعد المعمول بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قد قلبه ترامب الذى انسحب من المعاهدات ، ونازع الحلفاء وأثار المزيد من النزاعات بإدارته للسياسة الخارجية وأشعل الحروب التجارية منذ انتخابه.
فلا يبدو أن الرئيس الخامس والأربعين يهتم كثيرا بالجدل حول الانحدار الأمريكى على المستوى الدولى على الرغم من الشعار الذى تبناه فى الانتخابات كخطة رئيسية لإدارته وهى «اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا». فرؤيته لأمريكا تتمثل فى انخراط دولى أقل. وبالتالى، قيادة أمريكية دولية أقل والتحرر من الالتزامات الدولية والابتعاد عن أهداف العولمة. وقد كشف أحدث التقارير البحثية عن تقلص فرق القوة بين الولايات المتحدة والصين ، ويرجع ذلك جزئيا إلى سياسات إدارة ترامب. لقد مرت أمريكا بأزمات ثقة مماثلة من قبل ، وفى كل مرة استطاعات التعافى والوصول إلى آفاق جديدة .
وربما يكون اعتراف الإدارة الأمريكية بأنها منخرطة فى منافسة مع الصين وأن تعزيز الرخاء الأمريكى يجعل أمريكا أكثر تقدما فى العالم خطوات مهمة نحو إدراك حجم المشاكل ومحاولة علاجها. لتظل التطورات الأخيرة تثير التساؤل: ما هى خطة أمريكا للحفاظ على أسبقيتها فى سباق القوة العظمى؟
رابط دائم: