رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

‎بكين.. والسباق على «كأس القوة»

شريف سمير

«لايهم مدى السرعة التى تتجه بها نحو هدفك، المهم هو ألا تتوقف» .. قديما خرجت هذه الحكمة من الفيلسوف الصينى والمعلم الأول كونفوشيوس، ولم يتوقع الجد أن يتوارث أحفاده تلك الكلمات البسيطة لتبنى ثقافة شعب ويكتب بها حكام الصين منهجهم نحو التفوق والجلوس على عرش العالم يوما ما!.

‎الصينيون لاينشغلون منذ عقود بالسباق مع الزمن لبلوغ مقصدهم، بقدر انشغالهم بالآلية وتحديث الوسائل وعدم التفريط فى الحلم مهما طال الوقت وتغيرت الظروف، وبعد سنوات طويلة كتب الصحفى الاقتصادى الأمريكى مارتن جاك عن نهاية الهيمنة الأمريكية وصعود الصين كقوة اقتصادية عالمية فى ٢٠٢٧، وتصدر كتابه «حينما تحكم الصين العالم» الأسواق لما يزخر به من معلومات وتنبؤات عن القطار الصينى السريع فى ظل نمو قدرات بكين العسكرية واكتساح العالم تجاريا، فضلا عن الاستثمار فى الرأسمال البشرى، وارتفاع الناتج الإجمالى من نصيبها فى التجارة الدولية ليتمكن التنين الآسيوى من الريادة الكاملة بحلول ٢٠٥٠.

‎وبمرور السنين، امتلك المنافس الصينى مقومات النجاح وأدوات التقدم، وبمجرد اتهامها بتخليق فيروس كورونا وتصديره إلى العالم للاستفادة من انتشاره،سخَّرت الصين علماءها وأطباءها لتوفير المصل المضاد لكورونا لتدفع به فى الحرب البيولوجية وتجارة العقاقير المربحة فى أكثر الجولات خطورة للفوز بـ «كأس الزعامة»، وتحركت البوصلة الصينية نحو دول الخليج، حيث تدفقت طائرات الشحن الكويتية والإماراتية والقطرية على مطارات المدن الصينية محملة بالمواد والأجهزة الطبية ذهابا وإياباً، فى مقابل الفرق الطبية الصينية التى تجولت بين بعض العواصم العربية لتقدم خبراتها وتجاربها وفوقها راية «العلاقات التجارية» لتسويق صورتها. ‎ومن بوابة «الحزام والطريق»، تسعى الصين لاختراق الجدار العربى بمبادرة تصل إلى تريليون دولار عبر شبكة عالمية من الموانئ والطرق البرية والسكك الحديدية. ‎وانتقلت رياح الصين إلى القارة السمراء بنفس منطق اجتياح الخليج، ليؤكد الخبراء الأفارقة أن العلاقات مع بكين طويلة الأجل وستبقى سليمة بعد نهاية أزمة كورونا، لأنها ظلت تحتفظ بأساس الاحترام والفهم المتبادل، وهو ما رسمته السياسة الصينية على مستويات الاقتصاد والتنمية والسياسة، وحسب أحدث الإحصاءات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، فقد بلغ إجمالى حجم التجارة مع إفريقيا أكثر من ٢٠٤ مليارات دولار فى ٢٠١٩، وسبقتها مساعدات أعلن عنها الرئيس الصينى شى جين بينج فى قمة ٢٠١٨ مع القادة الأفارقة فى بكين تصل إلى ٦٠ مليار دولار فى شكل منح وقروض بدون فوائد وقروض ميسرة .. ويا لها من عروض سخية لشراء الرضا الإفريقى واستقطاب شعوب القارة!.

‎أما أوروبا، فكانت ساحة مفتوحة وشديدة الإغراء للطموحات الصينية فى ضرب المصالح الأمريكية، وتحديدا عندما هزت الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨ البيت الأوروبى، وحانت فرصة النمر الآسيوى من خلال مبادرة (١٧ + ١) التى أطلقتها الصين من أجل التعاون الاقتصادى والاستثمار فى دول القارة العجوز وحثها على اقتراض الأموال لتطوير البنية التحتية وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الصينية فى إطار خطة اقتصادية تبعتها أهداف سياسية!. ‎ولا تفرط الصين فى أوراق يضحى بها الخصم الأمريكى، بل وتسارع بالتقاطها وتحويلها من كارت محروق إلى جواد رابح .. وهذا ما فعلته مع المنظمات الدولية التى قررت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مقاطعتها وإنهاء الثقة بها، ومن ثم قررت بكين تقديم نفسها كبديل لأمريكا، وساندت منظمة الصحة العالمية بمنحها ٣٠ مليون دولار، بعيدا عن اشتراكها كدولة عضو فى المنظمة، لدعم دورها لحماية صحة الإنسان فى العالم بعد اجتياح كورونا لتقف «الصحة العالمية» فى صف بكين فى معركة الفيروس الكبرى. ‎

ولايغيب عن قراءة تطورات المشهد، أن الاستراتيجية الصينية لبلوغ زعامة العالم منذ نعومة أظافر قياداتها مصحوب بتفوق عسكرى ملحوظ ومنهجى، حيث تحظى الصين بأكبر جيش فى العالم قوامه حوالى مليونى جندى وميزانية عسكرية ضخمة قدرها حوالى ٣٠٠ مليار دولار لتحتل المرتبة الثانية عالميا بعد الموازنة العسكرية الأمريكية البالغة حوالى ٧٠٠ مليار دولار، غير أن المحللين الأمريكيين يعترفون بالكفاءة الصينية فى الإنفاق العسكرى وإنجازات التسليح وإدارة الموازنة .. فحينما يتحد عنصرا الاقتصاد المفتوح والصعود العسكرى فى المعادلة الصينية على هذا النحو، تتأثر بقوة وعنف أى دولة عظمى فى سباق النفوذ وحلم الزعامة!.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق