رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رسائل النهر

سارة رمضان;

أغمض عينيك قليلا.. واترك لخيالك العنان ماذا ترى؟

أعين تبحث عنك أم أعين تبحث عنها؟

موج البحر عالق بأذنيك أم ضجيج المدينة يضرب بأجراسه

طفولة حالمة تنتظر نور الحياة وتحن لبيت قديم.. هل تذكره أم صوته مشوش في خيالك؟

افتح عينيك الآن .. ستجده يلوح في الأفق .. فقط ارفع يديك للسماء لتمتلكه

مضى يوم ، بل أيام، ولا تزال نظرتى تجاهك كما هى، حالمة، تستدعى كل لحظة.. كل رائحة.. كل ذكرى.. كل أغنية.. كل نكتة عابرة .. من النكات التى تخلف ضحكة لها جَرْسٌ لا يغيب.

تُرى أين تذهب.. أين تتخذ هذه النظرة موضعها من الواقع؟ فى جوفه تماما أم مجافية.. رسائلك جميعها لا تزال بأحشاء هاتفى، مثل كتابٍ مؤجل يؤنس لحظاتِ الوحشة القاسية.

مثل زهرة تترنح أمام ريح، وتتناثر أوراقها على ضفاف نهر التيبر الذي طالما شهد لقاءاتنا..

ألتمس جميع الأعذار، أخشى أن أضىء المكان، بل أخشى من رؤية حقيقة أخرى مغايرة لك.

أنظر إلى هاتفي بين الحين والآخر، أنتظر رسائلك لعلى أجد أسبابا تقنعنى بهذا التحطم، طالما طرحتها وتهربت أنت منها بإجابات أحب أن أسمعها ويأبى قلبى تصديقها.. فأنا الحائرة دائما، الحائرة التي اعتادت ألا تصدق أحدًا، القريبة من الآخرين البعيدة عنهم، البعيدة عنك والقريبة منك.

وأخيرا.. أخيرًا جاءت رسالتك طويلة مرهقة:

فى أوقات الحرب توجد لحظات فاصلة تشعر فيها بأن لديك أحلامًا كبيرة (أوصغيرة).. لكنها مهما تعاظمت أو تضاءلت فلن تكون أهم من صورتك التى تحاصرنى بألوان الأمل والحب والحرية التى أتشبث بها فى هذه الصحراء الموحشة ، تلك النجوم المتلألئة التى تظلل الصحراء ما أبعدها في جوف الظلمة، ما أقربها حينَ تُحاكي عينيكِ الشقيتين اللامعتين حين تقولان أى شيءٍ وحين تضحكان..

هنا وسط حصار الألغام وفوارغ الرصاص المتناثر حولى أتابع خطواتكِ كالطيف، تصعد لتلمس السماء السابعة.. وتسقينى كاسات خمر لم أذق مثلها من قبل.. أمكث فوق إحدى الصخور المرتفعة متفاديا آثار حرب أظنها لن تنتهي.. أنا نفس الشخص الذى يحبك وينتظر حبة الكريز التى أعادته إلى الحياة بين شفتيك الممتلئتين بأحلامٍ لا حدود لها ولا حراس ولا أبواب، أرى معك معنى آخر للأمل والفرحة والإحساس بشمس الحرية التي ستشرق ذات صباح.. أمسك بورقة ملطخة بدماء أحد الشهداء البواسل، أسلم أمانته على نفس الأرض التى طالما وقف يدافع عنها ببسالة، فاحتضنه ترابها الأكثر حنانا من حضن أم لولدها.

أرهقنى لون الدماء المتناثر على الورقة، وفتح لى بابًا آخر وجدتكِ خلفه تبتسمين، الابتسامة التى تملؤنى وتحتضننى حتى الذوبان.. فأمسك بقلمى لأكتب عن شىء أظنه الأعمق والأهم فى حياتى: أنت ولقاءاتنا الطويلة الساخنة والباردة ولمساتك التى أدركت أنها ترغب فى محو لمسات لنساء أخريات غيرن حياتى ووضعن بصماتهن على جسدى.. فلم تكن صفحتى بيضاء ولكنها ليست سوى مجموعة من بصمات نساء أحببتهن وأحببننى أو هكذا كنت أظن قبل أن أدرك معنى الحب فى لمساتك الناعمة الساخنة.

دائما ما كنت تحاولين محو تاريخ الأخريات، لكنك لم تدركي أن هذا التاريخ هو تاريخى معهن وهو نفسه التاريخ الذى قادنى إليك، فلماذا العناد فأنا المغامر الذى فتح لك كتابه منذ يومنا الأول؟.. ولماذا لم تدركِى أنه لولاك لم أكن أنا.. وهو تاريخى الذى لم ولن أندم عليه يومًا.. فتاريخ الرجال فى مجتمعاتنا لا يكتب إلا على أجساد النساء.. فلستُ إلا رجلا ككل الرجال يسجلون انتصاراتهم فى غرف النوم المغلقة ودائما ما أنزل بأعدائى شر هزيمة، وربما يرفع بعضهن راية الاستسلام البيضاء أمام سحر عينى.

لم أكن أكتب وأصرخ لك بكل هذه الكلمات إلا ليقينى أنك تعلمين وتحبين ذلك القائد المظفر الذى دائما ما يتباهى بانتصاراته، لكنك لم تدركي أن أميرك الفاتح لن يتنازل عن خوض معارك جديدة وفتوحات أخرى ليزين حُلّته بالنياشين والانتصارات، وتبقي أنت عاصمة بعيدة، يشتاق إليها ويأنس لها، ينتظر لقاءاته معها عند شاطئ البحر الذى طالما جمعنا وتلاقينا عنده؟ فلم تكونى أبدا أرضا للمعارك ولكنك وطن.

صدمتني رسالتك.. فأنا لن أقبل أن أكون رقمًا في سجلات انتصاراتك وفتوحاتك ولا أريد أن أكون وطنًا لمسافر بلا عنوان..

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق