رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لافروف وشويجو.. ثنائى العقل والقوة فى فريق بوتين

د. سامى عمارة

كثيرا ما تتداول الألسنة فى موسكو حين يحتدم الجدل حول قضايا الحرب والسلام ، وحين تشتعل الأزمات الدولية مع بلدان الخارج، «من لا يعجبه لافروف، عليه أن يقبل صاغرا شويجو !». والكناية هنا جلية، واضحة، لا لبس فيها. وتشير إلى أن من يرفض الاستماع إلى «صوت العقل» من جانب عميد الدبلوماسية الروسية والعالمية سيرجى لافروف وزير الخارجية، لن يكون أمامه سوى الانصياع إلى «صوت القوة»، من جانب سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسي، الذى طالما حظى بموقع «الجوكر» فى فريق الرئيس بوتين.

لم تكد تنحسر «فورة» الاحتفالات والاعجاب بسيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية بمناسبة بلوغه السبعين من العمر، حتى احتفل صديقه سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسى بعيد ميلاده الخامس والستين. وزامل شويجو لافروف فى كل الحكومات الروسية منذ عام 2004، وإن تباينت مناصبه فى هذه الحكومات والحكومات السابقة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. فمن رئيس اللجنة الحكومية للأزمات والطوارئ، أقوى قوة ضاربة بعد وزارة الدفاع فى الدولة الروسية، وحتى تعيينه وزيرا لشئون الطوارئ، ومنها إلى وزارة الدفاع المدنى والأزمات والطوارئ، وحتى استقر راسخا فى منصب وزير دفاع روسيا الاتحادية.   

والجمع بين الشخصيتين المرموقتين، يعود إلى منصبيهما إلى جوار الرئيس فلاديمير بوتين الذى يعتز بهما أيما اعتزاز. وبهذه المناسبة نشير إلى أن الرئيس الروسى وبموجب النص الدستورى يظل صاحب الحق المطلق فى اختيار من يسمونهم بوزراء «السيادة» وفى مقدمتها وزارات الدفاع والخارجية والداخلية. ومن هنا كانت خيارات بوتين دائما إلى جانب لافروف وزيرا للخارجية، وشويجو وزيرا للدفاع، وهو الذى طالما حظى فى السابق بلقب «الجوكر» الذى يدفع به بوتين إلى المواقع الأكثر أهمية فى أكثر الأوقات حرجا وحساسية. ولعلنا نجزم بأن الثنائى «لافروف وشويجو» كان فى صدارة المستشارين الثقاة الذين وقفوا إلى جانب بوتين فى قراره حول «ضم شبه جزيرة القرم» إبان الأزمة الاوكرانية التى أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد، منذ اندلاعها فى عام 2014، فضلا عن الدور المحورى الهائل الذى لعبه الثنائى «شويجو ـ لافروف» فى العملية العسكرية الروسية فى سوريا إعتبارا من سبتمبر 2015 حتى اليوم.   

فمن يكون سيرجى شويجو الذى طالما أعرب كثيرون فى روسيا وخارجها عن شديد دهشتهم إزاء تمسك بوتين به، على الرغم من عدم انتمائه إلى «سان بطرسبورج» موطن الرئيس، والتى اختار منها الغالبية الساحقة من وزرائه ومعاونيه فى مختلف أنساق السلطة العليا؟.

يقول اللقب واسم الأب «كوجوجيت»، عدم انتماء سيرجى شويجو إلى القومية الروسية، أو أى من القوميات الأكثر تعدادا أو تأثيرا فى الدولة الروسية. فهو ابن جمهورية توفا التى لا يتعدى عدد سكانها المائة الف نسمة من القوم الرحل(!)، فى شمال شرق الدولة الروسية، وهى التى اختارها الرئيس بوتين غير مرة لقضاء إجازاته مع رفيقه سيرجى شويجو. أما عن السيرة الذاتية لشويجو، فتقول المصادر الروسية انه ولد فى 21 مايو 1955 عن أم روسية، وأب «توفي» القومية، طالما شغل أعلى المناصب الحزبية ومنها منصب سكرتير اللجنة الحزبية فى توفا، ونائب رئيس الوزراء. وتخرج سيرجى فى معهد الفنون التطبيقية متخصصا فى الهندسة المدنية، ليتدرج فى العديد من المناصب المدنية فى مجال الهندسة والبناء، حتى ولج منظمات الحزب الشيوعى السوفييتى التى حملته إلى العاصمة الروسية فى توقيت بالغ الحرج واكب ما جرى من أحداث وصراعات منها ما تعلق بالصراعات الشخصية بين ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسين. وما أن اختار موقعه إلى جانب يلتسين نائبا له فى اللجنة الحكومية للاسكان والبناء، حتى حظى بكثير من ثقة الانساق العليا للسلطة فى روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبما أسهم لاحقا فى توطيد مواقعه ليكون الشريك الأساسى فى كل الحكومات التى تشكلت منذ مطلع التسعينيات حتى اليوم والتى بلغ عددها 14 حكومة. ولم يكن بوتين ليفرط فى شويجو ليحتفظ به الى جواره، وأيضا فى مختلف المناصب التى أضاف إليها منصب حاكم مقاطعة موسكو، قبل أن يقع عليه خياره وزيرا للدفاع اعتبار من عام 2012. ولعلنا لا نغفل هنا ما أضافه شويجو إلى سجله الوظيفى من مناصب حزبية منذ شارك فى تأسيس حزب الوحدة الروسية وما قبله من تنظيمات استند إليها الرئيس بوتين فى لم شمل الدولة، والقضاء على الحركات الانفصالية التى كادت تعصف بوحدتها، فى تسعينيات القرن الماضي.

ومن اللافت أن شويجو الذى لم يخدم يوما فى صفوف القوات المسلحة، ورغم انه يحمل رتبة «جنرال الجيش»، لم يلق اعتراضا أو احتجاجا«مكتوما» من جانب جنرالات وزارة الدفاع وأطقمها القيادية، ممن سبق وتذمروا وأعربوا عن سخطهم وعدم قبولهم لسلفه أناتولى سيرديوكوف، القادم من أروقة تجارة الأثاث فى سان بطرسبورج ،والذى كان فرضه بوتين وزيرا للدفاع فى عام 2007 بحجة انه ضليع فى شئون الادارة. ولعل ما صدر من ردود الأفعال والتصريحات التى أعقبت تعيين شويجو تقول ان الخيار فى هذه المرة صادف أهله. فلم يمض من الزمن الكثير حتى استطاع شويجو كسب تعاطف وتأييد أبرز رموز وزارة الدفاع، بما أجراه من إصلاحات وتغييرات طالت عددا من أبرز القيادات التى كان سلفه فرضها فى الانساق العليا للقيادات العسكرية. وثمة ما يشير إلى أن ذلك كان أيضا سببا فى استعادة الكليات والمؤسسات العسكرية لسابق رونقها، وشعبيتها، ما زاد من أعداد القبول فى هذه الكليات والمعاهد العسكرية بمقدار يزيد على السبعة اضعاف.

وقد جمعت «الكيمياء الشخصية» بين شويجو ولافروف، ليلجآ بها ومعها سويا إلى ساحات الرياضة والصداقة الشخصية، وهما اللذان يعتبران فى صدارة الآليات التى طالما كان ولا يزال الرئيس بوتين يدفع بها لوضع أفكاره واستراتيجيته حيز التنفيذ، منذ الإعلان عن «آليات 2+2» التى تمسك بمختلف أهم الملفات الدولية، والعلاقات الثنائية مع أهم الدول شركاء روسيا. ونذكر أن تشجيع نادى «سبارتاك» لكرة القدم أحد أبرز وأشهر الاندية الرياضية فى الاتحاد السوفييتى والآن فى روسيا، يجمع بين.. لافروف وشويجو، إلى جانب حبهما للأغانى واللعب على الجيتار وإجادة الالعاب النهرية.

   وفى هذا الصدد وبمناسبة احتفاله بعيد ميلاده السبعين فى مارس الماضي، لا احد يستطيع ان يغمط حق لافروف فى الاعتراف بقدر مهاراته الدبلوماسية . وعلى  الرغم من ان لافروف، يبدو غالبا جاد الملامح عبوسا متجهما ، شديد التمرس فى الدفاع عن مواقفه والتى يمضى معها فى مقارعة الخصوم إلى أبعد مدى حتى وان كلفه ذلك احيانا الخروج عن المألوف، واستخدام أكثر الألفاظ حدة بما فى ذلك «البعيدة» عن العرف الدبلوماسي، وما قد تندرج تحت « يعاقب عليها القانون»، مثلما حدث فى سجاله مع نظيره البريطانى السابق ديفيد ميليباند لدى مقارعته حجج أحقية بلاده فى اتخاذ ما أقرته من مواقف وسياسات ردا على غزو جورجيا لاوسيتيا الجنوبية فى اغسطس عام 2008، فإنه يظل هو نفسه الضحوك المولع بتبادل النكات والقائها، واللجوء إليها فى حال تطلبت أحرج المواقف، وأكثر الأزمات الدبلوماسية حدًة، لتجاوز اللحظة، أو لتهيئة الأجواء لطرح ما يراه من رؤى وآراء. أما عن هذه المواقف والرؤى فهى فى حياة سيرجى لافروف كثيرة تتعدى حدود نشاطه المهنى اليومي، ومنها ما ارتبط بدفاعه المستميت عن حقه فى التدخين والذى تطلب ذلك يوما مقارعة الأمين العام للأمم المتحدة وتحديه له بالتدخين فى مكتبه. ويذكرون له أيضا إصراره على انتزاع اعتذار السلطات الأمريكية جراء تعدى أحد رجال الشرطة على حقوقه وحصانته الدبلوماسية، بانتزاعه مفتاح سيارته فى شوارع نيويورك. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق