«الحكاية قسما عظما ليست حكاية رِتم ولا نص ولا سيمفونية ولا شوبان ولا حسب الله ولا إيقاعات ولا مقامات، الحكاية نغمة تدخل قلبك تسكن روحك، تزلزلك، ترقصك»
بكلمات تُطرب القارئ بدأت سناء البيسى كتابها الجديد «دندنة»، الصادر أخيرا عن دار نهضة مصر.
من بداية الكتاب ينفتح الستار عن عالم أشبه بأفلام زمان فى لقطة لذكريات الكاتبة عن منزلها الكلثومى النزعة على حد قولها، والصالون المذهب، وزيارات الأقارب، وبيانو جهاز الست الوالدة لتبدأ البيسى بعزف لحن موصول لا ينقطع تتحدث فيه عن شخصيات عالم «عظمة على عظمة ياست»، و»تانى تانى لأجل النبي».
تؤرخ البيسى فى كتابها لأولى مدارس الموسيقى المصرية التى ظهرت منذ فجر الإسلام فى حنجرة سيرين مولاة حسان بن ثابت وتلميذتها عزة الميلاء وغنائخهما، ثم يتوالى حديثها عن المحطات الجوهرية فى مسيرة الموسيقى المصرية عبر عقود القرنين الماضيين.
10 ملحنين و14 مطربا و10 آخرين من الشعراء ومؤلفى الأغانى كتبت عنهم البيسى ليس بطريقة عابرة وإنما بتوقف مقصود عند النجاحات والأزمات، والإشادة والانتقادات، تقول البيسى «مكثت طويلا أدور فى فلك صناع النغم وصياغ الكلم وسلاطين الطرب وأساطين الألحان وأساطير الدندنة، وسافرت على أجنحة التواشيح والطقاطيق والموال والدور».
فكان من بين من كتبت عنهم عبده الحامولى الذى يمثل نقطة البداية فى الموسيقى المصرية بعد أن كانت التواشح التركية والسورية هى السائدة، ثم تحدثت عن السلطانة منيرة المهدية التى احتشد حولها العظماء والكبراء لسماع أغانيها ضد الإنجليز. وفى حديثها عن أم كلثوم تقول البيسى «لم أكن أعرف أن الأذن ترى إلا من بعد أن أصبحت الخميس التى تطل فيها أم كلثوم على الناس ليلة مقدسة»، ثم تستطرد فتضع النهر الخالد أو محمد عبدالوهاب وحده كنموذج فريد وتاج على جبين الغناء العربي.
وتنسج الكاتبة فى أجزاء كثيرة من الكتاب خيطا متينا بين الفن والسياسة والتاريخ، فتذكرنا مثلا بابن الأمراء فريد الأطرش الذى عايش ثورة سلطان باشا الأطرش الشبيهة بالثورة المصرية، وتتابع حديثها عن شخصيات الطرب فتكتب عن أسمهان «العمر القصير والفن المديد»، والرقيقة ليلى مراد «مطربة الملك فاروق المفضلة، وعبدالحليم الذى اتفق مع إيقاع العصر السريع ولم يتطلب مجهودا فى الاستماع إليه، و فيروز المرأة القوية الأبية التى رفضت الغناء لأى حاكم عربي، كما اعتبرها الإسرائيليون خطرا عليهم، وتتابع الكاتبة حديثها عن قامات كبيرة فى الطرب والتلحين.
ولا يفوت سناء البيسى فى مسيرة الدندنة الحديث عن صائغى الدرر وأصحاب الكلمات فى عالم الطرب الأصيل، فتزيح الستار عن أحمد شوقى الإنسان وكيف كان يدعك بشرته بفص ليمون ليزيل اسمرارها مثلما كان يفعل السادات، وتحكى عن بديع خيرى الذى نسج بكلماته مع ألحان سيد درويش «بلادى بلادى لك حبى وفؤادي»، و»الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية»، ثم تنتقل للحديث عن أحمد رامى الذى رفضت أم كلثوم الزواج منه لإيمانها بأن الحرمان يشعل عواطف الفنان.
وفى مسيرة «دندنة» تعلق البيسى على الحال الذى آل إليه الغناء الآن قائلة «وسط العناء وفقر الطرب الذى نعيش فيه ووسط التشابه المربك بين ما نسمعه من هذا وذاك بحثت عمن يغنون حلو المعانى وأجمل النغمات، الذين كانت لكل منهم مدرسة فى الغناء».
رابط دائم: