أصبح العالم مشغولا طوال الأشهر الماضية منذ انتشار فيروس كورونا، بما يجرى فى المدن الرئيسية فى مختلف الدول، ويتابع تطورات الفيروس، ما بين صعود وهبوط أعداد الإصابات أو الوفيات، بينما كانت هناك تجمعات ومناطق ومدن وبلاد أخرى لم تلتفت إليها هذه التغطية للفيروس، على الرغم من أن الخسائر التى لحقت بها لا تقل سوءا عما أصاب المدن الرئيسية.
وكما قال أحد الأطباء المتابعين لتلك المحنة الإنسانية، إن العالم بكامله يكاد يقف صفا واحدا تقريبا فى مكافحة فيروس كورونا، ويجرى فى هذا الإطار مشاركة فى الخبرة، وتبادل المعلومات بين الدول وبعضها البعض، وإن لم يكن ذلك بين جميع دول العالم. ويضيف الطبيب : لكن الملاحظ أننا ونحن نتابع ما يخص المدن الرئيسية لم نلتفت إلى مدن وتجمعات وبلاد أخرى وكأننا قد تجاهلناها عمدا.
مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية سعت للوصول إلى مواقع لم تنل ما تستحق من الاهتمام، وكلفت نحو عشرة من المحررين والكتاب، لإلقاء الضوء على حالتها، حتى وإن كانت فى بقاع نائية، أو فى أماكن لا تجذب إليها الأنظار عادة. لكن ما فعلته فورين بوليسى ، لم يكن فقط تسجيل معلومات، لأن ما تكشف ربما يوسع نظرة دول العالم، والخروج من دائرة النظرة المحدودة، حيث يتبين لها أن هناك آخرين يمكن أن تؤثر مشكلتهم على هذه الدول، بحكم أن الخطر الفيروسى عابر للحدود، منذ صار العالم بأكمله عبارة عن قرية كونية.
كانت المواقع البعيدة عن دائرة الضوء متنوعة وهى كالتالي:
أكثر من 25 مليون لاجئ يقيمون فى مخيمات حول العالم، وهم الذين وصفهم مسئولو الأمم المتحدة بأنهم الأكثر والأشد تعرضا للإصابة بفيروس كورونا، عند انتشار الموجة الثانية من الفيروس لتصل إلى الأماكن شديدة الازدحام، خاصة بعد تقلص ميزانيات المعونة التى تقدم لهم نتيجة للأزمة الاقتصادية.
الأيدى العاملة فى قطر والقادمون من دول أخرى خاصة من قارة آسيا، الذين مازالوا يكدحون فى بناء الإنشاءات المطلوبة لكأس العالم عام 2022. وهؤلاء القادمون من غرب آسيا، هم الأكثر تعرضا للإصابة بالوباء، فهم يتعرضون لاستغلال سيئ للعمالة، ويعيشون فى أماكن مغلقة، ولا تتاح لهم فرص العلاج والرعاية الصحية، وهى ظروف أدت بالفعل إلى موت مفاجئ لكثير منهم ولا تعرف أسبابه.
وفى غزة، يمكن لانتشار الوباء أن يحدث أزمة إنسانية فى القطاع، وأن إسرائيل تشدد قبضة حصارها على غزة، التى تنقصها البنية التحتية للرعاية الصحية، للتصدى للوباء. ونتيجة لانتشار وباء كورونا فى إسرائيل، فإنها أغلقت المنافذ التى يمكن أن تسمح لأشخاص من غزة بالعلاج فى مستشفيات إسرائيلية.
وفى السنوات الأخيرة، تعالت أصوات ونشرت مقالات ودراسات بالصحف الأمريكية، تحمل شكاوى الطبقتين الوسطى والفقيرة، مع تزايد حالات انعدام المساواة فى المجتمع الأمريكى لمصلحة الأكثر ثراء. ثم جاءت مجلة فورن بوليسى لتكشف عن بعض جوانب هذه المسألة. فقد اتضح أن فيروس كورونا يهدد قطاعات ليست فى الحسبان وهي: قطاعات اللاجئين والعمالة المهاجرة، الذين لا يتاح لهم التمتع بالرعاية الصحية، وتتدهور أحوالهم إذا فقدوا وظائفهم، وعلى سبيل المثال فإن المسئولين عن بعض الولايات الأمريكية، أوضحوا أن الوباء أثر على المواطنين من أصول إفريقية أكثر من تأثيره على غيرهم، وهو ما يعكس حالة انعدام المساواة التى طال أمدها، وألقى فيروس كورونا الضوء عليها.
كما تتكون معالم أزمة إنسانية داخل السجون، وأن الولايات المتحدة ودولا أخرى مثل فرنسا وألمانيا، قررت إطلاق سراح مساجين، أو تخفيض الفترات المحكوم بها عليهم، لكن ذلك لم ينطبق على مساجين ارتكبوا أعمال عنف.
وتعد المشكلة كبيرة فى نطاق الهجرات التى هرب أفرادها من بلادهم، خاصة فى الشرق الأوسط، وهؤلاء يعانون من سوء التغذية والأمراض التى تضعف جهاز المناعة، وهؤلاء لاجئون مهمشون فى مناطق إقامتهم، ويصعب وصول الرعاية الصحية إليهم.
هناك أيضا طالبو اللجوء من حدود المكسيك إلى الولايات المتحدة، وعددهم نحو 2500 شخص، وليست لديهم إمكانات مكافحة كورونا. ويسيطر على طالبى اللجوء إلى الولايات المتحدة، قلق بالغ من زيادة معاناتهم، وإغلاق الأبواب أمام حل مشكلتهم، إذا أغلقت الولايات المتحدة حدودها الجنوبية.
وهناك مشكلة إنسانية أخرى تهز الضمائر نتجت عن هروب جماعى من مسلمى الروهينجا من ميانمار، بسبب الاضطهاد، وتوجههم كجماعات كبيرة نحو بنجلاديش، وبقائهم داخل مخيمات على الحدود، وهؤلاء تنقصهم مثل من هم فى مثل ظروفهم، الإمكانات الصحية لمواجهة الوباء.
يكمل هذه الرؤية من فورين بوليسي، ما أعلنه أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، فى نقاش للجمعية الصحية العالمية التى تضم 194 دولة، وهو يلفت الأنظار إلى امتداد فيروس كورونا إلى بقاع بعيدة، حين قال إن الفيروس الذى انتشر فى العالم، يتجه الآن نحو الجنوب، حيث يمكن أن يخلف وراءه آثارا أشد تدميرا، فالعالم يدفع اليوم ثمنا باهظا نتيجة تباين الإستراتيجيات بين الدول، على الرغم مما شهده العالم من حالات تضامن، لكن لم يكن بها الكثير من الوحدة بين الدول، فى التصدى لكوفيد-19.
رابط دائم: