الجمال ليس بالضرورة مقترنا بالغباء أو ضيق الأفق ومحدوديته، على النحو الذى يعتقده كثيرون، بل قد يكون فرصة عظيمة ومناسبة رائعة لتحقيق الأثر المنشود من رسالة بليغة موجزة، لا يتجاوز زمن عرضها دقائق معدودة.
ولا أدل على ذلك من التوجه الذى بات يسيطر على ساحات الموضة وعروض الأزياء حول العالم منذ نهايات عام 2000، من أجل التعبير عن أراء دور أزياء بعينها، أو «عارضات أزياء» أو حتى بعض النشطاء حول قضايا شتى، بدءا من العنصرية وعمالة القاصرات وتقبل الآخر، وحتى حقوق الحيوان ، ودعم شخصيات عامة فى مواجهة قضايا أخلاقية.
الأمر لخصه باختصار مصمم الأزياء الأمريكى الشهير برابال جورنج فى تصريحه لموقع «هوليوود ريبورتر» الأمريكى، عندما أكد أن « الناس خارج عالم الأزياء، وحتى داخله لا يعتبرون العاملين فى صناعة الجمال أذكياء ، إنها معركة متواصلة ، لكننا نمتلك المنصة والجمهور، فماذا يمنعنا؟».
الأمثلة فى هذا الصدد عديدة ، ولعل أقربها للأذهان ذلك الجدل الذى أثارته عائشة تان جونز إحدى عارضات دار أزياء إيطالية شهيرة فى سبتمبر الماضى، عندما انتقدت العرض الأخير المستوحى من «سترات المصابين بأمراض نفسية أوعقلية»، لترفع يديها للجمهور أثناء العرض ، وقد كتبت عبارة «الصحة النفسية ليست موضة». وأضافت عائشة فيما بعد على حسابها الشخصى على موقع انستجرام ، قائلة « كفنانة وعارضة مرت بصراعاتها الخاصة مع الصحة النفسية، فضلا عن حالات الاكتئاب والقلق والاضطراب التى أصابت أفراد عائلتى، أرى التصميمات الجديدة ،التى طرحت من أجل لحظة موضة عابرة، مهينة جدا».
دار الأزياء ، من جانبها ، سارعت لتبرير موقفها للرأى العام العالمى ، مؤكدة أن التصميمات الجديدة غير معروضة للبيع ، وأنها حرصت على تضمينها خلال عرضها الأخير للإشارة إلى «السلطة التى يمارسها المجتمع فى كبح حقوق الآخرين فى التعبير».
المشهد الجدلى فى ميلانو الإيطالية ، سبقه آخر فى نيويورك العام الماضى أيضا، عندما دافعت دار أزياء أمريكية معروفة عن السود وحقوقهم، عبر كتابة رسائل واضحة للمجتمع الأمريكى على معروضات مجموعتها الجديدة ، شملت عبارات مثل « يجب أن ترونا الآن» ، و «كفوا عن الاتصال ب 911 بسبب الثقافة»، فى إشارة إلى المكالمات الهاتفية المتكررة التى تلقتها الشرطة مؤخرا بسبب «ممارسات عادية جدا» للسود فى إحدى مقاهى المدينة، إذ أشارت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إلى أن شكوى المبلغين فى بعض الأحيان تكون من وجود أصحاب البشرة السمراء فى حد ذاته بالمكان، دون رصد شىء مخالف بعينه.
وبعيدا عن هذا وذاك، فإن دور الأزياء العالمية، اعتادت خلال عروضها الخاصة على قيام بعض نشطاء الجماعات الحقوقية باجتياح منصات العرض، لرفع شعارات معينة، أو كتابة عبارات على أجسامهم يدافعون بها عن حقوق الحيوانات ضد الصيد الجائر، بهدف الحصول على فرائهم، أو ضد استغلال المرأة كسلعة جنسية فى الإعلانات من أجل تحقيق مكاسب مادية رخيصة، وغيرها من القضايا والشعارات.
لكن ربما أطرف ما شهدته عروض الأزياء العالمية، هى تلك العبارة التى رفعها أحد عارضى دار بريطانية ذائعة الصيت على قميص أبيض كتب عليها « لا تقتلوا أنجيلا ميركل» ، فى إشارة إلى المستشارة الألمانية الملقبة بالمرأة الحديدية. الغريب فى الأمر أن صاحب بيت الأزياء لا يعرف شيئا عما قام به ذلك العارض ، مما دفعهما للتشابك بالأيدى بمجرد انتهاء العرض.
سواء شاءت دورالأزياء أم أبت ، فإن منصات عروضها الضخمة، تحظى باهتمام إعلامى بالغ، وبالتالى فإنها قادرة على لفت أنظار الرأى العام العالمى لقضية بعينها ، حتى وإن استغرق عرضها بضع ثوان.
رابط دائم: