«بالرغم من سعادتى بالعودة إلى العمل ، إلا أننى لم أكن بنفس الروح التى كانت لدى عندما كان أطفالى فى المدرسة أو إحدى دور الرعاية الصيفية» … كانت هذه هى كلمات كيارا مونتى مصممة نسيج فى إحدى شركات الديكور بعد عودتها إلى عملها أخيرا لتنضم إلى ملايين الإيطاليين العائدين إلى عملهم بعد ما يقرب من شهرين من إجراءات الإغلاق التى اتخذتها الحكومة للسيطرة على فيروس كورونا . وعلى الفور ذهبت مونتى إلى شئون العاملين مطالبة بتقليل ساعات عملها ، فلا يزال أطفالها الثلاثة الصغار فى المنزل نظرا لعدم عودة الدراسة ، مما جعلها تتركهم مع والدتها ، بالرغم من أن كبار السن هم الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات العدوى، إلا أنها لم يكن أمامها خيار آخر فى ظل الخيارات المحدودة التى تقع أمامها.
وتعد الأزمة التى تمر بها مونتى هى لسان حال العديد من الأمهات العاملات فى إيطاليا، فمنذ أن قامت البلاد أخيرا برفع بعض القيود التى فرضتها فى مارس الماضى إثر إعلانها أنها بؤرة تفشى الوباء فى أوروبا وقيامها بفرض قيود الإغلاق كأول دولة أوروبية،عاد نحو أربعة ملايين إيطالى إلى العمل ،ووجدت الآلاف من النساء العاملات أنفسهن فى مأزق، خاصة أن المدارس ودور الحضانة والرعاية النهارية والمخيمات الصيفية مغلقة ، مما جعلهن يشعرن بأن الحكومة الايطالية لم تقدم لهن ما يكفى للتصدى التحديات التى تواجهن ،خاصة أن الإجراءات التى اتخذتها الحكومة لا تفى بالغرض، ولذلك تخشى كثيرات منهن من الاضطرار على إجبارهن الاختيار بين وظائفهن وعائلاتهن مع عودة الدولة إلى الحياة مرة أخرى .
وكشف تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن دراسة حديثة تؤكدعدم وجود مساواة بين الجنسين فى البلاد، فالنساء يتحملن قدرا كبيرا من مسئوليات رعاية الأطفال وحدهن، ولذلك يرى كثير من الخبراء أن هذه الأوضاع سوف تسهم فى زيادة إلقاء الأعباء على الأمهات العاملات فى إيطاليا ،ويأتى ذلك فى الوقت الذى يبلغ فيه متوسط توظيف النساء فى إيطاليا 54 % من القوى العاملة فى البلاد . كما أكد التقرير أن عودة النساء العاملات إلى العمل مرة أخرى بعد تخفيف الإجراءات الاحترازية يجعلهن يعملن تحت وطأة ظروف صعبة ، ليشعرن بضغط شديد عليهن .
واستعرض التقرير آراء العديد من النساء العاملات فى إيطاليا اللاتى عدن إلى عملهن مرة أخرى، فتقول ديانا بالومبا ، محامية وأم لثلاثة أطفال تعيش فى فلورنسا: «إنها دراما ، ومشكلة داخل المشكلة ،فلا يحق للحكومة أن تلقى كل شيء على أكتاف الأسرة ،فالوضع الحالى ترك العديد من النساء الإيطاليات فى ورطة». مضيفة أنه خلال فترة الإغلاق ، وجدت نفسها فى المنزل يدرس طفلها فى المرحلة الابتدائية ، وكان التعلم عن بعد يمثل تحديا كبيرا بالنسبة لها بجانب عملها من المنزل. أما أليساندرا سبادا - والدة لطفلين - فتقول: «لقد تركت أطفالى فى المنزل وحدهم ،وما يزيد الأمر صعوبة ، إغلاق الشبكات الاجتماعية الإيطالية التى عادة ما تدعم الأسرة مثل الكنيسة وبرامج ما بعد المدرسة والمراكز الرياضية» .وتلتقط دى مارشى طرف الحديث قائلة « إن المسئولين الحكوميين فى ميلانو يحثون الشركات على السماح للأشخاص بمواصلة العمل من المنزل حتى تتوافر المزيد من الحلول للأسر، لكن العمل من المنزل له تحدياته الخاصة».ويقول جيجى دى بالو رئيس منتدى جمعيات الأسرة: « عائلة مثل عائلتى لا تعرف ماذا تفعل ،فالمشكلة الحقيقية هى أن مقترحات الحكومة ليست قائمة على الواقع ، فهى لم تستمع إلى آراء الأسر» . ويضيف دى بالو» أنه فى حين تم منح الشركات والأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص مساعدات مالية ، مثل منحهم قروضا مصرفية مدعومة بالإضافة إلى تأجيل دفع القروض، تم استبعاد العائلات من تلك المزايا الحكومية» .
وفى هذه الأثناء قامت بعض الناشطات الحقوقيات فى إيطاليا بالعمل على إيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمة ، فقد قامت كريستينا تاجليابو- ناشطة نسوية - بالضغط على الحكومة لإعادة فتح المدارس باعتباره الحل الأفضل للأمهات العاملات اللاتى يجب عليهن العودة إلى العمل ،علاوة على ذلك أطلقت أيضا حملة على وسائل التواصل الاجتماعى تحمل اسم « لسنا هنا» فى إشارة منها إلى أن العائلات التى لديها أطفال لم يتم أخذها فى الاعتبار عند رفع القيود.وقالت إنه على الرغم من وجود كثير من فرق العمل واللجان لمساعدة الحكومة على اتخاذ القرارات فى ظل الظروف المستجدة للوباء ، فإن النتائج كانت سيئة بالنسبة للأسر» . كما صرحت دى مارشى ، عضو المجلس البلدى للحزب الديمقراطى فى ميلانو « إنه من المخجل مشاركة عدد قليل من النساء فى اللجان المختلفة التى تقدم المشورة للحكومة أثناء الأزمة». مضيفة «إن هذا الاستبعاد يعكس انحيازا ثقافيا راسخا يتجاهل احتياجات الأسرة ، مثل حلول رعاية الأطفال فى مثل هذه الأزمات».
على الجانب الآخر قامت الحكومة الإيطالية باتخاذ بعض الخطوات والإجراءات لمساعدة النساء العاملات والتى وصفت بأنها ليست كافية ، وكان أهمها منحهن 15يوما إضافيا من رصيد الإجازة السنوية ، ومنحة تعطى لمرة واحدة قدرها 600 يورو كمساعدة لدفع رواتب جليسات الأطفال ،كما أعلنت الحكومة الأسبوع الماضى أنها بصدد تقييم خطة لإعادة فتح دور الحضانة والرعاية النهارية بحلول الصيف، ومن المتوقع إعادة فتح المدارس فى سبتمبر المقبل. وفى الوقت نفسه صرحت إيلينا بونيتى وزيرة التضامن والأسرة، بأن هذه الإجراءات ليست كافية حيث قالت «لقد أبلغت الحكومة بضرورة وضع استراتيجيات طويلة الأجل من خلال مد إجازة الرعاية الأسرية وتجديد قسيمة جليسات الأطفال وتقديم شيك شهرى لإعانة الأطفال والأسر حتى نهاية العام». غير أن مطالبها لم تلق آذانا صاغية .
رابط دائم: