رئيس مجلس الادارة
عبدالمحسن سلامة
رئيس التحرير
علاء ثابت
امتطى الوقت زمنا للحالة على صهوة جياد النور، وجاب فى الرحاب الواسعة يبتغى الوصل والاتصال، صال وما جال، وانبرى يبحث فوق الثرى، عن المعنى عن إجابة للسؤال، عن القرب المحال. عاد منسلا من الوجد متأملا الوعد بما تيسر من زمن الوصال، دلف إلى المشفى، وجد الشيخ؛ وتده، راقدا فى غيبوبته كما هو منذ ليال طويلة وصباحات عديدة، أجهزة التنفس الصناعى تضخ الهواء فى الرئتين، ولكنه هواه خارج المشفى والمعفى. رأه يتوضأ بالنور، ولا يدرى أنه لا يدرى، يغترف من النور غرفة بيديه ويغسل الوجه والذراعين ثلاث مرات ويكمل الوضوء فى حضرة الغيب عن الوعى، ووعى الحضرة الغائبة عن غير العارفين. تذكر ما قرأه بالأمس فى «الموقف والمخاطبات» للنفري: « قال لى»: اليد التى لا تسألنى حتى ابتدأ يدى، واليد التى لا تأخذ إلا منى يدى، واليد التى لا تسأل غيرى يدى» جابت عيناه محيطة الغرفة، حاملا هم التفكر متأملا نسيان التذكر المألوف. ألقى نظرة على وجه الشيخ المسالم الصافى الهائم فى عوالم أخرى. ثم آثر الخروج بعيدا بعيدا. دون قصد، يسير على طريق مشدودا إلى حاله بينما تتناهى إلى مسامعه أصوات لأطفال يلعبون وباعة ينادون على سلع تخشى البوار، وسيارات متشاحنة، وأخرى مصفوفة فى مواقع الانتظار. قادته قدماه إلى ظهير المدينة الساحلية حيث الصحراء الممتدة التى تقابل زرقة مياه البحر اللامتناهية. لم تكن هذه الصحراء الواسعة الشاسعة الا سجادة الروح يطأها السالك بحثا عن النبتة عن الواحة، عن الإشراقة فى السياحة، فإذا وجد مبتغاه تاهت نفسه فى اللامنتهى، فيظل البحث ساريا عن المجهول الذى لا يكشفه معلوم، «كلما تسعت الرؤية ضاقت العبارة». رمال صفراء ناعمة، وأخرى خشنة داكنة هجينة بالتقاء الرمل بالطين وماء المطر الضنين، ونباتات شوكية شاردة وأخرى حقلية منتظمة روض فيها الإنسان حرية الإنبات فصف الحقل صفا صفا، وأحاطها بأسوار صغيرة تغلقها وتبعدها عن طبيعة الصحراء المفتوحة. عاد إلى البيت، مع الغروب، دقات القلب تستغفر، اللسان فى صمته يسبح، والفضل عند صاحب الفضل لا مرفوع لا ممنوع. لا تزال الأسئلة الكبرى محلقة فى سماء الروح، والريح ترسل فى طقس الذات شفيرات، هل كان محقا فيما مضى، هل حقا مطمئنا لما هو أت؟ سنوات عمره الخمسون تلف حول بندول الذاكرة تطوف بالوجد والحنين وتغزل السؤال فى السؤال، تبحث عن اليقين، هل أدى بحق ما عمل، هل اختار الطريق أم الطريق هى التى اختارته. هل توقف عن الإشارات الحمراء أم ان العصافير لا تعنيها إشارات المرور؟ يجتاح الذات فيض السؤال، ويدور مع الوقت، يتقولب فى همسة ريح، جريح، من ظهر الزمان. ادركه الظلام، دلف إلى الشرفة ونظر إلى السماء قمر ونجوم بعيدة متناثرة، وربما متحاورة بلغة لا يفهمها. كم سنة ضوئية مرت منذ انفجر هذا النجم البعيد وأرسل ضوء انفجاره فى فضاء لا محدود؟ هل شعر بانفجاره أحد؟ وهل أدرك مآله بعد طول حياة فى سديم الكون؟ بريق النجوم يلمع فى سكون، يحكى حكاية الكون غير المكتوبة. السماء صافية يغشاها جلال، نسمات هواء ترطب الوجه الصهيد، راقت له النسائم ربما تبعث برسائل من الكتاب المنظور، تمتم تسابيح وأذكار وفاضت فى الروح أنوار، وسلك مسالك وبحار، أبصرها تغتسل فى محيط من نور، ثم تدور حوله تنور، و تسرج أحلاما هلامية. فاق من غفوته، دون كل ما ترأى له وحمل ما كتبه وذهب إلى شيخه، وسكب على ناظريه الحال.فابتسم فى صمت قابضا على السؤال الإجابة والإجابة السؤال.