أنا رجل فى الثالثة والأربعين من عمرى, وزوجتى سيدة فاضلة, ومن عائلة مرموقة, ووضعنا المادى فوق المتوسط, وقد ظللنا نحيا حياة هادئة ومستقرة لم يعكر صفوها شئ, ثم انقلبت أوضاعنا فجأة, حيث حضرت زوجتى لقاء مع مجموعة من صديقاتها, ودار الحديث حول الأبراج, ومدى توافقها مع بعضها, وعندما عدنا إلى البيت أعادت على مسامعى ما دار فى حوارهن, وراحت تفتش بمكتبة البيت وفى كل المكتبات العامة ولدى باعة الصحف عن كتب الأبراج وأصبحت تطالع أبواب الحظ بانتظام، وصارت حياتنا مرهونة بالأبراج, حتى إنها أخضعت كل من يتعاملون معنا لمفهومها وقناعاتها الشخصية فيما تتخيله حقيقة, أما من لا تعرفهم فإنها تبادر كلا منهم بسؤال عن تاريخ ميلاده, لكى تعرف إلى أى برج ينتمى ثم تصدر عليه حكمها, وتتوهم طريقة تفكيره وردود أفعاله، وتطورت حالتها بشكل سريع جدا لدرجة أنها لا تغادر المنزل فى اليوم الذى تجد فيه حظها عاثرا, وتؤجل قراراتها إذا قرأت مثلا أن برجها اليوم لا يسمح لها باتخاذ قرار.. كل هذا وأنا غير مصدق أن تتحول هذا التحول لمجرد حديث عن الأبراج فى جلسة مع الصديقات.
ومنذ أربعة أشهر طرق بابنا أحد معارفنا ومعه ابنه المهندس طالبا يد ابنتنا, ودار بيننا حوار عقلانى قطع تواصله سؤال زوجتى للعريس عن تاريخ ميلاده, فأجابها وقد بدت عليه علامة الدهشة من السؤال, فإذا بوجهها يتغير وتصمت تماما، ولا أدرى ما الذى شغلها وقتها, فهذا الشاب مهذب ومن عائلة معروفة, ويشغل مركزا اجتماعيا كبيرا برغم صغر سنه, وملتزم دينيا وأخلاقيا، وقد قطعت هذا الصمت بموافقتى المبدئية عليه, إذ لم أجد ما يعيبه, لكن زوجتى كان لها رأى آخر, حيث وجدت أن صفات برجه لا تتوافق مع صفات برج ابنتنا, فالرجل الثور لا يتوافق مع المرأة الأسد. والعلاقة بينهما غير ممكنة, لأن امرأة الأسد قوية الشخصية, ولا تدع فرصة لرجل الثور للتحكم فيها وفرض آرائه عليها بالقوة, وأن ابنتنا لا تستطيع الحياة مع رجل يفرض رأيه عليها بالقوة, حيث ستكون فى نظره امرأة متكبرة لا تحقق له مراده.. وهنا صرخت فى وجهها, وقررت أن أضع حدا لإقحام الأبراج فى حياتنا, وقلت لها إن هذه الخطبة ستتم رغما عنها, وأمرتها بأن تتخلص من جميع كتب الأبراج بالمنزل, وأمام ثورة غضبى نفذت ما طلبته منها، لكنها قالت لى إن الأيام سوف تثبت لك صدق كلامي.
واستطلعت رأى ابنتى فأبدت ارتياحها للعريس, وبالفعل أقمنا حفل خطبة كبيرا حضره كثيرون من الأهل والمعارف والأصدقاء, وظلت الأمور هادئة إلى حد ما, وظلت زوجتى بعيدة تماما عن ابنتنا وخطيبها, ولم تدل برأيها فى أى أمر يخصهما!
ثم كانت المفاجأة المذهلة بعد ثلاثة أشهر من الخطبة, إذ جاءنى خطيب ابنتى بصحبة والده, وأخبرنى بأدب شديد أنه وابنتى اتخذا قرارا بفسخ الخطبة, فسألته عن السبب فقال لى إن ابنتى متكبرة وترفض كل ما يناقشها فيه, وأن هذا الأسلوب لا يقبله, ولا يمكن معه أن يحقق ما يحلم به فى المستقبل من زوجة مطيعة لزوجها!
صدقنى ياسيدي.. هذا ما قاله لى بالحرف الواحد, وقد استمعت إليه فى ذهول, ثم تركنى وانصرف متمنيا لابنتى حياة سعيدة مع من يقبل بإملاءاتها, فأسرعت إليها لأعرف ماذا حدث بينهما, فإذا بها تقول لى إنه لا يحترمها, ويريد أن يلغى شخصيتها تماما, ليكون هو وحده المفكر وصاحب القرار فى كل ما يخص حياة الأسرة!.. عندئذ أيقنت أن هناك شيئا ما خطأ, وأن هذا الكلام يدخل فى باب التنجيم, الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذب المنجمون ولو صدقوا» أى حتى ولو تحقق ما قالوه بالصدفة.. بل لقد حدثتنى نفسى بأن ما حدث من فسخ خطبة ابنتى هو تمثيلية محبوكة من زوجتى التى ذكرتنى بما قالته لي، فجلست صامتا لا أجد ما أرد به عليها!
واليوم مر على فسخ الخطبة شهر كامل, لكنى مازلت فى حيرة من أمرى.. هل أنا جاهل أم أننى على حق؟, وهل من المنطقى والمقبول أن أخضع حياتى للأبراج وأبواب البخت أم لا؟ لقد أصبحت أفكر ليلا نهارا فى قصة الأبراج, ولم أصل بعد إلى أى نتيجة، فأين الحقيقة؟
> ولكاتب هذه الرسالة أقول:
الغيب نوعان.. مطلق لا يعلمه إلا الله, ونسبى قد يعلمه واحد ولا يعلمه آخر.. المطلق مثل الأعمار وما قدر للإنسان من أحداث لا يتوقعها, والنسبى مثل أن تكون على علم بشئ يخصك, ويستطيع من يسخر الجن أن يتعرف عليه من القرين الذى يخبره بكل ما يدور فى نفسك من خبايا وأسرار, وهو ما قد يلجأ إليه البعض، ومن ذلك قراءة الكف والحظ وغيرهما من الأمور التى حتى وإن صادفت الواقع فإنها لا تعبر أبدا عن شيء من الغيب الذى لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي.
والأبراج ما هى إلا نجوم تخيلها القدماء على أشكال الحيوانات وغيرها مما كان محيطا بهم فى بيئتهم.. والنجوم فى السماء أكثر من أن تعد أو تحصي, لكن نجوم الأبراج ثابتة وتقع فى دائرة البروج الموافقة لخط الاستواء على الكرة الأرضية, وهى تدور ظاهريا على مدى العام بسبب دوران الأرض حول الشمس.
وليست للنجوم أو لغيرها علاقة بمصير الإنسان وعلاقاته وكل ما يخصه, بل إن الأبراج لا يربطها أى رابط, وحتى نجوم البرج الواحد ليس بينها أى علاقة, وأحيانا تكون بين هذه النجوم مسافات هائلة لا يتخيلها عقل.
وقد ثبت فى صحيحى البخارى ومسلم من حديث عائشة رضى الله عنها وأرضاها أن أناسا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان, فقال لهم, ليسوا بشيء.. قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشئ أحيانا يكون حقا؟.. فقال الرسول: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرها فى أذنيه قر الدجاجة فيخلط فيها أكثر من مائة كذبة».
لذلك يجب ألا ننساق وراء الدجل, وأن تكون لنا وقفة مع كل ما يخالف الدين, وكلما أوكل الإنسان أمره إلى خالقه زاد إيمانه وهداه الله إلى سواء السبيل, أما من يلجأون إلى غير الله طلبا لشيء فقد انحرفوا عن جادة الصواب, وعاشوا حياتهم فى حيرة وقلق.
والآن فإن زوجتك أمام خيارين أحدهما سهل, وهو الانقياد إلى تصديق الأبراج والاستسلام لما تبثه فى عقلها ووجدانها, والآخر صعب وهو التمسك بالتعاليم الدينية وترك الأمر لله, فإذا هدتها الموازنة بينهما إلى الطريق السهل فإنها سوف تخسر نفسها وبيتها وتصبح أسيرة للشكوك والأوهام.. أما إذا اختارت الطريق الصعب فإنها تكون قد كسبت كل شئ، وأصبحت أكثر أمانا واطمئنانا. فلتنظر أيهما تختار؟!
وإنى أسألها: هل تدركين مخاطر هذا الفكر الخاطئ على مستقبل ابنتك بعد فسخ خطبتها بحجة أن برجها الأسد لا يتوافق مع برج خطيبها الثور؟.. وهل كل الزيجات الناجحة بحث أصحابها قبل الزواج عن مدى توافق أبراجهم.. أم أن الزواج الناجح له شروط أهمها التوافق الأسرى والاجتماعى والأخلاق والمادى؟
يا سيدي: أعلم أن كل شيء بقدر, وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك, وما أصابك لم يكن ليخطئك, وأنه لن يستطيع أحد أن يحدد ما سوف يحدث لك ولو للحظة واحدة, فالله وحده علام الغيوب وهو على كل شىء قدير، فدع الأمر له, واعلم أيضا أن التنجيم والسحر وغيرهما من الأمور المشابهة مجرد أوهام لا أساس لها ولا يجوز للمؤمن أن يشتغل أو ينشغل بها, فهى كفر وشرك بالله, وتثير فى النفوس مخاوف وهمية وتتسبب فى إساءة الظن بالآخرين, فالله سبحانه وتعالى هو النافع والضار..
فأسرع باحتواء زوجتك وابنتك, وأطلعهما على صحيح الدين, وليتك تزود مكتبتك بالكتب الدينية التى تشرح صحيح الدين, فتنهلون منها ما يشبع عقولكم بزاد الإيمان ويقربكم من الله ويبعدكم عن التنجيم والأبراج وما شابه.. ويبث فى نفوسكم الأمان والطمأنينة.
رابط دائم: