رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وفقا للأهرام
يرى أن هدف الأدب «التغيير»..
فى ذ كرى ميلاده.. يوسف إدريس يدافع عن «لمعانه» ويترك الحكم عليه للتاريخ

إدريس مع الاستاذين صلاح طاهر وتوفيق الحكيم بداخل" الاهرام"

يحل يوم 19 مايو الحالى، الذكرى الـ 93 لميلاد الكاتب الكبير يوسف إدريس الذي ولد عام 1927، وتوفى في الأول من أغسطس عام 1991. أنضم إلى كوكبة كتاب «الأهرام» مطلع السبعينيات، وكان دوما حاضرا على صفحاتها حتى بعد توقفه عن الكتاية المنتظمة. ومن أبرز الحوارات التي أجريت مع إدريس وكشفت الكثير عن أرائه واهتماماته، كان حوارا نشرته « الأهرام» بتاريخ 14 فبراير 1981 ضمن باب «حوار السبت»، وأجراه معه الصحفيان فتحي العشري وسلوي العناني تحت عنوان «مع الدكتور يوسف إدريس..أقول للشبان:تحابوا،تزوجوا،ثم كونوا أنفسكم بعد ذلك». وإلى جانب من نص الحوار..

من أنت؟

أنا كائن كاتب..

..........

وهو واحد من ألمع كتاب جيل الوسط الذي استطاع أن يترك بصماته واضحة علي فن القصة القصيرة محليا وعالميا.

جرئ..واضح..لهذا فكثيرا ماتقوم بينه وبين زملائه المعارك والخلافات.حاولنا أن نستدرجه الي الرد علي هؤلاء الذين هاجموه أخيرا لكنه كان أكثر منا ذكاء.قال:أنا احتشد في هذه الفترة لعمل كبير ولا أريد أن أوزع طاقاتي.

وقال يوسف إدريس:إن المجتمع يجب أن يعامل الكاتب معاملة خاصة..فالكاتب ليس شخصا عاديا ولا يجب أن يحكم عليه المجتمع بمقاييسه العادية،فليس السلوك اليومي للكاتب أو الفنان هو القضية،لكن القضية هي علاقته بالمجتمع من خلال مايقدمه له. فالدارس لشخصية الكاتب يجب أن يقتصر علي جوانب العبقرية والعطاء الفني فقط أما الجوانب الأخري فليست ملكا لأحد..الا إذا كان المقصود شيئا غير الدراسة الأدبية،وقبل أن يبدأ أي دارس في دراسته لأي من الشخصيات الفكرية أو التاريخية يجب أولا أن يجردها من الألقاب والأوصاف التي الحقها هو بنفسه...طبعا هؤلاء أخذوا أكثر من حقهم..وكانوا قلة في مجتمع منغلق فكريا..ثم إنهم كانوا يخدمون بعضهم بعضا..صنعوا خلية أدبية لايهاجمون فيها بعضا وتحالفوا للوقوف أمام تيار الحركة التقليدية الدينية واللغوية الذي كان يقوده الأزهر.

 


مع افراد اسرته فى اثناء رحله خاصه

 

لكن هذا الجيل مهد الطريق لجيل الوسط ليقدم عطاءه في مناخ مناسب؟

حارب هذا الجيل (الرائد) التيار الديني التقليدي ولكنه قدم لنا تيارا غريبا تماما عنا..فهو إما فرنسيا وإما انجليزيا أو ألمانيا.. لكنه أبدا ليس مصريا، وكان علي جيلنا (جيل الوسط) أن يحارب هذه الفرنجة ويتجه ناحية المصرية الحقيقية.

وهل نقل حضارة الغرب المتقدم فكريا وفنيا في هذه الفترة ليس عملا حضاريا له أهميته في إطلاعنا علي هذه الفنون والأفكار الحديثة؟

طبعا هذا الدور له الأهمية الكبيرة..لكن لا يمكن أن يكونوا هم الرواد.

إن صح هذا..فقد قدم هذا الجيل الأول دوره كاملا في تقديم وتشجيع وتوجيه الجيل الذي يليه وهو جيل الوسط في حين يتهم الجميع جيل الوسط الذي ينتمي اليه يوسف إدريس نفسه بأنه لم يقم بدوره في هذه الناحية ولم يفسح المجال لجيل الشباب ليأتي بعده..وهذه هي شكوي الجيل الجديد من جيلكم عامة ومنك شخصيا؟

الإجابة سبقت السؤال في كتاب صدر أخيرا عن القصة المصرية القصيرة للدكتور سيد حامد النساج وفيه عدد من الكتاب الذين قدمتهم أنا إلي الحياة الأدبية مثل عبد الله الطوخي..وصالح مرسي وفاروق منيب وسكينة فؤاد..والمسألة ليست تشجيعا فليس في الأدب تشجيع إنما هي محاولة لتغيير الذوق العام للقراء حتي يستوعبوا الأشكال الجديدة من الكتابة، ولا يمكن لشخص واحد أن يكون حركة أدبية انما عليه أن يكون عنصرا داخلها يتحرك معها وبها ولن يكون هناك ذلك التغيير في الذوق عن طريق كاتب واحد كون مجموعة حوله من الكتاب والنقاد.

يقول البعض أن نجومية يوسف إدريس ولمعانه يقف أمام ظهور الآخرين؟

ومن يمنع الآخرين من اللمعان..إن مشكلتهم الوحيدة هي انهم ينظرون حولهم والي الآخرين قبل أن ينظروا إلي إنتاجهم، لماذا تنير الشمس؟!..لأنها تستمد ضوءها من داخلها..أما القمر فهو يستمد ضوءه من كوكب آخر ولهذا فهو ليس دائم النور،د.طه حسين كتب عني بعد أن ظهر انتاجي وشعر هو أني قوة يجب أن يقترب مني..كذلك توفيق الحكيم لم التق به إلا بعد أن اعترف بي الوسط الأدبي (ككاتب)،أنا ظهرت في عصر كان فيه العقاد وتوفيق الحكيم وسلامة موسي ويحيي حقي والمازني..كنت طالب طب يهوي الكتابة..ولم أنظر لأحد منهم..إنما قدمت ما إقتنعت به وما أريد أن أقدمه لقرائي،فعلي الجيل الجديد ألا (ينظر حوله) وانما ينظر إلي واقعه ويهضمه ويستوعبه ثم يقدمه لنا بصدق،ساعتها سيكون عطاؤه جديدا أو عظيما،أعظم مما قدمه إدريس ومحفوظ أو الحكيم،علي الجيل الجديد أن يعيش هموم شعبه ويكشف أسرار تكوينه بهدف تغييره إلي الأحسن، فأحداث التغيير يجب أن يكون هو هدف أي أديب وإلا كان إنتاجه مجرد كتابة للقراءة،وهذا هو الفرق بيني وبين الكتاب المصريين الذين نشأوا نتيجة للحركة الثقافية،لكني نشأت نتيجة للحركة السياسية التي كانت ولاتزال تهدف إلي إحداث التغيير في حياة الانسان المصري، فالكتابة من أجل التغيير كانت هي هدفي الأول، لهذا كتبت حتي قبل أن أقرأ.

وهل استطاع يوسف إدريس أن يحدث هذا التغيير المرجو فعلا؟

هذا معناه الحكم بأني كاتب يستحق هذه التسمية،وهذا غير ممكن في الفترات الزمنية القصيرة، فالحكم في هذا متروك للتاريخ وللنقاد ليقيموا ما إذا كان ما نكتبه قد أحدث هذا التغيير في ضمير الانسان المصري أم لا..

وهل كان هذا الموقف هو سبب ابتعاد د.يوسف إدريس عن المناهج الكلاسيكية أو الرومانسية؟

ربما..لكنني بدأت بدايات رومانسية في شكلها ومعالجاتها،لأن الموجود قبلي كان كله رومانسيا وكلاسيكيا، وأنا لا أنظر لنفسي أبدا علي أني كاتب،فالشخص الذي يطلق علي نفسه هذا الحكم لابد أن يكون إما انسانا تافها جدا،أو انسانا له صدق ويقين النبي وقدسيته.

كيف يولد العمل الأدبي،وهل يختار أو يفرض المضمون شكله الأدبي؟

أحسد النبات والحيوان والجماد علي حريته،واكتشف فجأة أن الانسان هو الكائن الوحيد المقيد..وأهتز فيتحول المقال الذي أكتبه بين يدي إلي قصة قصيرة أدعي أنني اكتشفت فيها قانونا جديدا للوجود..وهكذا أنا،تفرض الفكرة ومضمونها الشكل المناسب،ربما يكون قصة أو رواية أو مسرحية..والفرق بين القصة والرواية، أن القصة تخرج بالجزئية الي الكل،بينما تتناول الرواية حدثا أو أحداثا كلية لتركز علي جزئية واحدة..ومايقال عن القصة ينطبق علي المسرحية..

كيف؟

علي الانسان ألا يعمل ضد تيار القدر وقانون الوجود..وهذا ماتنبه إليه المسرح منذ أقدم العصور،وهذه هي أحدث النظريات العلمية الآن..ومسرحيتي»الفرافير» تقوم فكرتها الأساسية علي تلك النظرة أو تلك النظرية..إن كل ما أكتبه يسبقه توهج غريب وهز عنيف وتفكير عميق..ولذلك لايمكن للكاتب أن يقرر أنه كاتب،علي العكس من العالم الذي يؤكد علمه ما اكتشفه من نظريات وقوانين..

وهذا يؤكد أن وجود أو نبوغ عالم أيسر بكثير من وجود أو نبوغ كاتب؟

بالتأكيد..ووجود الكاتب يخضع هو الآخر لقانون، فمن بين عدد من الملايين في كل فترة زمنية ما يظهر كاتب..ولاشك أن الجو الحضاري كلما كان مزدهرا كلما أفرز عددا أكبر من الكتاب..وعندما أقول «كاتب» أعني الكاتب المتميز وليس أي كاتب،فمن سوء حظ الكتابة أنها تبدو أسهل من قرض الشعر أو وضع الموسيقي أو تخطيط وتلوين اللوحة..

ألا تساعد الحركات الوطنية أيضا علي إزدهار الكتاب؟

أي حركة تخلق حركة، ومع هذا فالعلاقة بين الحركات الوطنية وانتفاضة الكتاب «ديالكتيكية» فأحيانا تتواكبان وأحيانا تسبق الكتابة الحركة الوطنية بحيث تكون إرهاصا لها وأحيانا تدعو تلك الحركة الوطنية إلي تدعيم قوتها بالكتابة..وكذلك في الحروب والثورات،فالكتاب هم الذين أرهصوا للثورة الفرنسية والهبوا حماس الناس،أما الحروب العالمية،الحرب الأولي والثانية،هي التي تخلق نوعا خاصا من الأدب يسجل ويعبر عن مآسيها..فحماس جماهيري أكبر من إجادة اللاعبين الذين يخافون الجمهور فيخطئون أكثر..

 

إدريس يسأل.. «ماذا فعلنا برمضان»

 


 

نشر يوسف إدريس مقاله «ماذا فعلنا برمضان؟ «، ضمن سلسلة « من مفكرة». وظهر المقال بعدد الأهرام المؤرخ 12 يونيو 1984. وتستعرض السطور التالية جانب من المقال:

«ماذا فعلنا برمضان؟ فأنا لا أستطيع أن أقول: ماذا فعل رمضان بنا؟ فرمضان شهر عبادة وصيام ومراجعة للنفس وتبتل، شهر السهارى لا لكى يأكلوا إلى آخر ثانية امساك، ولكن ليعيدوا توازنهم النفسى ويراجعوا ماكان من حياتهم وعامهم وحتى يومهم ويتبينون الخط الأبيض من الخط الأسود فى علاقاتهم بالمولى سبحانه وفكرة الصيام نفسها هى فكرة الامتناع عن الاستجابة للحاجات الجسدية العاجلة من مأكل ومشرب ومتع، حتى لا ينشغل الجسد بالجرى وراء تلك المتع، ويتفرغ الجسد والعقل جميعا لما هو أليق بالإنسان، الإحساس الشامل بالطهر والرغبة الخالصة فى السمو بالذات عن متطلبات الحياة اليومية والتواصل مع الحق ومع العدل ومع الحقيقة الاسلامية الكبرى وجوهرها.

ذلك هو رمضان، وذلك هو الصيام كما لابد أن يصومه أهل كل كتاب، ولكن يبدو أننا نحن المصريين دائما ما نلوى أعناق الأشياء لتلائم مزاجنا وأهواءنا ولذلك ما كاد الفاطميون يجيئون إلى مصر، وهم فرقة من فرق الشيعة التى دفعها القهر فى الجزيرة والشرق العربى إلى الهجرة غربا وإنشاء مذاهب شيعية كالإباضية والفاطمية وغيرها ثم مالبث الفاطميون فى المغرب العربى أن قويت شوكتهم وغزوا مصر فى النهاية كما هى عادة مصر أن يكون مقياس القوة لدى أى دولة صاعدة أن تجرب عضلاتها فى غزو مصر. جاء الفاطميون وأنشأوا القاهرة والأزهر الشريف، وجاءوا معهم بالمذهب الشيعي، وجاءوا أيضا وهذا هو الأهم فى حديثنا هذا، بكثير من الطقوس والمهرجانات التى تصاحب المواسم والأعياد الإسلامية مثل مواكب الفوانيس فى رمضان والتواشيح وصنع الكعك واستيراد الياميش، والأكل إلى حد التخمة، وحين انتهى الحكم الفاطمى انسحب معه المذهب الشيعى تماما من مصر ولم يخلف أثرا يذكر إلا فى المساجد الكبرى التى اقيمت لآل البيت وكذلك انسحبت مع الحكم والمذهب كل المذاهب الحضارية التى جاءت مع الغزو الفاطمى ماعدا الأزهر الذى تحول إلى جامعة كبرى أصبحت منارة للمسلمين فى عهود التمزق والتخلف التى حاقت بالأمة الإسلامية والعربية.

ولكن الشيء الوحيد الذى ترسخ فى الحياة المصرية وبقى ولايزال باقيا إلى الآن هو مظاهر (الفنطزية) الفاطمية التى كانت تصاحب حلول رمضان والمواسم والأعياد، وهى مظاهر فنطزية لأنها كلها تتعلق بالطعام والشراب والأنس والسمر ولاعلاقة لها بالمناسبة التى تقام من أجلها، فالمصريون فى الريف وفى كثير من المدن يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج مثلا بعشاء فاخر من البط والأوز والدجاج ومعجزة الإسراء والمعراج لاعلاقة لها البته بطعام أو شراب ولكن هكذا أراد المصريون.

وشهر رمضان هو شهر الامتناع إلا عن الحد الأدنى من الطعام، فقد كان المسلم البدوى فى صدر الإسلام وفجره وضحاه يصوم اليوم كله ولايفطر إلا على قليل من التمر وبعض اللبن المخضوض إن وجد، وفى أحيان نادرة يصيب قطعة لحم حين يتهور أحدهم ويذبح شاة ويوزع لحمها على الأهل والجيران والأسباط.

ولكن شهر رمضان فى مصر هو شهر الطعام لا شهر الصيام، وقد كنت أدهش وأذهل حين أقرأ فى الجرائد عنوانا رئيسيا ضخما يقول: استيراد مائة ألف طن من اللحوم بمناسبة شهر رمضان.. أو توفير كذا ألف طن من السمن والأرز بمناسبة شهر رمضان.. كنت أدهش لأن المفروض أن تكون العناوين هي: توفير كذا ألف طن لحم بمناسبة شهر الصيام، أو شهر رمضان يوفر كذا مليون جنيه عملة صعبة قيمة ماكان مفروضا استيراده من المأكولات والأطعمة..».

 

 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق