رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأجسام المضادة.. مؤشرات مضللة

محمد على

منذ بداية مايو الحالي، بدأت بعض الدول فى تخفيف إجراءات الحجر الكامل والجزئى استنادا إلى مؤشرات باعثة على التفاؤل بتراجع الإصابة بفيروس كورونا المستجد أو كوفيد ـ 19. وفى المقابل، يحذر علماء من عاصفة فيروسية جديدة تجتاح العالم بحلول موسم الشتاء المقبل. وبين الأمل والحذر، يعكف الباحثون فى مختبراتهم على إنتاج لقاح يمنع الكارثة. وتتناول السطور التالية، نقلا عن صحيفة الجارديان، جانبا من جهود مكافحة الإصابة عن طريق استخلاص الأجسام المضادة من مرضى خاضوا التجربة ونجوا. فهل أفلتوا بالفعل وباتوا محصنين؟. وهل لدينا ما يكفى من بيانات موثقة تعكس صورة الإصابة والشفاء بالصدق المنشود؟.

مفهوم الأجسام المضادة

يلجأ أطباء هيئة التأمين الصحى البريطانية، وغيرها من الهيئات الطبية فى العالم، إلى الأسلوب التشخيصى المعتاد المعروف باسم اختبار تفاعل البلمرة المتسلسل (PCR) أى تحليل الصفة الجينية لمسحة من فم المريض أو أنفه، بحثا عن فيروس كورونا المستجد. غير أنه لسوء الحظ، لا يمكن الاعتماد على نتائج تحليل هذه العينات إلا عندما يكون الفيروس موجودا بالفعل فى جسم المصاب، لتبدأ مرحلة العلاج. أما الهدف من استخدام اختبارات الأجسام المضادة فهو مسح أكبر عدد ممكن من السكان لرصد مستويات الإصابة السابقة عموما، الحادة والبسيطة، بتحليل عينـات من الدم. وبالتالي، توفير صورة عامة عن درجة انتشار المرض فى تجمع بشرى بعينه. وهذا بالتحديد ما يسعى قادة العالم لمعرفته على وجه السرعة، والتحرك سياسيا واجتماعيا على أساسه: مستويات الإصابة واتجاهاتها بدقة بين مختلف المجموعات العمرية، والأجناس، والأعراق. إحصاء تفصيلي.

وبعكس الحال بالنسبة لتحليل (PCR) فإن اختبارات الأجسام المضادة ترصد نوعا من البروتينات بشكل حرف(Y) يفرزه الجسم عادة لمواجهة أى عدوى كنوع من الدفاع الطبيعى للجهاز المناعي. وتبقى هذه الأجسام فى الدم لفترات زمنية متفاوتة، وقد تكون دائمة الوجود فى بعض الأحيان بعد شفاء المريض. وهذا مربط الفرس عند إنتاج اللقاحات، أى حقن الجسم بنسخة ضعيفة من فيروس المرض لحفز الجسم على إنتاج هذه المضادات فيتحاشى الإصابة عندما يهاجمه الفيروس الحقيقي. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة على الإطلاق فى حالة هذا الفيروس المحير. أين المشكلة ؟.

تلال معلومات مضللة

يشكل توافر بيانات دقيقة بمستويات الإصابة والشفاء، ومدة المعاناة مع المرض، وسيلة حيوية لتطوير لقاحات تمهيدا لتجربتها على البشر بعد اختبارها معمليا. ويدور هذا كله فى فلك الأجسام المضادة. أما الهدف الذهبى من هذه البيانات فهو التأكد من إمكان حصول المصاب على مناعة وقتية أو دائمة تجاه أى عدوى مستقبلية، بل تحديد قوة المناعة الطبيعية وأهميتها فى مواجهة الوباء دون تدخل خارجي. ومما يثير دهشة علماء العالم منذ بداية العام هو التفاوت الشديد فى أعداد الوفيات من بلد إلى آخر. الفيروس واحد، وبروتوكول العلاج نفسه، ويختلف عدد الضحايا المتماثلين عمريا من مكان إلى آخر. وأرجع باحثون ذلك إلى تعرض مجموعات بشرية بعينها إلى إصابات فيروسية سابقة قريبة الشبه من كورونا المستجد فتولدت لديهم أجسام مضادة ساعدتهم على مواجهة العدوى الجديدة تلقائيا. ولكن هذه الفرضية تبقى فى قائمة «ربما» لغياب بيانات دقيقة وشاملة يمكن الاعتماد عليها عن هذا كله. نعم توافرت معلومات من عشرات الدول، ولكن الوقت لا يسعف فى التأكد من مصداقيتها والتعامل معها علميا.

ولإيضاح جانب من حيرة العلماء الحالية، لننظر إلى الواقعة التالية. فقد أعادت مقاطعة قوانجدونج الصينية اختبار المسحات المخاطية على 320 ألف مواطن بحثا عن أثر للإصابة بالفيروس. وأظهرت النتائج إصابة أقل من0.5 % فقط. وفى بداية إبريل الماضي، عقب البروفيسور بروس أيلوارد ممثل منظمة الصحة العالمية على هذه النتائج بقوله إن ما يتردد عن إصابات مرتقبة على نطاق هائل بالجائحة ليس دقيقا فى المطلق. وتشهد نسبة الإصابة الضئيلة بين هذه المجموعة البشرية الكبيرة على صحة هذا الرأي. لنعد إلى أسلوب الأجسام المضادة بحثا عن حل.

الجانب المظلم للحقيقة

تعتمد غالبية اختبارات الأجسام المضادة المتاحة (200 نوع على الأقل حتى الآن) على استهداف بروتين الاختراق وهو البروتين الوحيد على سطح الفيروس الذى يستخدمه فى النفاذ إلى الخلية البشرية المضيفة للتغذية عليها والتكاثر على سطحها. وتنتج الأجسام المضادة داخل الجسم البشرى استنادا إلى نوعية هذا البروتين. وللأسف، فإن بنية الحامض الأمينى لهذا البروتين تتشابه بنسبة 60% مع أربعة أنواع أخرى من الفيروسات التاجية التى تصيب البشر!. ويعنى هذا أن استهداف الجزء غير الصحيح فى البروتين سينتج عنه نتائج مضللة عند إجراء اختبار الأجسام المضادة للمصابين بفيروس كوفيد ـ19 تحديدا. فسوف تتشابه النتائج مع المصابين بالأنفلونزا الموسمية المعتادة. وبتطبيق طرق الإحصاء وحساب هوامش الصواب والخطأ لن تزيد النتائج الصحيحة لهذه الاختبارات على 30%. ويتمحور الخلاف هنا حول دقة الاستهداف، وحساسية الاختبار. مشكلة أخري.

ونجحت شركتان أوروبيتان كبيرتان فى إنتاج وسائل اختبار يمكنها الوصول بالنتائج إلى 90% (بحسب تقديراتها) إلا أن الأمر يتطلب نقل عينات الدم إلى المعامل التقليدية لإخضاعها للفحص. ويعنى هذا عجز المختبرات المتاحة عن استقبال ملايين العينات فى توقيت متزامن، بينما تستخدم وسائل الاختبار المستحدثة بعد اندلاع الجائحة طريقة حقن الإصبع وإظهار النتائج فى دقائق، ويمكن استخدامها منزليا. (وإن كانت مضللة).

الحصانة ومستقبل الحجر

عجز علماء العالم حتى الآن عن منح الساسة إجابة شافية لهذا السؤال: هل يحصل مريض كورونا المتعافى على حصانة من الإصابة مستقبلا ؟. وهل تقتصر تلك الحصانة على فترة بعينها أم تستمر إلى الأبد كما هو الحال مع شلل الأطفال على سبيل المثال ؟. ويحتاج السياسيون إلى ردود مطمئنة تشجعهم على فك الحجر عن مواطنيهم، وإعادة عجلة الاقتصاد للدوران. وتلخص إليتزا ثيل مدير قسم أبحاث الميكروبيولوجى فى مركز مايو كلينيك الطبى القضية كلها فى العبارة التالية: «إجابة هذا السؤال رهن بنجاح اللقاحات. أما هل سيكون هناك لقاح دائم أم لا ؟ وهل سنضطر إلى التعايش مع المرض باللقاحات السنوية كما هو الحال مع الإنفلونزا الموسمية ؟». كل شيء سابق لأوانه على الأرجح، ولكن على العلماء الاجتهاد. لننتظر.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق