رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وسط التراشق الحاد بين رئيس الوزراء ووزير الصحة..
بريطانيا فريسة كورونا «الأسوأ» فى أوروبا

رسالة لندن منال لطفى

قبل أسبوعين كانت غالبية البريطانيين تعتقد أن أداء بريطانيا فى مواجهة فيروس كورونا أفضل من أداء إسبانيا وإيطاليا. لكن أسبوعين عمر طويل فى السياسة والآن انقلبت الصورة، حيث تعتقد الغالبية الآن أن أداء بريطانيا أسوأ من أداء فرنسا والمانيا والسويد والصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وفوق ذلك أسوأ حتى من إسبانيا وإيطاليا «بؤر كورونا الأولي» فى أوروبا.

الدولة الوحيدة التى تفوقت عليها بريطانيا فى الأداء، وفقاً لاستطلاع صحيفة «ذى اوبزرفر» البريطانية، كانت أمريكا. إنه نصر بطعم مرير للحكومة البريطانية، أخذاً فى الاعتبار أن نحو 80 ألف شخص قتلوا فى أمريكا وحدها بسبب الفيروس، فيما يبلغ عدد المصابين نحو مليون ونصف الشخص، أى قرابة 25% من عدد المصابين عالمياً.

 

وما يثير قلق البريطانيين أن بريطانيا تجاوزت إيطاليا كأكبر ضحية لفيروس كورونا فى أوروبا خلال فترة وجيزة جداً. وحالياً يبلغ عدد الضحايا فى بريطانيا نحو 32 ألف شخص وفقاً للأرقام الرسمية. لكن مراكز بريطانية مستقلة ترجح أن العدد الحقيقى فى حدود 40 ألف شخص أخذاً فى الاعتبار أن الآلاف توفوا فى منازلهم دون أن تجرى لهم اختبارات كورونا، خاصة فى دور رعاية كبار السن. وإضافة إلى الارتفاع المتواصل فى أعداد الضحايا، انخفض إجمالى الناتج المحلى بنسبة 30 %، وخسر نحو مليون شخص وظائفهم، وما زالت نسبة كبيرة من الأطباء والممرضين تشكو من نقص معدات الحماية الشخصية مثل الكمامات والقفازات.

ولا عجب أن هناك الكثير من الغضب ونفاد الصبر فى بريطانيا حول استراتيجية الحكومة للتصدى للفيروس.

وعلى ما يبدو بلغ الغضب مداه ووصل إلى أبواب «10 دواننج ستريت»، فقد نقلت الصحف البريطانية قصة تراشق حاد بين رئيس الوزراء بوريس جونسون، ووزير الصحة مات هانكوك بعد اكتشاف أن أكثر من 25 مليون نظارة وقاية مخصصة لحماية الكوادر الطبية من أطباء وممرضين «بها عيوب» ولا توفر الحماية اللازمة للعاملين فى الخطوط الأمامية فى مواجهة كورونا، ما دعا الدولة للتدخل لجمع تلك المعدات غير الصالحة للاستخدام من المستشفيات.

هذه الحادثة المحرجة تُضاف إلى قائمة طويلة من الحوادث التى وضعت وزير الصحة البريطانى تحت ضغط كبير. ولا ينافس قائمة الحوادث المحرجة، إلا قائمة معارضى ومنتقدى أداء وزير الصحة فى الحكومة وحزب المحافظين، ما دعا مصادر رفيعة فى الحكومة لتسريب أن «أيام مات هانكوك باتت معدودة».

حتى دعم جونسون نفسه بدأ فى التلاشي، فخلال تراشق حاد بين رئيس الوزراء ووزير الصحة، طرح جونسون تساؤلات حول «قبضة» هانكوك على وزارة الصحة، خاصة بعد فشل الوزارة فى تنفيذ وعدها بإجراء 100 ألف اختبار كورونا فى اليوم، واكتشاف أن شحنة أخرى مستوردة لمعدات الحماية للأطباء والممرضين «غير صالحة»، فضلا عن ترك دور رعاية كبار السن بؤراً لانتشار كورونا.

ومع طول التساؤلات والانتقادات رد هانكوك على رئيس الوزراء منفعلاً:»هذا ليس عدلاً...أعطنى استراحة».

وهو ربما على حق، فإلقاء المسئولية على شخص واحد غير عادل أو دقيق. فالفشل المميت فى احتواء الفيروس فى بريطانيا فى فبراير وأوائل مارس له «آباء كثيرون».

وأهم الإخفاقات فى بريطانيا كانت الارتباك والتضارب الواضح فى تعامل الحكومة مع الفيروس.

فمنذ أن بدأ كورونا فى التفشى فى بريطانيا، غيرت الحكومة استراتيجيتها والرسائل الموجهة للجمهور عدة مرات ما أدى إلى قدر كبير من اللبس والضبابية والارتباك.

وهناك ست نواح أساسية أعطت فيها الحكومة توجيهات وآراء متضاربة وهي:

أولاً اختبارات الإصابة بكورونا: ففى 12 مارس الماضى قال كبير المستشارين الطبيين للحكومة، البروفيسور كريس ويتى إنه لم يعد من الضرورى إجراء مسح واختبارات كورونا لرصد كل حالة مصابة، موضحاً أن الحكومة ستتوقف عن الاختبارات (التى ترسم صورة انتشار المرض ومناطق تمركزه ومعدلات ارتفاعه)، وستطلب من البريطانيين البقاء فى المنازل لوقف انتشار المرض.

لكن بحلول 5 مايو الجاري، وعندما وضح بشكل جلى فداحة عدم إجراء اختبارات واسعة النطاق على غرار باقى أوروبا لفهم حجم انتشار الفيروس فى بريطانيا، قال السير باتريك فالانس، المستشار العلمى للحكومة البريطانية:»أعتقد أنه إذا تمكنا من زيادة نطاق وأعداد الاختبارات بشكل أسرع، فسيكون ذلك حيوياً...أعتقد أنه من الواضح أننا بحاجة إلى كثير من الاختبارات...إذا قمنا باختبار وتتبع وتعقب وحافظنا على تدابير التباعد الاجتماعى فسنكون قادرين على تجنب الموجة الثانية».

ثانياً مبدأ مناعة القطيع: أيضاً أعطت الحكومة توجيهات متضاربة فى مبدأ مناعة القطيع. ففى 13 مارس الماضى قال السير باتريك فالانس «هدفنا هو محاولة تقليل ذروة المرض وليس قمعها تماماً لأن الغالبية العظمى من الناس يصابون بأعراض طفيفة من المرض ما يساعد على بناء نوع من مناعة القطيع وبالتالى يكون عدد أكبر من الناس محصنين ضد هذا المرض ما يقلل من انتقاله».

لكن فالانس نفسه قال فى 5 مايو الجارى «يجب أن أكون واضحاً بشأن ما كنت أحاول قوله، وإذا لم أقله قبل ذلك بوضوح كافٍ فأعتذر. ما كنت أحاول أن أقوله هو أنه فى حالة عدم وجود علاج، فإن الطريقة التى يمكنك من خلالها منع المجتمع من أن يصبح ضحية لهذا الفيروس هى من خلال المناعة، ويمكن الحصول على المناعة عن طريق التطعيم، أو عبر الأشخاص الذين كونوا مناعة بعد اصابتهم»، وذلك فى تراجع عن فكرة أن الحكومة سعت عن عمد لترك الناس تصاب بالفيروس لتكوين مناعة طبيعية حتى إذا توفى عشرات الآلاف خلال تلك العملية (وهو ما حدث فعلاً). فألمانيا التى يقدر عدد سكانها بأكثر من 83 مليون نسمة ،توفى فيها نحو 7500 شخص من جراء كورونا، فيما أن بريطانيا ،عدد سكانها 66 مليون، توفى فيها حتى الآن مايتراوح بين 32 ألفا و40 ألف شخص، و يرجع كثيرون هذا إلى مبدأ مناعة القطيع الذى انتهجته الحكومة فى البداية.

ثالثا عدد القتلي: فقد قال المدير الطبى لقطاع الرعاية الصحية فى انجلترا، ستيفن باويس، فى 28 مارس الماضي:«إذا تمكنا من إبقاء الوفيات أقل من 20 ألف شخص، فستكون هذه نتيجة جيدة جدا». لكن بوريس جونسون قال فى 30 أبريل الماضى بعدما كان عدد الضحايا قد تجاوز الـ 26 الف شخص بالفعل:«لقد تجنبنا وباء كارثياً لا يمكن السيطرة عليه، حيث كان السيناريو الأسوأ هو 500 ألف حالة وفاة».

رابعا حظر الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية: لم تتحرك بريطانيا مبكراً لحظر الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية على غرار الدول الأوروبية الأخري. فإيطاليا وإسبانيا مثلاً فرضتا الحظر العام الكامل قبل أن يبلغ عدد الضحايا 10 أشخاص، لكن بريطانيا فرضت الحظر العام فى 23 مارس الماضى عندما بلغ عدد الضحايا 335 شخصا.

ففى 9 مارس الماضى قال كريس ويتى موضحاً أسباب تباطؤ بريطانيا فى فرض الحظر العام:«هناك خطر إذا طبقنا مبكراً الحظر العام، حيث سيشعر المواطنون بالملل والإرهاق وسيكون من الصعب تحمله». ومع وضوح خطورة الفيروس فى الأسبوع الثالث من مارس، هرولت الحكومة لفرض الحظر العام ولكن بعد أن كانت نسبة العدوى قد بلغت ذروتها.

خامسا معدات الوقاية الشخصية للطواقم الطبية مثل الكمامات وقفازات اليد والأرواب الطبية: ففى 11 أبريل الماضي، قال وزير الصحة مات هانكوك إن بريطانيا لديها ما يكفى من معدات الحماية الشخصية للكوادر الطبية وإن المشكلة بالأساس هى مشكلة «توزيع». لكن الحقيقة التى كان غالبية الأطباء والممرضين يدركونها هى قلة المتوافر ما أضطر كثيرا منهم لتصنيع معدات وقاية فى المنزل أو لبس أكياس القمامة البلاستيكية عوضاً عن الأرواب الطبية، ما أدى حتى اليوم إلى وفاة أكثر من 200 طبيب وممرض ومسعف جراء إصابتهم. فقط عندما بات واضحاً أن هناك مشكلة فى توافر معدات الحماية الشخصية اعترف وزير الإسكان والمجتمعات المحلية والحكومة المحلية، روبرت جينريك بنقص الإمدادات.

سادساً استخدام الكمامات من قبل الجمهور: أيضا لم تخل هذه النصيحة من تضارب وارتباك. ففى 3 أبريل الماضى قال جوناثان فان تام، نائب المدير الطبى لإنجلترا إنه «من حيث الأدلة الثابتة حول الأثر الصحي... لا نوصى بارتداء المواطنين للكمامات». لكن بوريس جونسون قال فى 30 أبريل الماضى «ما أعتقده هو أنه كجزء من استراتيجية إنهاء الحظر على الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، أعتقد أن أغطية الوجه ستكون مفيدة لأسباب صحية أيضاُ لمنح الناس الثقة فى العودة إلى العمل». البعض يقول إن التضارب فى النصائح بارتداء الكمامات ربما أدت لزيادة أعداد الضحايا خاصة فى الأماكن المزدحمة.

لعبة اللوم

هناك كثير من القرارات الهامة التى يجب على الحكومة اتخاذها خلال الأيام المقبلة على رأسها مسألة إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية والخروج المتدرج من الحظر العام. ولن يجد جونسون أعداء ومعارضين له أكثر من نواب حزبه وأعضاء حكومته. فأحزاب المعارضة والشارع البريطانى يؤيدون استمرار الحظر العام حتى مطلع يونيو على الأقل بسبب ارتفاع معدلات العدوي، لكن هناك أعضاء فى الحكومة (من بينهم مايكل جوف وروشى سوناك) ونواب فى الحزب (من بينهم آيان دنكان سميث وفيليب هاموند) يريدون إعادة فتح بعض الأنشطة الاقتصادية فى أسرع وقت ممكن حتى لا تبدو بريطانيا متخلفة عن أوروبا وتدفع ثمنا اقتصاديا مكلفا.

وستكون قرارات جونسون المقبلة هى الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبله السياسي، فإذا استمر التخبط والتردد وأدى لركود اقتصادى طويل، وللمزيد من الضحايا (جامعة جون هوبكنز الأمريكية تتوقع وصول عدد الضحايا فى بريطانيا لـ60 ألفا بحلول أغسطس)، فإن رأس جونسون نفسه ستكون على المحك. فلن يتحمل أحد اللوم أو الثناء نيابة عنه. فهذه الحكومة بالذات «بلا شخصيات كبيرة» وعندما اختار جونسون أعضاءها بعناية مطلع العام بعد فوزه الكبير فى الانتخابات العامة المبكرة فى ديسمبر الماضي، اختارهم كـ«توزيع جوائز» للمؤيدين للبريكست. لكن اليوم هذه الحكومة ،التى تخلو منها الأسماء الكبيرة والخبرة الطويلة، تتعامل مع أزمة أكبر كثيراً من البريكست، وضعف كفاءتها واضح تقريباً فى الارتباك والتضارب فى كل قرار.

هذا التضارب والارتباك وصل لمستوى «سيريالي» فى الكلمة التى ألقاها جونسون للبريطانيين مساء الأحد والتى كان من المفترض أن يوضح فيها «خريطة طريق» الخروج من الحظر العام المفروض على الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية على غرار باقى أوروبا. لكن عوضاً عن أن تكون خريطة الطريق «واضحة»، كانت أشبه بطلاسم. فقد غير جونسون شعار استراتيجية مواجهة كورونا من «ابق فى البيت» إلى «ابق متأهباً». لم يفهم غالبية البريطانيين ما الذى يعنيه أن يبقى المرء متأهباً. فالشعار الجديد فضفاض جداً وقابل للتفسير والتأويل بحسب وجهة نظر كل شخص. رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجين، والتى يسميها البعض بـ «أذكى امرأة فى بريطانيا» اعترفت أنها لم تفهم ما الذى يعنيه الشعار الجديد ولا التغييرات التى أدخلها جونسون على استراتيجية التصدى للفيروس، ملوحة ضمناً أن التغييرات الغامضة هى محاولة من جونسون لإرضاء «الصقور» فى حكومته الذين يريدون فتح الاقتصاد اليوم قبل غد، ومحذرة من أن أى فتح مبكر للأنشطة الاقتصادية سيؤدى إلى موجة ثانية قاتلة من كورونا خاصة أن معدلات العدوى ما زالت مرتفعة فى بريطانيا. ثم أعلنت ستورجين ومسئولو الحكومات الإقليمية فى ويلز وايرلندا الشمالية أنهم لن يتبعوا التغييرات الجديدة التى أعلنها جونسون وأنهم سيبقُفون على شعار «ابق فى البيت». وبالتالي، وفى أكبر أزمة تواجهها بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية، تسير انجلترا وحدها فى اتجاه، وكل من ويلز واسكتلندا وايرلندا الشمالية فى اتجاه آخر. وأصبح الوصف الذى يصاحب ذكر اسم جونسون على وسائل التواصل الاجتماعى منذ أمس «رئيس وزراء انجلترا» وليس كل المملكة المتحدة. ولخصت إحدى المواطنات المشهد السيريالى المرتبك بقولها:«تعليمات بوريس الجديدة هي: اخرج، لكن ابق فى البيت. اذهب للعمل، لكن لا تأخذ وسائل المواصلات. قابل أقاربك، لكن لا تقابلهم بأعداد كبيرة. اذهب للمدرسة، لكن ليس كثيراً. أذهب للشاطئ لكن لا تجلس تحت الشمس».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق