فى عامِ 1987 اختلفَ أعضاءُ اللجنةِ التى تمنحُ جائزة البوليتزرْ للشعرِ حولَ أحقيةِ الشاعرِ الأمريكيِ الراحل ماركٍ ستراندْ فى نيلِ الجائزةِ عنْ ديوانهِ « نصب تذكاريٍ»، وافقَ اثنانِ على منحِ الجائزةِ للديوانِ، ورفضَ العضوُ الثالثُ لويسْ سمبسونْ لأنَ الديوانَ فى رأيهِ كتابٍ نثريٍ والجائزةِ مخصصةٌ لتكريمِ الشعرِ. بعدَ ذلكَ بثلاثةِ عشرِ عاما منحتْ الجائزةُ للشاعرِ الأمريكيِ منْ أصلٍ صربيٍ تشارلزْ سيميكَ على ديوانهِ « لا نهايةً للعالمِ « وبقصائد لا تختلفُ فى بنيتها الجماليةِ النثريةِ عما كتبهُ ستراندْ ورفضتهُ الجائزةُ منْ قبلُ. تلكَ القصةِ تكشفُ مدى التناقضِ الذى عاشتهُ قصيدةُ النثرِ فى الولاياتِ المتحدةِ، ولكنها تكشفُ أيضا مدى قبولها الآنِ وهو ما يشيرُ إليه ديفيد ليمانْ الناقد والشاعر فى تقديمه لكتاب «قصيدةِ النثرِ الأمريكية « الذى ترجمهُ قبل رحيله الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم ، وينتظرُ الطبع منذُ سنوات.
يقدم الكتاب مختاراتٍ لـ 118 شاعرا يكتبون تلكَ القصيدةِ الجديدةِ، واللافتِ أنَ كاتبا اختار له ليمانْ ثلاثة نصوصِ وهوَ كينيثْ كوخٌ عبرَ لهُ عنْ فرحهِ بالاختيار إلا أنهُ رجاهُ ألا يكتبَ تحتَ نصوصهِ قصائدَ بلْ قصص قصيرةً على نمط اليابانى كاوباتا :قصص فى حجم قبضةِ اليد.
فى المقدمةِ لا يبتعدُ ليمانْ عنْ الربطِ بينَ القصيدةِ الجديدة والقصةِ عندما يقول: «قصيدة النثرِ كتبت خصيصا بالنثرِ.. قدْ تبدو على الصفحةِ كفقرةٍ أوْ قصةٍ قصيرةٍ مفتتةٍ ، لكنها تعملُ عملَ القصيدةِ بواسطةِ الجملِ لا الأبياتَ، وهيَ تستخدمُ كلَ التقنياتِ الخاصةِ بالشعرِ «. ويضيف أنها ابنة طبيعيةً لما بعدَ الحداثةِ. ويستندُ ليمانْ فى كتابهِ إلى المقولةِ الشهيرةَ عنْ قصيدةِ النثرِ لبودلير ـ أولْ منْ أسسٍ لهذهِ القصيدةِ وجعلها فنا أدبيا فى فرنسا: «منَ منا لمْ يحلمْ بمعجزةِ قصيدةِ النثرِ أنَ تتوسقْ منْ دونِ وزنِ أو قافيةِ ، فهيَ مطواعةٌ تكيفِ نفسها معَ نبضاتِ الروحِ الغائبةِ ومعَ مويجاتِ النفسِ واهتزازاتِ الوعيِ»، تلكَ القصائدِ التى يصفها سيميك بأنها انفجارٌ لغويٌ يتبعُ اصطداما بقطعةٍ كبيرةٍ منْ الأثاثِ . يستهل محمد عيد إبراهيم الكتاب بقصيدةِ لفرانكْ أوهارا عنوانها »أنا شاعرٌ ولستَ فنانا«، ثمَ يقدمُ 193 قصيدةٍ منتقاة لتاريخِ قصيدةِ النثرِ بدءا منْ الرائدين رالف والدو أمرسون وإدجارْ آلانْ بو، ويقدمُ قصيدةً للروائيّ الشهيرِ أرنستْ همنجوايْ عنوانها : «مونبارناس»، كما ينشرُ قصيدةً للشاعرِ الأمريكيِ الأشهر ت إسْ إليوتْ بعنوانِ :هيستريا» يقولُ فيها: »وهيَ تضحكُ وعيتَ أنى تورطتْ فى ضحكتها، وقدْ صرتَ جزءا منها، حتى صارتْ أسنانى نجوما عارضةً بملكةِ حفرٍ . ذبتْ فيها بلهاثٍ متتابعٍ«.
رابط دائم: