فى زيارة فى مارس الماضى لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، المعنية بمكافحة فيروس كورونا، تحدث الرئيس ترامب عن فطنته العلمية المزعومة قائلا «سألنى هؤلاء الأطباء.. كيف تعرف الكثير عن الدواء؟ «ربما لدى قدرة طبيعية.» لكنه حتى وسط أزمة صحية خطيرة تجاهل ترامب النصائح العلمية وآراء الخبراء، لتصبح السمة المميزة لإدارته التى تفتخر بالفردية التنافسية وتكره السلطة المركزية حتى لو فى سبيل استغلال الفوضى لتحقيق مكاسب سياسية ولوم الآخرين على الخسائر.
فقد سعى منذ بداية الأزمة إلى تحويل كورونا إلى ورقة انتخابية، يتلاعب بها وفقا لرغباته وطموحاته السياسية..
فمنذ بدء الجائحة وأمريكا تعانى نقص الإمدادات الطبية خاصة فى الولايات المتضررة. وفى كل مرة يبادر أحد بسؤال ترامب عن نقصها أو غلاء أسعارها يجيب بكل بساطة: «ليست مسئوليتى وعلى حكام الولايات توفير المزيد منها». لكن فى المقابل، نجد صهر ترامب ، جاريد كوشنر يشكل فرقة عمل لمكافحة الفيروس، تجند شركات القطاع الخاص وتشرف على المخزون الوطنى الاستراتيجى من الإمدادات الطبية .
وسارع الرئيس الأمريكى لتفعيل قانون الإنتاج الدفاعى ، لتجنيد كبرى الشركات لصناعة أجهزة تنفس صناعى ، إلى جانب سلسلة ضخمة من حزم المساعدات لدعم الشركات الصغيرة وجيش العاطلين الذين سقطوا ضحية لكورونا.
وعندما قالت رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى إنها ستشكل لجنة خاصة مختارة لمراقبة كيفية إنفاق الأموال ، اتهمها ترامب بـ «إجراء تحقيقات حزبية فى وسط جائحة». وقد أثار ذلك التساؤلات بشأن احتمالات استخدام هذه الأموال ، وكذلك تعاملات صهره السرية ، لتحسين احتمالات إعادة انتخابه.
فبعد نجاته بالكاد من التصويت بعزله فى قضية المكالمة الأوكرانية ، يبدو أن أزمة كورونا بالنسبة لترامب ليست أزمة جديدة بل هى مجرد فرصة أخرى للتمسك بالسلطة على أبواب معركة الرئاسة المقبلة. وهو لم يمارس هذا الأسلوب فى الولايات المتحدة فقط بل خارجها أيضا كرد استباقى على فشله فى مواجهة الأزمة. فقد أشعل غضب الأوروبيين بالفعل من محاولاته للحصول على حقوق احتكار لقاح للفيروس كان قيد التطوير فى ألمانيا ليزهو مجددا أمام الشعب الأمريكى بقدراته على ممارسة الضغط وتحقيق نتائج لصالحه. و تفاقم الغضب فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبى بسبب حظر السفر الذى فرضه على دول المنطقة الشهر الماضى دون استشارة سياسية أو مبرر علمى. وبعدها عاد وكرر فى بياناته اليومية، مصدر السخرية، أن بلاده لن تكون قادرة فقط على توفير الإمدادات الطبية اللازمة لها بل لكل الدول الأوربية المتضررة. ولا يقتصر الضرر الذى لحق بسمعة الولايات المتحدة على أوروبا. بل كان هناك شعور بالفزع بين دول مجموعة السبع من أنه لم يتم الاتفاق على بيان مشترك حول معالجة الوباء لأن ترامب أصر على تسميته «فيروس ووهان» بطريقته المعتادة فى إلقاء اللوم على الصين بمفردها. ناهيك عن تجاهله المستمر إزاء الدعوات لإنشاء فرقة عمل عالمية لتوحيد جهود مكافحة الأمراض الفيروسية.
ومع تبجحه العلنى برفض المساعدات الأجنبية ، نجده مع ذلك يطلب بشكل خاص وسرى من حلفائه المساعدة، حتى من الصين التى يواصل اتهامها بشكل يومى تقريبا بتسببها فى خلق الفيروس ونشره. وكذلك يواصل تشويه سمعة منظمة الصحة العالمية فى سعيه الحثيث لإيجاد كبش فداء. واتهم المنظمة بعدم القيام بالمهمة الموكلة إليها لأنها كانت مهتمة للغاية بـ»الحساسيات الصينية».
حتى الآن، ركز الرئيس الأمريكى على التحديات الشخصية قبل احتياجات العامة بينما تحتاج هذه الأزمة العالمية تضامنا عالميا والتغاضى عن أى مصالح خاصة. لكن شعار «اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا» الذى رفعه ترامب فى انتخابات ٢٠١٦ يعنى أيضا أن السياسات القومية والانعزالية مازالت هى التى تتولى زمام الأمور.
رابط دائم: